حزيران (يونيو) 2006

إنَّ تسعَ سيداتٍ عربيات من بينِ كلِّ عشرِ سيدات هنَّ غيرُ سعيدات بمظهرهن الخارجي!! هذا ما أشار إليه الخبرُ الذي ورد في إحدى الصحف العربية مؤخراً. وإنَّ خمسةً وستين بالمئة من السيدات العربيات يتجنَّبن القيام بنشاطات لشعورهن بعدم الارتياح. وإنَّ سبعة وثلاثين بالمئة من الفتيات يفكرن بإجراء جراحات تجميلية في المستقبل القريب. بينما ثلاثة وستون بالمئة من السيدات العربيات يشعرن بالإحباطِ من جراء الصورة النمطية للجمال التي تروِّجُ لها وسائلُ الإعلام واثنتان في المئة فقط يشعرن أنهنَّ جميلات. ولذلك فإنَّه انطلاقاً من هذه المعطيات فلقد أعلنتْ شركة لمستحضرات التجميل حملة ترويجية في الشرق الأوسط تحت عنوان "من أجل جمال حقيقي" اختارت لها صور أربعِ نساءٍ سعوديات وفلسطينية ولبنانيتين يختلف مظهرُهن عن الصورة النمطية المعهودة. كما تمَّ تنظيمُ حلقة حوار شاركتْ فيها الدكتورة حصة لوتاه الأستاذة في مجال الاتصال الجماهيري في جامعة الإمارات في العين وربيع أبو كشك مدير التسويق في إحدى الشركات بالإضافة إلى مصممة الأزياء كريشما سوجاني.

 

"كلُ هذا من أجل جمال حقيقي"... ويقع الكثير من النساء في هذا المطبِّ  سواءً في مجتمعاتنا العربية أو العالمية، حتى إنَّهن يقضين أوقاتاً طويلة في البحث والاستقصاء عن مستحضرات تساعد في تحسين صورتهن ومظهرهن الخارجي، من أجل الظهور بمظهرٍ جذاب وأنيق ومغرٍ ولائق. ووفقاً لما نشرتْه مرةً إحدى الصحف فإنَّ تسويقَ وترويجَ البضائع التجميلية الأوروبية يجد مكاناً واسعاً له، وخصباً في الدول العربية في منطقة الخليج أكثر منه في مناطق أخرى. لا نختلفُ بالطبع حين نقول بأنه علينا جميعاً رجالاً ونساءً الاهتمام بالمظهر اللائق والمقبول أمام الناس. لكنَّ الأهم، كم يستحوذ من الوقت هذا الاهتمام على تفكيرنا واهتماماتنا؟ هل هو في حدود المعقول والمقبول؟  أم أنه يخرج عن الحد ليصبحَ همَّاً وثقلاً فيؤثر على نفوسنا وشخصياتنا كما هو الحال في استطلاع الرأي الذي ظهر في التقرير؟ فهلاَّ سألتِ قارئتي نفسك هذا السؤال؟ وماذا تراكِ أجبتِ؟ !! 

تذكرتُ للتو هذه الأغنية التي كان يغنِّيها وباللهجة العامية أحدُ الممثلين العرب المشهورين إذ كان يقول ناقداً: "من بَرَّا رخام ومن جُوَّا سْخام" أي أن الناس وبشكل عام يهتمون بأن يظهروا بمظهرٍ جذَّاب أمام الآخرين في حين يُخفون وراءَ لباسهم الجميل شخصياتهم البالية والرثة، وكل ما يفيض من مستنقعات النفس الآسنة.  وكثيراً ما ينخدع الواحد أو الواحدة منا بفلان من الناس أو بفلانة، فنؤخذ جميعا بالمنظر البهي والجذاب الذي نراه أمامنا. لكن الحقيقة ليست هي كما تظهر لنا، لا بل تكون في أحيان كثيرة مخالفة للواقع تماماً. فأين نحن من هذه النماذج البشرية يا ترى؟

يقول أحد الشعراء هذا البيتَ الجميل من الشعر الذي لازلت أذكره من أيام المدرسة:

ليس الجمالُ بأثوابٍ تزيِّننا

إنَّ الجمالَ جمالُ العلم والأدب

فهل لا زلنا نفتش عن الجمال عن طريق أثوابٍ نخفي وراءها عيوبَنا؟ حريٌ بنا أن نقرأ ما كتبه الرسول بطرس أحد تلاميذ الرب يسوع المسيح في رسالته الأولى والفصل الثالث وبوحي من روح الله القدوس موجِّهاً كلامه للنساء:

"ولا تكنْ زينتُكنَّ الزينةَ الخارجية من ضفر الشعر والتحلِّي بالذهب ولبسِ الثياب، بل إنسانَ القلب الخفي في العديمة الفساد زينةَ الروح الوديع الهادئ الذي هو قدامَ الله كثير الثمن."

