كانون الأول (ديسمبر) 2009

عندما التقى الرب مع موسى عند العليقة التي كانت تتوقّد بالنار ولا تحترق، قال له: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ" (خروج 7:3).


الإنسان تحت سيادة الشيطان في مذلة، وصراخ، وأوجاع، وقد تطلّب إنقاذه من هذه العبودية أن ينزل الرب لإنقاذه.
وكما نزل الرب وأنقذ شعبه من عبودية فرعون، كذلك نزل لإنقاذ العالم من الظلمات، ومن سلطان الشيطان.
وقبل أن أستطرد في الحديث أقول أنه من أول أصحاح في سفر التكوين، وهو أول أسفار الكتاب المقدس، أعلن الله عن ذاته بأنه جامع في وحدانيته، فنقرأ في أول آية في هذا الأصحاح الكلمات: "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تكوين 1:1). واسم الله في الأصل العبري هو "إلوهيم" وترجمته الحرفية الآلهة... ثم نقرأ: "وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 26:1-27).
وكلمة "نعمل" تعلن الجمع، وكلمة "فخلق الله" تعلن الوحدانية.. فمنذ الأزل، الله العظيم جامع في وحدانيته، ولما وُلد يسوع من مريم العذراء أعلن في ختام خدمته هذه الوحدانية في كلماته لتلاميذه: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (متى 19:28).
وهذه الكلمات تعلن الوحدانية الجامعة، فكلمة "باسم" تعلن الوحدانية، وهذه الوحدانية جامعة "الآب والابن والروح  القدس".
فالآب هو ملء اللاهوت غير المنظور،
والابن هو ملء اللاهوت ظاهراً في الجسد،
والروح القدس هو ملء اللاهوت معلناً حقيقة الابن وساكناً في قلوب المؤمنين.
وفي ملء الزمان، عندما حان الوقت المحدّد في المشورات الأزلية نزل "ابن الله" لينقذ الخطاة الذين يؤمنون به وبعمله الذي أكمله على الصليب، من الدينونة الأبدية.
وهذا ما قاله بولس الرسول بالكلمات: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غلاطية 4:4-5).
والكلمات تعلن عن وجود ابن الله مع الآب منذ الأزل، فلما جاء ملء الزمان ارتضى أن يتجسّد في صورة إنسان.
وأقول أنه في قدرة الملك أن يرتدي ثياب الجندي ويظلّ ملكاً، وهكذا تجسّد يسوع في شبه الناس وظلّ "الله الابن الأزلي" الذي لا يتغيّر. لم يكن في قدرة الإنسان أن يصعد إلى الله، فنزل ابن الله إليه.
لكن نزول يسوع المسيح ابن الله لم يكن فقط لإنقاذ الإنسان من وهدة الخطية وطين الحمأة... فقد كانت هناك أسباب أخرى:
أولاً: تجسَّد ابن الله في الزمان ليعلن لنا عظمة محبة الله
الله الذي خلق الإنسان أحبّ الإنسان، وحبه من العمق والعلو بحيث أنه يتعذّر وصفه بألفاظ بشرية..
قال بولس الرسول عن إعلان الله عن حبه بموت المسيح الكلمات:
"وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رومية 8:5).
وقال يوحنا الرسول: "فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1يوحنا 10:4).
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 16:3).
ولا عبرة أن يُقال "ما كان لله أن يتّخذ من ولد"، "أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة" لأن الذي قال هذا الكلام قال في موضع آخر "إن كان للرحمن ولد فأنا أوّل العابدين".
إن علاقة البنوّة بين "الآب والابن" في ملء اللاهوت ليست نتيجة علاقة جنسية.. وإنما هي علاقة أزلية تسمو فوق عقول البشر، لذلك قال عنها يسوع ابن الله: "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (متى 27:11).
فلا عبرة لتكهنات البشر، لأن الله لا مثل ولا مثيل له.. وهو كامل بذاته وفي غير حاجة إلى مخلوقاته، ولكي يكون مستغنياً بذاته عن مخلوقاته وجب أن يكون جامعاً في وحدانيته.
وفي تجسّد ابن الله بيّن الله محبّته للخطاة.
ثانياً: تجسَّد ابن الله في الزمان ليعلن لنا حكمة الله
كيف يلتقي عدل الله برحمته؟
"يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!"
(رومية 33:11).
المعادلة صعبة!
كيف يغفر الله خطية الإنسان ويبقى عدله معادلاً لرحمته؟
إن غفرها دون قصاص فهذا يعني أنه إله رحيم لكنه ليس عادلاً، وإن أوقع القصاص على من يأتي إليه، فهذا يعني أنه إله عادل ولكنه ليس رحيماً.
والتقت عدالة الله برحمة الله في موت المسيح ابن الله على الصليب... ولأن ابن الله هو خالق الإنسان فقيمته أعظم من كل خليقته.
