كانون الأول (ديسمبر) 2009

يقول الرسول بولس: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا. نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ. مَحَبَّتِي مَعَ جَمِيعِكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. آمِينَ" (1كورنثوس 22:16-24).


ونحن نجد في هذه الآيات الأخيرة من الرسالة ثلاث كلمات قد لا يبدو الترابط واضحاً بينها.
كلمة "أناثيما"، تتبعها كلمة "ماران آثا"، وبعدها كلمة "نعمة الرب يسوع المسيح".
"أناثيما" معناها اللعنة، وهي ذات الكلمة التي نجدها في سفر يشوع بعد أن انتصر يشوع على أريحا، فصارت أريحا حراماً. وكل ما فيها من غنائم صار حراماً على الشعب، وصار كل ما فيها من فضة وذهب وآنية النحاس والحديد قدساً للرب. هذا هو معنى الكلمة أنها لم تعد من حق الشعب لكنها صارت حراماً عليهم، ومحرّماً للرب، والرب يهلكها لأنها تمثّل الشر والخطية.
فكلمة ”أناثيما“ تعني أن شخصاً يلتقي مع الرب وتقع عليه اللعنة في مواجهة مباشرة مع الله.
أما كلمة "ماران أثا" فتعني "الرب آتٍ" وهي تقرير لحقيقة. وإن قلنا "ماران أثا" فهي صلاة تعني تعال أيها الرب يسوع.
والكلمة الثالثة كلمة ”نعمة“. فنحن إذاً بين اللعنة والنعمة وفي وسطهما "ماران أثا". فدعونا نتأمل بين اللعنة والنعمة ومجيء المسيح.
إن المجيء الأول للمسيح نقل الإنسان من اللعنة إلى النعمة. وآخر كلمات آخر سفر من العهد القديم "ملاخي" تقول: "لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن". وآخر كلمة في العهد الجديد ينتهي بالنعمة. والذي أوجد الفرق بين نهاية العهد القديم ونهاية العهد الجديد هو مجيء المسيح، هو الذي نقلنا من اللعنة إلى النعمة، نقلنا من حالة كنا فيها تحت الدينونة، إلى النعمة في المسيح. وإن كان المجيء الأول للمسيح يرتبط بالكلمتين: اللعنة والنعمة، فمجيئه الثاني يرتبط أيضاً بالاثنتين.
"أناثيما"... اللعنة
"إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا!".
كان أهل كورنثوس يعيشون حياة بعيدة عن الحياة الخلقية المسيحية الملائمة، وقد عُرف بينهم الزنا، وكانوا بعيدين عن معرفة المعاني الحقيقية للمسيحية؛ فلم تكن كنيسة كورنثوس تعرف العمق المسيحي. وبولس لا يطلب لعنة على إنسان ولا يطلب لعنة على شخص ناصبه العداء، لكن بولس يذكر حقيقة يحذر بها، ليس فقط أهل كورنثوس بل كل إنسان في كل مكان، إنه يتحدث بذلك بدافع المحبة، إنه يرى خطراً جسيماً في مستهل الطريق ويحذر كل إنسان من هذا الخطر. يقول البعض: لا يمكن لله الذي قدّم لنا المسيح، "الله محبة" المتجسِّد،  أن يسمح بأن يتعرّض الخطاة للّعنة أو العذاب الأبدي إن لم يتوبوا ويرجعوا إليه. إن هذا العذاب الأبدي الذي ينتظر من لا يُقبل إلى المسيح بالإيمان ليس عقاباً على خطية لكنه النتيجة الطبيعية للخطية، والله يريد أن يرفع هذه النتيجة الطبيعية عن كل خاطئ. لكن، إن لم يرجع الخاطئ إليه فلا سبيل لنجاته، فتبقى الخطية والدينونة عليه. حين يقول الكتاب: "النفس التي تخطئ هي تموت"، ليس هذا عقاباً بل هذه حقيقة طبيعية. حين تقول لطالب: إن أهملت دروسك سوف ترسب في الامتحان، فرسوبه في الامتحان ليس عقاباً على إهمال دروسه بل هو النتيجة الطبيعية. وحين تقول كلمة الله: "النفس التي تخطئ هي تموت"، فالموت هنا ليس عقاباً بقدر ما هو نتيجة حتمية طبيعية للخطية. والخطية هي ما يفصلنا عن الله. والخطية في أساسها هي الانفصال عن الله. والذي ينفصل عن الله يقتل ويسرق ويفعل هذا كله. فالخطية هي الانفصال عن مصدر الحياة. والانفصال عن مصدر الحياة هو الموت. فالنفس التي تخطئ تُفصل عن الله، وعن مصدر الحياة، وبالتالي تموت؛ هذه نتيجة طبيعية للخطية وليست عقاباً على الخطية. ولا يمكن أن نقول إن محبة الله تمنعه من أن يعاقبنا على خطايانا بالعذاب الأبدي، فهو لا يعاقبنا. نحن إذ نخطئ نقود أنفسنا قياة حتمية طبيعية إلى هذا العذاب الأبدي إن لم نرجع إلى المسيح، وليس هذا عقاباً لكنه نتيجة حتمية للخطية، وأجرة الخطية هي موت روحي... موت جسدي... وموت أبدي.
أجرة الخطية موت روحي، يعني الانفصال عن الله والانفصال عن مصدر السلام والفرح والحياة، لذلك نرى أنفسنا كبشر خطاة نعيش في تعاسة، في حرب، في صراع، في كآبة، في فراغ وضياع... هذا هو الموت الروحي... انفصالنا عن الله.
