شباط (فبراير) 2007

ذكر القديس متى في إنجيله في بداية الأصحاح السادس والعشرين أن المسيح قال لتلاميذه ”تعلمون أن بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسَلَّم ليُصلب“. وهكذا نعلم أن ذلك الحديث كان مساء الثلاثاء ما قبل خميس الفصح اليهودي وقد سُمّي أيضاً عيد الفطير واصطلح المسيحيون على تسميته بـ ”خميس العهد“.

 

والفصح لفظة عبرانية معناها العبور، وهو إشارة إلى عبور الملاك المهلك عن بيوتهم وعدم ضربه لأبنائهم الأبكار عندما كانوا عبيداً في أرض مصر. وكانت مدة عيد الفصح سبعة أيام من الرابع عشر من أبيب أو نيسان إلى الحادي والعشرين منه. واقتضى عمل الفصح خمسة أمور:

أولاً: ذبح خروف صحيح ابن سنة بلا عيب.

ثانياً: رش دمه على قائمتي الباب والعتبة العليا.

ثالثا: شواء الخروف صحيحاً دون أن يُكسر عظمه.

رابعاً: أكله مع الفطير والأعشاب المرة.

خامساً: عدم إبقاء شيء منه إلى الصباح، فالباقي يُحرق.

ونلاحظ في هذا كله الرمز إلى آلام المسيح وموته.

ويذكر القديس متى في عدد 17 انه ”في أول أيام الفطير تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين له: أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح؟“ أي في الخميس الرابع عشر من نيسان حيث يبدأ العيد في عشاء ذلك اليوم، فقال لهم المسيح: ”اذهبوا إلى المدينة، إلى فلان وقولوا له: المعلم يقول إن وقتي قريب. عندك اصنع الفصح مع تلاميذي ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح. ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر“. وفى عدد 26 نجد رسماً للعشاء الرباني المسيحي الذي حل محل الفصح اليهودي: ”وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. وأقول لكم: إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً في ملكوت أبي“.

وهنا نرى المسيح يعطي رسماً مختلفاً عن الفصح. فهناك في الفصح كان اليهود يذكرون نجاة أبنائهم من الهلاك الزمني، وهنا في العشاء الرباني يتذكر المسيحيون نجاتهم من الهلاك الأبدي بموت المسيح فصحهم ”لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا“ (1كورنثوس 7:5).

وقد أخذ المسيح رغيفاً من الفطير الذي أمامه وطلب بركة الله عليه وشكر لأجله وكسر إشارة إلى جسده الذي سيُكسر لأجل آثامنا ”الذي يُبذل عنكم“ (لوقا  19:22). وقد واظبت كنيسة المسيح على هذا العمل فيما بعد ”وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات“ (أعمال 42:2). وفي عدد 27 ”أخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم“. في الفصح اليهودي كان دم خروف الفصح يشير إلى دم المسيح، لكن منذ ليلة ”خميس العهد“ صارت ”كأس العشاء الرباني“ هي التي تشير إلى دم المسيح. ”ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً“ (عبرانيين 12:9).

في عدد 28 قال المسيح: ”هذا هو دمي الذي للعهد الجديد“. إن كلي العهدين القديم والجديد قد تثبّتا بالدم. لكن القديم كان بدم الحملان على يد موسى ”وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هذا هو دم العهد الذي قطعه الرب معكم“ (خروج 8:9). أما في العهد الجديد فقد تثبّت العهد على يد المسيح بدم نفسه ”هذا هو العهد الذي أعهده معهم بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل نواميسي في قلوبهم وأكتبها في أذهانهم ولن أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد. وإنما حيث تكون مغفرة لهذه لا يكون بعد قربان عن الخطية“ (عبرانيين 16:10).

في ليلة خميس العهد رسم المسيح العشاء الرباني فريضة دائمة في كنيسته إلى أن يأتي ثانية ”فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء“ (1كورنثوس 26:11).

في ليلة خميس العهد الجديد أسند يوحنا رأسه على صدر المسيح وحفظ جيداً ما صنعه المسيح وما قاله في العشاء الرباني فكتب لنا فيما بعد: ”الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه“ (رؤيا 5:1). وكتب عن المؤمنين في نهاية العالم: ”هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة، وقد غسّلوا ثيابهم وبيضوها في دم الخروف“ (رؤيا 14:7).

وكتب عن دم المسيح أيضاً: ”وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة“ (رؤيا 9:5).

المجموعة: 200702