تموز (يوليو) 2008

نقرأ في أعمال الرسل 43:2 "وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ". هذه الحقيقة المجيدة تفرّح قلب كل مؤمن بشخص الرب يسوع المسيح، ولكن الملفت للنظر أننا لا نقرأ عن أية عجيبة من هذه العجائب في الأصحاح الثاني، والعجيبة الأولى التي نقرأ عنها مذكورة في الأصحاح الثالث، ألا وهي عجيبة شفاء الأعرج الذي شفي عند باب الجميل في هيكل الله في القدس (أعمال 1:3-10)

 

نعرف أنه في يوم الخمسين حلّ الروح القدس على التلاميذ، وامتلأوا بالقوة وذلك حسب وعد الرب يسوع في أعمال 8:1 "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ"، ونتيجة لذلك طفق الرّسل والتلاميذ يبشرون ويعظون، والرب يؤيّد خدمتهم بآيات وعجائب كثيرة. فالروح القدس الذي حلّ فيهم لم يكن لهم شخصياً، بل إنهم قدموا أنفسهم طوعاً لخدمة الرب حتى يستخدمهم بقوة لتمجيد اسمه القدوس.

في القصة الواردة في الأصحاح الثالث، نرى قوة الله في شفاء إنسان أعرج الذي كان يُؤتى به كل يوم محمولاً ويوضع عند أحد أبواب الهيكل، الذي اسمه "باب الجميل" ليشحذ ويستعطي صدقة من الناس الدّاخلين والخارجين من الهيكل. لقد اختبر هذا المعاق الفقير والشّحاذ نعمة الله الشافية والمُخَلِّصة والمُعّزِّية على أيدي الرسولين بطرس ويوحنّا.

كان الإنسان الأعرج يجسّد في حالته مأساة إنسانية بكل معنى الكلمة. فهو لم يكن أعرجاً بسبب حادث معين، بل كان معاقاً منذ لحظة ولادته. أي أنّه لم يختبر بهجة الركض، والقفز، واللعب، والسير منذ لحظة ولادته حتى لحظة شفائه. وبالتأكيد فإن هذا الإنسان قد فاتته فرصاً كثيرة في الحياة بسبب شلله وإعاقته المؤلمة. وعندما كبر وأصبح رجلاً، لم يجد من يعيله ويعتني به، لذلك وجد نفسه مضطراً للاستجداء  وطلب الصدقات من الناس. لقد كان عبئاً على الناس، واحتاج إلى من يحمله ويعطيه كل يوم، مما يعني أنه كان إنساناً بائساً، وشقياً، ومتألماً، ومحطم القلب والنفس. لم يكن يستطيع السير أو العمل ليكسب رزقه بكرامة. بل اضطر أن يحيا حياة الذلّ ويسأل الناس أن يعطوه صدقة وإحساناً.

وفي أعمال22:4 نقرأ أنّ عمر هذا الرجل كان أكثر من 40 سنة "لأَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي صَارَتْ فِيهِ آيَةُ الشِّفَاءِ هَذِهِ كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً". لمدة أربعين سنة عانى هذا الإنسان من الألم والذل والمرض والإعاقة، ولم يتمتع بحرية الحركة والذهاب إلى حيث يريد دون مساعدة أحد.

في الواقع أننا أينما تطلّعنا وأينما توجّهنا نجد أناساً متألمين ومرضى ومعاقين. فمآسي العالم كثيرة، والأصعب أنه يوجد بيننا وحولنا من هو متألم ليس فقط جسدياً بل عاطفياً وشعورياً. فالحاجات البشرية كثيرة، والأحزان والآلام كثيرة، والمعزي الوحيد هو الله القادر الذي يريد أن يعمل من خلال كنيسته لمسح دموع المتألمّين وشفاء المجروحين والحزانى والمكتئبين.

الشيء الملفت للنظر أن هذا الرجل الأعرج جلس عند الباب "الجميل"، وتخبرنا سجلات التاريخ أن هذا الباب كان غاية في الإبداع. فقد صنع هذا الباب من معدن البرونز المستورد من كورنثوس في اليونان، وقد تمت زخرفته بأشكال مختلفة مصنوعة من الذهب الخالص. وعندما كان يتعرّض لأشعة الشمس، كان يعكس نوراً باهراً لدرجة أن الناس كانوا يرون بريقه من عدة أميال. ومع هذا المنظر المذهل والخلاّب للباب ”الجميل“، كان يجلس في أسفله إنسان متألم من المرض والعجز والرفض من الناس.