أجرة الخطية موت
وقد مات ابن الله ليوفي أجرة الخطية... فمن يؤمن إيماناً قلبياً بموت المسيح على الصليب لسداد أجرة خطاياه ينال الغفران وينجو من دينونة الله.
بهذا التدبير الأزلي، تدبير صلب المسيح، أظهر الله عمق حكمته، ولا عبرة بأن يُقال: "ما قتلوه وما صلبوه"، فالذي قال هذا القول لم يعرف قداسة الله، ولم يتذوّق حلاوة محبة الله، وبالتالي لم يفهم عمق حكمة الله.
"فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ... وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ" (1كورنثوس 18:1 و23-24).
ثالثاً: تجسّد ابن الله في الزمان ليعلن لنا قدرة الله
الله مطلق الوجود... أي موجود في كل مكان، مطلق المعرفة... أي عارف كل شيء، ومطلق القدرة أي قادر على كل شيء.
يقول يوحنا الرسول: "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يوحنا 18:1). وتعني هذه الكلمات أن الابن الوحيد يسوع المسيح أعلن لنا حقيقة الذات الإلهية.
لما قال فيلبس ليسوع: "يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا" (يوحنا 8:14-11).
لقد تجسد ابن الله في الزمان ليعلن لنا بالمعجزات التي صنعها قدرة الله.
أعلن ابن الله قدرته على شفاء الأمراض التي لا علاج لها.
فقد جاءه رجل أبرص فطهّره من برصه بكلمة (متى 3:8)..
وشفى خادم قائد المئة من الشلل بكلمة دون أن يحضروه إليه (متى 13:8)..
ولمس يد حماة بطرس تلميذه فتركتها الحمّى (متى 18:8)..
وأخرج الأرواح النجسة من أجساد الذين سكنتهم بكلمة (متى 16:8)..
وشفى المجانين وجميع المرضى.
أعلن ابن الله قدرته على الرياح والبحر، فعندما أيقظه تلاميذه وهو نائم في السفينة بعد الاضطراب العظيم الذي حدث في البحر قائلين: "يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!"، "قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوٌّ عَظِيمٌ" (متى 25:8 و26).
أعلن ابن الله قدرته على إقامة الموتى، إذ عندما مات لعازر الذي كان يسوع يحبه، وكان له أربعة أيام في القبر، وقف يسوع أمام القبر وصرخ بصوت عظيم: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا! فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ" (يوحنا 43:11-44).
أعلن ابن الله قدرته على الشيطان والأرواح النجسة، إذ عندما ذهب إلى كورة الجدريين، استقبله من القبور إنسان كان يسكنه عدد كبير من الشياطين، فأخرج يسوع الشياطين بكلمة منه.
أعلن يسوع المسيح ابن الله قدرته على المرض، وعلى الرياح والبحر، وعلى إقامة الموتى، وعلى الشياطين... وبمعجزاته التي صنعها عرفنا أن الله مطلق القدرة.
كان لا بدّ أن ينزل ابن الله من السماء ليفدي الإنسان..
ويشرح بولس الرسول خطوات تنازل ابن الله بالكلمات:
"فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبي 5:2-8).
هكذا ترك ابن الله أمجاده طائعاً بإرادته، ونزل إلى الأرض ومات على الصليب لينقذ من يؤمن به من عذاب دينونة اليوم العظيم.
والآن، ما هو موقفك من ذلك الفادي الذي نزل لإنقاذك؟
هل آمنت به مخلصاً لنفسك ورباً لك؟ هل تبشر به الآخرين ليأتوا إليه وينالوا الغفران والحياة الأبدية؟
تصوّر أحدهم أنه بعد أن أكمل ابن الله عمله الفدائي بموته على الصليب، وارتفع إلى السماء... اجتمع الملائكة حوله وقال له الملاك ميخائيل: يا سيد، لقد قمتَ بعمل فريد لفداء الخطاة... فهل سترسلني أنا لتبشير الناس بعملك العظيم؟
أجاب ابن الله: ليس أنت يا ميخائيل.
فتقدّم جبرائيل وقال: أنا دائماً ملاك البشارة، فقد تكلمت مع دانيآل النبي، وبشّرت مريم العذراء بالحبل بك... فهل سترسلني لتبشير العالم الأثيم بموتك على الصليب، ودفنك، وقيامتك لتبرير الذين يؤمنون؟
أجاب ابن الله: ليس أنت يا جبرائيل؟
وردّد باقي الملائكة: إذاً من الذي أعطيته هذا الامتياز العظيم؟
أجاب ابن الله: لقد تركت هذا الأمر الخطير للذين آمنوا بي.. لبطرس، ويوحنا، وأندراوس، وتوما ومن يؤمنون بي.
قال الملائكة: ماذا يحدث إن أهملوا المناداة بهذا الخبر العظيم؟!
أجاب ابن الله: المؤمنون الحقيقيون لن يهملوا المناداة بما عملته على الصليب... وبمناداتهم سيتوب الكثيرون ويؤمنون.
فهل أنت واحد من هؤلاء المؤمنين؟!

