حزيران (يونيو) 2006

كثيراً ما يرتبط الألم بالماضي الذي يحمله كل منا بين جنباته دون أن يتمكن من الانفصال عنه أو الانسلاخ منه، لأنه ليس في وسعنا أن نشهد خطايانا الماضية - أو الحاضرة – وكأنما هي لا تمت إلينا بأدنى صلة لأننا مضطرون أن نعترف بأن ذلك الوجه الكالح الذي ارتكب تلك الخطية أو ذلك الجرم إنما هو وجهنا نحن. وهنا نأتي إلى موضوع حديثنا اليوم الذي يتكون من شقين:

 

الأول: كيف تلوّثت طبيعتنا البشرية بالخطيئة؟

الثاني: هل من حل ينقذنا من تلك الطبيعة الساقطة؟

لقد أجمع المسيحيون على أن خطية آدم لم تضر به فقط بل بجميع نسله أيضاً. فالبشر جميعاً - بسبب الفساد الأصلي الذي لحق بآدم عند معصيته لله – فسدوا فساداً تاماً في كل قوى النفس والجسد، ومالوا عن الخير وعجزوا عن فعله، وتبعوا الشر، ومن هذا الفساد تحدث كل الخطايا. فالوعد، وأيضاً الوعيد الذي تبع سقوط أبينا الأول آدم كان له ولجميع الجنس البشري المتناسل منه. فقد قال الله للحية وهي رمز للشيطان: "وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنتِ تسحقين عقبه" (تكوين 15:2). وهكذا كان آدم هو رأس البشر الطبيعي ونائبهم، وكل البشر بسبب ذلك امتُحنوا فيه، ونتج لهم من سقوطه ولادة كل فرد منهم في طبيعة فاسدة وتحت قصاص معصيته حيث أن الشيء يلد نظيره.

وهكذا نشأ مبدأ يسمى "الحسبان"، وتعريفه في علم اللاهوت "نسبة شيء إلى شخص بمعنى أنه سبب كاف لعقابه أو لثوابه، فيقال حسب كذا على فلان أو له أي جعل ذلك على حسابه سواء كان الشيء المحسوب خطية أم براً أو شيئاً آخر."

وحسب تفسير اللاهوتيين، فإن الخطية التي نولد فيها تُعتبر عند الله "موروثة" لا فعلية. وهو سبحانه تعالى قد وضع مقابلها بر المسيح الفادي نائبنا الذي تحمّل عقاب الخطيئة، حتى أن كل طفل يموت قبل ارتكاب الخطايا الفعلية عمداً يرفع الله عنه دينونة الخطيئة الموروثة، ذلك لأنه تبرر ببر المسيح كما أُدين بخطيئة آدم.

وهكذا لا يهلك إلا من يخطئ بإرادته، ويستمر في ذلك بلا توبة، ويرفض قبول نيابة المسيح الفادي عنه، ويهمل وسائط الخلاص التي أعدت له. ونظراً لصعوبة هذا الفكر اللاهوتي أستعين بالآيات التي ذكرها الرسول بولس في ذلك الصدد لتوضيح تلك القضية:

"لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيراً نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين. وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية. لأن الحكم من واحد للدينونة، وأما الهبة فمن جرّى خطايا كثيرة للتبرير. لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد، فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح. فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس، لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبراراً" (رومية 15:5-19).

المجموعة: 200606