أجرة الخطية موت جسدي كما قال الله لآدم ”إلى تراب تعود“. هذا الإنسان الذي أخطأ يعود إلى التراب.
وأجرة الخطية موت أبدي بمعنى أنه يبقى طول الأبدية بعيداً عن الله مفصولاً عنه في عذاب أبدي. الحياة الأبدية سواء كانت في المجد أو الجحيم لا يستطيع الإنسان في الجسد أن يتصوّرها لأن لها طبيعة أخرى ولغة أخرى، لذلك يقرّب لنا الوحي هذه المعاني بألفاظ بشرية وبتشبيهات قريبة لأذهاننا، لكن العذاب الأبدي أقسى وأمرّ بكثير من نار لا تُطفأً ومن دود لا يموت لأنه انفصال عن الله، عن مصدر كل ما هو جميل.
إن اللعنة التي يحذّرنا منها بولس الرسول لا ينبغي أن نستبعدها من أذهاننا على أساس أن الله محبة، ولا ينبغي أن نتصوّر أن اللعنة تتعارض مع رحمة الله لأننا نحن الذين نجلبها على أنفسنا. ماذا يمكن أن يفعل الله لكي يرفع عنا هذه اللعنة؟ لقد فعل كل ما يمكن أن يفعله حتى جاء بنفسه وأخذ اللعنة عنا وصار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب "ملعون كل من عُلّق على خشبة". رفع الخطية عنا وصار هو خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. ماذا يمكن أن يفعل الله أكثر من ذلك؟! ولكن، إن كنا نقبله، وقد مات عنا، فقد رُفعت عنا الخطية واللعنة. وإن كنا نرفضه فإنه لا يستطيع أن يرفع عنا اللعنة؛ لا يستطيع مع أنه يريد وليس هذا لعدم قدرته لكنه احترام منه لإرادتنا. لقد خلقنا أحراراً على صورته، والنتيجة الطبيعية إن رفضناه في حياتنا نبقى تحت اللعنة ونبقى في موت وعذاب أبدي.
لاحظوا كلمات الرسول بولس: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا"، ليس إن كان أحد يكره الرب يسوع المسيح، أو يحارب الرب يسوع المسيح فليكن أناثيما، بل عدم المحبة يكفي أن يكون تحت اللعنة. أرأيتم خطورة هذه الحقيقة؟
يريدنا  بولس أن نحب المسيح ونحب الآخرين لأن هذا هو المسيحي... هذه هي الكنيسة التي تربح الآخرين للمسيح، وبغير محبتنا للمسيح وللآخرين نبقى تحت اللعنة ويظل العالم تحت اللعنة لأنه لا يمكن أن ينجذب للمسيح قوم لا يحبون المسيح.
النعمة
"نعمة الرب يسوع المسيح معكم". نعمة المسيح مع جميعكم يا أهل كورنثوس، يا من تعيشون في الزنا، يا من تجهلون المسيحية، يا من لا تعرفون المحبة الحقيقية... نعمة المسيح مع جميعكم. فالنعمة ليست لمن يستحق، النعمة في تعريفها هي لمن لا يستحق، وإن كنا نتصور أننا يمكن أن نستحق خلاصا فقد سقطنا من النعمة. دعونا نتذكر أن هذه النعمة تلتقطنا ونحن في الهاوية، النعمة هي التي قبلت الزانية، وشاول الذي كان يجدف ويحارب المسيحيين. النعمة هي التي قبلت ذلك اللص على الصليب بغير عمل يقدّمه. لقد اختارنا في المسيح قبل تأسيس العالم ومن قبل أن نوجد...  هذه هي النعمة أنه اختارنا وأحبنا، فكيف نقول إننا نخلص بأعمالنا؟
الإيمان وحده هو الذي يعطينا الحق في نعمة المسيح، هذه النعمة التي تنتشلنا من الخطية وتحفظنا في الإيمان ضد التجربة.
ثم إن نعمة الله لم تكمّل بعد عملها فينا. نحن قد سقطنا ففسدنا نفساً وجسداً وروحاً. نعمة الله خلّصتنا روحاً، في اللحظة التي آمنا فيها بالمسيح... خلصت أرواحنا، ونلنا تبريراً. فنعمة الله تحفظنا إذ تقدسنا في هذه الحياة ولكن العمل لم يكتمل... هذا الجسد الذي سقط لا بد أن يخلص. نعمة الله خلصتنا روحاً بالتبرير، ونفساً بالتقديس، وستخلصنا جسداً لأنه سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليصير على صورة جسد مجده.
مجيء المسيح
حين يأتي المسيح يأخذ ضعف هذا الجسد ويغيّره، لقد خلّصنا روحاً ونفساً، وفي اللحظة التي يأتي فيها ليختطفنا سنكون في أجساد ممجدة. إن مجيئه ثانية يرتبط باللعنة لمن لم يقبله وبالنعمة لمن قبله.
الذي لم يقبله سيكون في مجيئه بالنسبة له كلص في منتصف الليل لكي يقف أمامه تحت اللعنة.
أما الذي قبله فسيكون مجيئه له كمجيء العريس للعروس ليأخذها إلى المجد.
دعونا نحدد موقفنا منه.. إن كنا ما زلنا تحت اللعنة ففي لحظة - إن وضعنا ثقتنا فيه وقد مات عنا - ينقلنا من اللعنة إلى النعمة، فقط ألقِ خطيتك عليه، وتأكد أن دم يسوع المسيح قد طهرك من كل خطية، وعش في النعمة بعد أن كنت تحت اللعنة منتظراً وطالباً سرعة مجيء الرب.

المجموعة: 200912