 

عندما التقى الرب مع موسى عند العليقة التي كانت تتوقّد بالنار ولا تحترق، قال له: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ" (خروج 7:3).

الإنسان تحت سيادة الشيطان في مذلة، وصراخ، وأوجاع، وقد تطلّب إنقاذه من هذه العبودية أن ينزل الرب لإنقاذه.

وكما نزل الرب وأنقذ شعبه من عبودية فرعون، كذلك نزل لإنقاذ العالم من الظلمات، ومن سلطان الشيطان.

وقبل أن أستطرد في الحديث أقول أنه من أول أصحاح في سفر التكوين، وهو أول أسفار الكتاب المقدس، أعلن الله عن ذاته بأنه جامع في وحدانيته، فنقرأ في أول آية في هذا الأصحاح الكلمات: "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تكوين 1:1). واسم الله في الأصل العبري هو "إلوهيم" وترجمته الحرفية الآلهة... ثم نقرأ: "وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 26:1-27).

وكلمة "نعمل" تعلن الجمع، وكلمة "فخلق الله" تعلن الوحدانية.. فمنذ الأزل، الله العظيم جامع في وحدانيته، ولما وُلد يسوع من مريم العذراء أعلن في ختام خدمته هذه الوحدانية في كلماته لتلاميذه: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (متى 19:28).

وهذه الكلمات تعلن الوحدانية الجامعة، فكلمة "باسم" تعلن الوحدانية، وهذه الوحدانية جامعة "الآب والابن والروح  القدس".

فالآب هو ملء اللاهوت غير المنظور،

والابن هو ملء اللاهوت ظاهراً في الجسد،

والروح القدس هو ملء اللاهوت معلناً حقيقة الابن وساكناً في قلوب المؤمنين.

وفي ملء الزمان، عندما حان الوقت المحدّد في المشورات الأزلية نزل "ابن الله" لينقذ الخطاة الذين يؤمنون به وبعمله الذي أكمله على الصليب، من الدينونة الأبدية.

