الرئيسية

الحرية، لفظة قوية وعميقة ونفيسة، ملؤها العذوبة والحلاوة؛ فهي أمنية كل إنسان بل ضالته المنشودة. كم من دماء أُريقت وتُراق لأجلها، حتى أصبح اليوم معظم الناس يتمتعون بها ظاهريًا. لكن، هل إنسان اليوم، الذي ينعم بالحرية... هل هو حقًّا حر؟ فمع أنه حرّ التفكير، فها هو يفكر مرغمًا بما لا يتمناه، إذ لا سيطرة حقيقية على فكره. ومع أنه حرّ التصرف، ولكن سرعان ما يندم على تصرفات كثيرة، لم يكن ليملك الحرية للامتناع عنها... ولهذا هو عبد مع كونه حرًّا.
أما ذروة عبودية الحرية فهي ظاهرة في المسعى السافر للتحرّر من الدين والتديّن، ومن الضوابط والروابط، روحية كانت أم اجتماعية. فنجد العالم في هياج صاخب، وفي ثورة غاشمة وجموح حيواني، نحو هذا النوع من الحرية.
أجل إن صياح العالم يعلو صارخًا «لنقطع قيودهما. ولنطرح عنا ربطهما». ويصرّحون بكل وقاحة: «لا نريد أن هذا يملك علينا». لا نريد من يسود علينا، ولا من يراقبنا أو يوجهنا، لنا ضميرنا وهذا يكفينا، ولنا كل الحرية في كيفية العيش والتصرف. وإذا بالنتيجة المروعة، واقع مرير: شر مستفحل... إباحية مخيفة... ضلال وتيهان... دمار شامل... وكأن العالم على فوهة بركان، والخطر يهدد العائلات والأفراد والمجتمعات بخراب قادم. لماذا أمسى هذا الحر عبدًا ذليلاً لكل أنواع العادات الذميمة، ولكل ميول شهواته الحيوانية؟ لماذا زاد القلق، وكثرت الجرائم، وزاد الانتحار، وارتفعت نسبة الطلاق؟ ذلك فقط لأن هذا المخلوق البشري الضعيف استقلّ عن الله، ورفض أسلوبه في منح الحرية، مستهينًا بكلمة الله المباركة التي وحدها ترشد الإنسان في درب الحرية الحقيقية، ووحدها تعرّفنا إلى المحرر الوحيد، من عبودية الشيطان والخطية والذات والأنانية، الذي صرح قائلاً: «إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا».
فإن من يتخذ الرب يسوع مخلصًا شخصيًا له ينال الحرية والغلبة، لأنه يتعرف بمن هو «الطريق والحق والحياة». الذي قال أيضًا: «تعرفون الحق والحق يحرركم». إن هذا الحق، المخلص العجيب، بإمكانه اليوم، كما في الأمس، أن يجعل الإنسان في سلام مع نفسه ومع الله.
فلا نستقلن عن الله، في صغائر أمورنا وكبائرها... في حياتنا الروحية والاجتماعية... سواء كثرت معلوماتنا أم قلّت، زادت اختباراتنا أم نقصت، "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد"، ولأن بدونه لا نستطيع أن نفعل شيئًا.
وأخيرًا نقول: إن الحرية الحقيقية تكمن في كوننا عبيدًا صالحين أمناء للرب كل أيام حياتنا.