إننا كمؤمنين في الرب يسوع علينا ألا ننخدع بالمظاهر الخارجية والبرّاقة. فكم من أناسٍ نراهم في صورة رائعة حيث الملابس الفاخرة والشكل الجميل، ولكن قلوبهم ملآنة ألماً وحسرة وضياعاً. فمنهم من يشعر بالذنب، ومنهم من يصارع الآلام والوحدة، ومنهم من لا يجد أموالاً كافية لسداد فواتير البيت المتعددة، ومنهم من يعاني من خلافات مع زوجته أو مع زوجها، وغيرها من الآلام والمآسي...

إن الذي يحتاجه هذا الإنسان المقعد، هو بالفعل ما يحتاجه كل واحد منا، ألا وهو لمسة سماوية شافية تنزع الألم وتزرع الفرح. لقد احتاج هذا الإنسان إلى قوة الروح القدس، ولكنّه لم يكن يعلم شيئاً عن شخص الرب يسوع ولا عن الروح القدس الذي انسكب بقوة يوم الخمسين، لذلك اكتفى بطلب الحسنة البسيطة من الناس غير عالمٍ بوجود قوة قادرة على خلاصه من عذابه ومرضه.

للأسف الشديد، يوجد في مجتمعنا العربي المئات بل الآلاف من المتألمين، وهؤلاء  يطلبون المساعدة من أصدقاء، أو معارف، أو مؤسسات، أو أطباء، ونادراً ما يفكرون بالمجيء إلى الكنيسة للحصول على الشفاء والعزاء والفرح. لأن الكنيسة التي تفتقر لحضور الروح القدس والتعزية والفرح والحرارة والغيرة لعمل الرب لا تستطيع أن تعطي ما ليس عندها.

نلاحظ أيضاً أن هذا الإنسان كان يستعطي من الذاهبين إلى الهيكل، أي من المتدينين. ولسنين عديدة لم يستطع المتدينون أن يعملوا له شيئاً سوى إلقاء القليل من الفائض عن حاجتهم كوسيلة لإراحة ضميرهم.

أما الكنيسة الحية فيجب أن تكون مختلفة بالتأكيد، وفي القصة التي لدينا هنا نجد خمسة أمور يجب أن تتحلّى بها الكنيسة الحية الممتلئة بالروح القدس:

الكنيسة الممتلئة بالروح القدس:

1- تتوقع بإيمان أن يعمل الله فيها

في الآية الخامسة نجد أن الرجل المقعد انتبه إلى بطرس ويوحنا "مُنْتَظِراً أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئاً". ربّما توقّع الرجل أن يحصل على بعض المال أو القليل من الطعام أو ما شابه، ولكنه لم يتوقع العطية العظيمة التي حصل عليها ألا وهي الشفاء الكامل.

هل نتوقع ككنيسة أن نحصل على القليل أم على الكثير من الله؟ هل إيماننا محدود وبالتالي لا نختبر فيض بركات الله، أم نؤمن بأن الله قادر أن ينهضنا ويشفينا ويباركنا وينمي عددنا ويجعل منّا جيشاً من المخلّصين الذين يمجدون الله في كل حين. بعضنا له سنين يتردد على الكنيسة، وما يزال على حاله، ربما لأنه لم يتوقع أو لم يطلب من الله.

2- تختبر حالات شفاء حقيقية

في الآيتان 6و7 نجد أن بطرس قد أجرى شيئين مهمين: فهو أولاً اعترف بفقره المادي، لكنه في نفس الوقت عبّر عن ثقته بالرّب وإيمانه وغناه الروحي عندما قال للمفلوج: "باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشِ". لقد أعطى بطرس ما كان لديه، أعلن سلطان الرّب يسوع على المرض وقوّته على الشّفاء. ونفس الشيء ينطبق على كنيستنا اليوم. فإن كنا ممتلئين بالروح القدس والإيمان ولنا علاقة حية ودائمة مع شخص ربنا يسوع المسيح، فإننا نستطيع أن نوصّل لمسات روحية إلى الآخرين. نحن لسنا بحاجة إلى المال لكي تنمو الكنيسة، بل نحتاج إلى قوة الروح القدس.. إلى قوة تغيّر حياتنا وحياة الآخرين. فتشفي النفوس الجريحة وتغيّر مجرى الحياة، فتنقل الناس إلى حياة الفرح والرجاء.

3- هي كنيسة ممتلئة بالفرح

نقرأ في الآية رقم 8 أن الرجل الذي كان أعرجاً "َوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ الله". فالذي لم يمشِ في حياته نهائياً، وثب وقفز ومشى. لقد تغير هذا الإنسان بالكامل. فهو لم يحصل فقط على شفاء جسدي، بل امتلأت حياته بالفرح والسعادة، وأخذ يسبّح الله. أصبح بمقدوره أن يمشي، ويعمل، ويتزوج، ويؤسس أسرة، ويذهب إلى الهيكل ويعبد الله. لقد اختبر تحوّلاً كاملاً في جميع نواحي الحياة، لذلك سبّح الله بكل كيانه وقوته.