وهذا ما قاله بولس الرسول بالكلمات: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غلاطية 4:4-5).

والكلمات تعلن عن وجود ابن الله مع الآب منذ الأزل، فلما جاء ملء الزمان ارتضى أن يتجسّد في صورة إنسان.

وأقول أنه في قدرة الملك أن يرتدي ثياب الجندي ويظلّ ملكاً، وهكذا تجسّد يسوع في شبه الناس وظلّ "الله الابن الأزلي" الذي لا يتغيّر. لم يكن في قدرة الإنسان أن يصعد إلى الله، فنزل ابن الله إليه.

لكن نزول يسوع المسيح ابن الله لم يكن فقط لإنقاذ الإنسان من وهدة الخطية وطين الحمأة... فقد كانت هناك أسباب أخرى:

أولاً: تجسَّد ابن الله في الزمان ليعلن لنا عظمة محبة الله

الله الذي خلق الإنسان أحبّ الإنسان، وحبه من العمق والعلو بحيث أنه يتعذّر وصفه بألفاظ بشرية..

قال بولس الرسول عن إعلان الله عن حبه بموت المسيح الكلمات:

"وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رومية 8:5).

وقال يوحنا الرسول: "فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا" (1يوحنا 10:4).

"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 16:3).

ولا عبرة أن يُقال "ما كان لله أن يتّخذ من ولد"، "أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة" لأن الذي قال هذا الكلام قال في موضع آخر "إن كان للرحمن ولد فأنا أوّل العابدين".

إن علاقة البنوّة بين "الآب والابن" في ملء اللاهوت ليست نتيجة علاقة جنسية.. وإنما هي علاقة أزلية تسمو فوق عقول البشر، لذلك قال عنها يسوع ابن الله: "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (متى 27:11).

فلا عبرة لتكهنات البشر، لأن الله لا مثل ولا مثيل له.. وهو كامل بذاته وفي غير حاجة إلى مخلوقاته، ولكي يكون مستغنياً بذاته عن مخلوقاته وجب أن يكون جامعاً في وحدانيته.

وفي تجسّد ابن الله بيّن الله محبّته للخطاة.

ثانياً: تجسَّد ابن الله في الزمان ليعلن لنا حكمة الله

كيف يلتقي عدل الله برحمته؟

"يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!"
(رومية 33:11).

المعادلة صعبة!

كيف يغفر الله خطية الإنسان ويبقى عدله معادلاً لرحمته؟

إن غفرها دون قصاص فهذا يعني أنه إله رحيم لكنه ليس عادلاً، وإن أوقع القصاص على من يأتي إليه، فهذا يعني أنه إله عادل ولكنه ليس رحيماً.

والتقت عدالة الله برحمة الله في موت المسيح ابن الله على الصليب... ولأن ابن الله هو خالق الإنسان فقيمته أعظم من كل خليقته.

أجرة الخطية موت

وقد مات ابن الله ليوفي أجرة الخطية... فمن يؤمن إيماناً قلبياً بموت المسيح على الصليب لسداد أجرة خطاياه ينال الغفران وينجو من دينونة الله.

بهذا التدبير الأزلي، تدبير صلب المسيح، أظهر الله عمق حكمته، ولا عبرة بأن يُقال: "ما قتلوه وما صلبوه"، فالذي قال هذا القول لم يعرف قداسة الله، ولم يتذوّق حلاوة محبة الله، وبالتالي لم يفهم عمق حكمة الله.

"فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ... وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ" (1كورنثوس 18:1 و23-24).

ثالثاً: تجسّد ابن الله في الزمان ليعلن لنا قدرة الله

الله مطلق الوجود... أي موجود في كل مكان، مطلق المعرفة... أي عارف كل شيء، ومطلق القدرة أي قادر على كل شيء.

يقول يوحنا الرسول: "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يوحنا 18:1). وتعني هذه الكلمات أن الابن الوحيد يسوع المسيح أعلن لنا حقيقة الذات الإلهية.

