نيسان (إبريل) 2008

من المؤكد أن الصليب حجر الأساس بالنسبة للمسيحية. وكلمة الصليب باللاتينية هي “Crux” وهذه الكلمة تستعمل في اللغة الإنجليزية بمعنى لب الموضوع.

 

وأهمية مركزية الصليب من الناحية اللاهوتية واضحة في الأناجيل، ففي كل إنجيل نجد أن قصة موت وقيامة الرب يسوع المسيح تحتل مساحات متفاوتة وكأن كل شيء قد أعدّ ليصل بنا إلى الصليب. وقد لخّص الرسول بولس رسالة المسيحية في هذه الكلمات القليلة: ”ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً“.

 (1كورنثوس 23:1)

ومع هذا فإن بعض الناس في وقتنا هذا يدّعون أن جوهر المسيحية هو في الموعظة على الجبل، أو في تعاليم المسيح الأخلاقية بصورة عامة، أو في فكرة الحرية... إلخ. ومما لا شك فيه أن المسيحية دين لا يُسبر غوره، وتعاليمه تتطرّق إلى مجالات عديدة، ولكن لكي نكون صادقين مع العهد الجديد فيجب أن نرى الصليب كمركز للمسيحية.

الخطاة ومحبة الرب

من المنطقي أن نبدأ الحديث بتوضيح معنى الخطية. إن كثيرين من الناس يعللون مشاكل البشرية بالجهل والفقر أو بنقص الثروات، ولكن الكتاب المقدس يقول: إن كل هذه المشاكل ترجع لسبب واحد هو الخطية. ”بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع“ (إشعياء 2:59).

وبالنظر إلى عالمنا المعاصر بكل الحروب، والجرائم، والعنف، والسياسات التي تسمح بوجود مجاعات في بعض المناطق، وبوجود مجتمعات كاملة من المدمنين في مناطق أخرى لهو مجرد إلقاء الضوء على مثال واقعي لقول الكتاب.

ومن وجهة النظر المسيحية فإن للخطية نتائج أخطر بكثير مما يعتقد العالم. فالكتاب المقدس يحدثنا مراراً عن ”غضب الله“ (رومية 18:1)، كما يحذّرنا المسيح كثيراً عن الجحيم (مرقس 43:9 و45 و47؛ ولوقا 5:12). إن الدينونة لهي حقيقة مستقبلية (رومية 12:2). يقول الكتاب إننا مسؤولون ويجب أن نعطي حساباً عن أنفسنا لله (رومية 12:14). ولا يمكن أن نعلل الخطية التي نفعلها بأننا بشر وأننا قد خُلقنا ضعفاء بالطبيعة وأن خطايانا ليست بسبب عيب فينا. إن خطايانا تتجلى واضحة عندما نقف أمام عرش الآب.

ما معنى محبة الرب؟

يعلن الكتاب المقدس لنا عن حقيقة مذهلة وهي أن الرب يحبنا بالرغم من خطايانا، وهو مستمر في محبته لنا لأن الله محبة (1يوحنا 8:4 و16)، والحب طبيعته. ومن خلال هذا الحب قدّم لنا الفداء عن خطايانا (يوحنا 16:3؛ ورومية 8:5). هذه الحقائق يجب أن تكون واضحة لنا. فأحياناً يرى البعض الله الآب في صورة قاض قاس يحكم على الخطاة بالجحيم ثم يأتي الابن المحب الذي يتوسّط للخطاة ليعزيهم. ولكن، هذه صورة مشوّهة! وأي محاولة لفهم كفارة المسيح وفدائه لنا بدون إدراك أن كل هذا نابع من حب الله لنا يكون فهماً خاطئاَ للفداء.

إنه أمر غير كتابي أن ننظر لغفران الآب لخطايانا بعيداً عن الصليب. أما أولئك الذين يحكمون على الأمور بطريقة عاطفية فيرون الآب على أنه شخص حنون لا يأخذ الخطية بجدية، ويفتكرون أنه سيغفر لنا لأن هذا هو ”معنى الحب“، وهذا التفكير يهمل تعاليم الكتاب المقدس في هذا الأمر. فإن الإله الذي يطالب شعبه بالعدل هو نفسه إله عادل. فهو لا يغفر خطايانا بطريقة تجعلنا نفتكر أن الخطية ليس لها قيمة ولكنه يغفر خطايانا عن طريق الصليب.

إن الفداء يعتمد على ما فعله الآب من خلال الصليب، وعلى تجسد المسيح. وفي الرسالة إلى العبرانيين يركز بولس الرسول على أن المسيح تجسد في صورة أقلّ من الملائكة حتى يذوق الموت لأجل كل واحد منا (عبرانيين 9:2).

علينا أن نتذكر دائماً أن فداءنا هو من الله، وأن هذا الفداء مبني على تجسد ابن الله، وبهذين الحقيقتين يمكننا أن نفهم بوضوح عمل الصليب في حياتنا.

لا يوجد طريق آخر

هل كان الصليب ضرورياً؟ ألم يكن هناك طريق آخر إلى الخلاص؟ يعتقد بعض المفكرين البارزين أن الغفران الحقيقي يتم عندما يتم سداد الدين للناموس الأخلاقي.

إن س أ دينسمور C. A. Dinsmore بحث كتابات متعددة مثل كتابات هوميروس، (سمنليوس) سوفوكليس، دانتي، شكسبير، ميلتون وجورج إليوت... وقد خرج من كل هذا بنتيجة هي ”أن من  حقائق الحياة والفكر الديني أنه لا مصالحة بدون إرضاء“. ألا نرى أن الله قد زرع هذا الفكر في أعماق قلوب البشر؟

عندما تحدث أي جريمة بشعة، تجد أنه حتى أولئك الذين سلوكهم يتّصف بالإهمال والتسيّب يقولون على مرتكب هذه الجريمة بأنه يستحق العقاب، ويتّفق كتّاب العهد الجديد مع أولئك ولكن ليس بنفس الطريقة؛ فكتّاب العهد الجديد يؤكدون على الالتزام بالناموس الأخلاقي، لكنهم يؤكدون أيضاً على أن المسيح هو المخلص، وقد خلصنا بالأسلوب الصحيح، إذ أخذ المسيح مكاننا واحتمل ما كان يجب علينا أن نتحمله [ويجب أن لا نغفل الحقيقة أننا تعدينا وكسرنا ناموس الله].

إن شهادة العهد الجديد هي أن المسيح قد فدانا متمماً ناموس الله.

ولا يوجد أبداً أي إشارة ولو بسيطة إلى أن العمل الكفاري للمسيح يمكن أن يحل محله أي عمل آخر يحل مشكلة الشر التي هي جزء لا يتجزّأ من حالة الإنسان.

المجموعة: 200804