هل نختبر هذا الفرح في كنيستنا؟ نحتاج أن نتذكر كلمات بولس في الرسالة إلى أهل فيلبي 4:4 "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاَ افرحوا".

4- تُدهش العالم الذين من الخارج

في الآيتين 9و10 نقرأ عن الشعب في الهيكل: ”وَأَبْصَرَهُ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَهُوَ يَمْشِي وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَعَرَفُوهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ لأَجْلِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ الْهَيْكَلِ الْجَمِيلِ فَامْتَلأُوا دَهْشَةً وَحَيْرَةً مِمَّا حَدَثَ لَهُ". ما حدث للأعرج لفت نظر جميع الشعب إليه. فالمعجزة حدثت، وكلهم كانوا يعرفون هذا الأعرج الشحاذ، والآن هو معافى يسبح الله. لذلك دهشوا وتعجبوا من رؤيته، لكنهم في نفس الوقت كانوا حيارى لأنهم لم يعرفوا سر شفائه، وبالتالي كان لديهم الاستعداد الكامل لمعرفة ما الذي حدث بالضبط، ومن هو الذي شفاه. ونجد في الآية 11 أن الناس تراكضوا مندهشين لرؤية الإنسان الذي شفي.

5- تشهد عن عمل الرب في حياتها

عندما رأى بطرس الناس تحتشد (آية 12) كانت هذه مناسبة عظيمة للشهادة عن عمل الرب وشخص الرب يسوع له كل المجد.

الشهادة للرب مطلوبة بقوة اليوم. وهي لا تتم عن طريق تعلم بعض الحقائق، وحفظ الآيات، وتردادها أمام الناس. تحتاج الشهادة أن تختبر أولاً قوة عمل الله في الكنيسة.. أن تختبر تغييراً في الحياة.. بأن الله أجرى شفاء نفسياً وجسدياً في وسطنا، ولذلك نشهد للناس عمّا حدث، ثم نفسّر لهم أنّ ما حدث تم بقوة الروح القدس الذي فينا، الذي يذكرنا بكلمات الرب يسوع وبعمله من أجلنا على الصليب. ونتيجة لشهادتنا عن عمل الله في حياتنا نجد الله يعمل من جديد، ويكون عمله هذه المرة في حياة الناس الذين نشهد لهم.

نقرأ في 1بطرس 15:3 "مستعدّين لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ". فالله يعمل أولاً، إذ يملأ قلوبنا بالفرح والرجاء، فيسأل الناس عن السّر، ويأتي الجواب!!! ثم يعمل الله من جديد، وهكذا تنمو الكنيسة ويتم الخلاص.

6- تتعرّض للهجوم والاضطهاد،  وخصوصاً من المتديّنين

إذا بقيت الكنيسة صامتة ولم تشهد عن خلاص الرب وعمله وإرادته في خلاص النفوس، فلن تتعرّض للهجوم والطعن والاضطهاد. لذلك نلاحظ أن ردة الفعل القويّة جاءت من أعداء الرّب المتديّنين بينما كان بطرس ويوحنّا يخاطبان الشّعب، وذلك كما نقرأ في أعمال الرّسل 1:4-3 "وَبَيْنَمَا هُمَا يُخَاطِبَانِ الشَّعْبَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ وَقَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَالصَّدُّوقِيُّونَ، مُتَضَجِّرِينَ مِنْ تَعْلِيمِهِمَا الشَّعْبَ وَنِدَائِهِمَا فِي يَسُوعَ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ. فأَلْقَوْا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ وَوَضَعُوهُمَا فِي حَبْسٍ إِلَى الْغَدِ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ الْمَسَاءُ". الكنيسة الحيّة حتماً ستكون كنيسة مضطهدة.

7- الكنيسة الممتلئة بالروح القدس تختبر نهضة ونمواً روحيّاً وعدديّاً

بعد الخطاب الرّائع الذي ألقاه بطرس على مسامع الشّعب في الهيكل، نقرأ في أعمال الرّسل 4:4 قوله: "وَكَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الْكَلِمَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفٍ". مبارك اسم الرّب، فهو لم يكتف باستخدام بطرس في شفاء الرجل الأعرج جسدياّ، بل استخدمه أيضاً في خلاص الألوف من الناس من خطاياهم.

كيف نرى أنفسنا في كنائسنا اليوم؟ هل نحن كنائس حيّة وممتلئة من الرّوح القدس؟ أم أنّنا نحتاج إلى النهوض وتجديد العهود والبدء بتكريس كامل للرب؟

المجموعة: 200807