لما قال فيلبس ليسوع: "يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ، وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا" (يوحنا 8:14-11).

لقد تجسد ابن الله في الزمان ليعلن لنا بالمعجزات التي صنعها قدرة الله.

أعلن ابن الله قدرته على شفاء الأمراض التي لا علاج لها.

فقد جاءه رجل أبرص فطهّره من برصه بكلمة (متى 3:8)..

وشفى خادم قائد المئة من الشلل بكلمة دون أن يحضروه إليه (متى 13:8)..

ولمس يد حماة بطرس تلميذه فتركتها الحمّى (متى 18:8)..

وأخرج الأرواح النجسة من أجساد الذين سكنتهم بكلمة (متى 16:8)..

وشفى المجانين وجميع المرضى.

أعلن ابن الله قدرته على الرياح والبحر، فعندما أيقظه تلاميذه وهو نائم في السفينة بعد الاضطراب العظيم الذي حدث في البحر قائلين: "يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!"، "قَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيَاحَ وَالْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوٌّ عَظِيمٌ" (متى 25:8 و26).

أعلن ابن الله قدرته على إقامة الموتى، إذ عندما مات لعازر الذي كان يسوع يحبه، وكان له أربعة أيام في القبر، وقف يسوع أمام القبر وصرخ بصوت عظيم: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا! فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ" (يوحنا 43:11-44).

أعلن ابن الله قدرته على الشيطان والأرواح النجسة، إذ عندما ذهب إلى كورة الجدريين، استقبله من القبور إنسان كان يسكنه عدد كبير من الشياطين، فأخرج يسوع الشياطين بكلمة منه.

أعلن يسوع المسيح ابن الله قدرته على المرض، وعلى الرياح والبحر، وعلى إقامة الموتى، وعلى الشياطين... وبمعجزاته التي صنعها عرفنا أن الله مطلق القدرة.

كان لا بدّ أن ينزل ابن الله من السماء ليفدي الإنسان..

ويشرح بولس الرسول خطوات تنازل ابن الله بالكلمات:

"فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبي 5:2-8).

هكذا ترك ابن الله أمجاده طائعاً بإرادته، ونزل إلى الأرض ومات على الصليب لينقذ من يؤمن به من عذاب دينونة اليوم العظيم.

والآن، ما هو موقفك من ذلك الفادي الذي نزل لإنقاذك؟

هل آمنت به مخلصاً لنفسك ورباً لك؟ هل تبشر به الآخرين ليأتوا إليه وينالوا الغفران والحياة الأبدية؟

تصوّر أحدهم أنه بعد أن أكمل ابن الله عمله الفدائي بموته على الصليب، وارتفع إلى السماء... اجتمع الملائكة حوله وقال له الملاك ميخائيل: يا سيد، لقد قمتَ بعمل فريد لفداء الخطاة... فهل سترسلني أنا لتبشير الناس بعملك العظيم؟

أجاب ابن الله: ليس أنت يا ميخائيل.

فتقدّم جبرائيل وقال: أنا دائماً ملاك البشارة، فقد تكلمت مع دانيآل النبي، وبشّرت مريم العذراء بالحبل بك... فهل سترسلني لتبشير العالم الأثيم بموتك على الصليب، ودفنك، وقيامتك لتبرير الذين يؤمنون؟

أجاب ابن الله: ليس أنت يا جبرائيل؟

وردّد باقي الملائكة: إذاً من الذي أعطيته هذا الامتياز العظيم؟

أجاب ابن الله: لقد تركت هذا الأمر الخطير للذين آمنوا بي.. لبطرس، ويوحنا، وأندراوس، وتوما ومن يؤمنون بي.

قال الملائكة: ماذا يحدث إن أهملوا المناداة بهذا الخبر العظيم؟!

أجاب ابن الله: المؤمنون الحقيقيون لن يهملوا المناداة بما عملته على الصليب... وبمناداتهم سيتوب الكثيرون ويؤمنون.

فهل أنت واحد من هؤلاء المؤمنين؟!

المجموعة: 200912