يحمِّل البعض هذا النص أكثرَ ممَّا يعنيه، فنسمعهم يقولون مثلاً: على المرأة ألاَّ تلبس الحلي الذهبية ولا تضفر شعرها أو تصفِّفه أو ينبغي عليها أن لا تستعمل الطيب (Perfume) لأنَّ هذا لا يليق بنساءٍ مؤمنات. نعم، ويتطرَّفون في طريقة تفسيرهم للنص الذي إذا ما أُخذ كما هو وفي القرينة التي كُتب فيها، لوجدنا أنَّ الرسول وبكل بساطةٍ لا ينهي النساء المؤمنات عن التحلِّي بالذهب ولبس الثياب وضفر الشعر، بل يَنهيهُنَّ بالحري عن أن تكون (هذه) هي الزينة التي يجمِّلن أنفسَهن بها، وأن تكون (هي) محطَّ اهتمامِهن وهدفِهن في الحياة. فيقول لا تكنْ زينتُكن هي الزينةَ الخارجية. أي  لا تعتمدْن على هذه لكي تكون هي زينتَكن. فالمظهر ليس هو الأساس،  بل ما لا يظهر للناس فهو الأهم، أي الإنسان الداخلي الذي هو قدام الله كثير الثمن. هذا هو مَعدِنُ الإنسان الحقيقي . ينبغي إذن أن نصبَّ اهتمامَنا على كيفية تزيين نفوسنا وكياننا الداخلي لكي يكون مرضياً أمام الله. فننقِّي قلوبنا ودواخلنا من كلِّ ما يمكن أن ينجسَّها ويلوثَها من خطايا وآثام مستترة ومخفيَّة نرعاها في نفوسنا، لأننا لا يمكن أن نخفي ذلك عن الله سبحانه وتعالى خالقنا وصانعنا والذي وحده "كل شيء عريان ومكشوف أمامه." فيدعونا الرسول بطرس أن نزيِّن نفوسنا وقلوبنا وكياننا الداخلي مثلاً بالثقة في الله والاتكال الحقيقي عليه والخضوع وعدم التمرد أو العصيان. هذه كلها صفات نتحلى بها في كياننا الداخلي لتصبح هي زينتنا الحقيقية لأنها تجمِّل شخصياتنا وتغيِّر مفاهيمنا وطريقة تفكيرنا. إنَّ الله لا يهمُّه المظهر الخارجي بل ما في داخل قلوبنا من أفكار ونوايا وأشواق ورغبات. هذه هي التي يتكلم عنها  الرسول إذ يصفها بالقلب الخفي في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن. بالطبع هذا لا يمنعنا أن نهتم بلباسنا والاعتناء بأنفسنا. فالصحة والنظافة والأناقة أمور هامة. لكن الأهم منها هو سلوك الإنسان وروحه. لأن الجمال الحقيقي يبدأ من الداخل.

نعم،  وكما قال سليمان الحكيم إذ ختم كلامه المسوق بالروح القدس عن المرأة الفاضلة في سفر الأمثال 31،  هكذا: "الحسنُ غشٌّ والجمال باطل أما المرأة المتقية الرب فهي تُمدح." على عكس المجتمع الذي نعيش فيه حيث للمظهر الجسدي أهميته الكبيرة، يدهشنا سليمان حين لا يشير إلى المظهر الخارجي مطلقاً، لأن جاذبية المرأة الفاضلة في الفصل الحادي والثلاثين إنما تنبع من شخصيتها. فالحسنُ لا بد أن يزول والجمال سيذوي يوماً، ولن يبقى سوى التُّقى الحقيقي الذي هو خوف الله وإكرامه. والآن هل نسعى جاهدين لكي نجمِّل أنفسنا من الداخل كما نزيِّنُها من الخارج؟ هنا تكمن قيمتُنا الحقيقية يا سيدتي، ليس أمام الناس بل أمام الله. فعين الله تبصر كل ما يَظهر ويَستتِرُ. هذه ينبغي أن لا نخجلَ منها لأنها عينٌ مملوءة بالنور والمحبة والغفران على حد قول الأديب ميخائيل نعيمة. فهل نسلِّم ذواتنا – إن كنَّا لم نفعل بعد- كيانَنا الداخلي، لله المحب ليعيدَ تشكيلَنا من جديد؟ فيزيِّنُه كما يريد؟ 

ليس المظهرُ إذن هو الجمال الحقيقي، بل الجوهر، و ليس الشكلُ، بل المضمون،  كما أنَّها ليست هي السيرةْ بل السريرة.

المجموعة: 200606