حزيران (يونيو) 2008

السؤال: كيف نؤمن بالله، والعالم الذي خلقه مليء بالآلام والمصائب؟

لا شك أن العالم مليء بالآلام والكوارث والحروب والخراب. أطفال أبرياء يُشرَّدون ويجوعون ويعذّبون يُقتلون. بلاد بأكملها تُدمّر! زلازل، وعواصف، وبراكين، وأمراض، وأوبئة، وحروب. مشكلة الألم معقّدة، لا أدّعي ولست أعتقد أن هناك من يدّعي أنه قد  وجد حلاً لها. البعض يرى أن وجود الألم يعني واحدة من أربعة:

¨       إما أنه لا يوجد إله على الإطلاق.

 

¨       أو أن الله موجود لكنه لا يحبنا ولا يكترث بنا فلا ينجّينا مع أنه يقدر على ذلك.

¨       أو أنه موجود ويحبنا لكنه لا يقدر أن ينجينا من الآلام.

¨       أو أنه موجود لكنه لا يقدر ولا يحب.

لكن هذه الاحتمالات كلها غير صحيحة، ونحن إن كنا لا نعرف حلاً كاملاً لمشكلة الألم، لكننا نعرف حقائق عنها أضعها أمامنا الآن.

أولاً: دخلت كل الآلام إلى العالم نتيجة سقوط الإنسان في الخطية وسقوط الطبيعة مع الإنسان الساقط، وأصبح الإنسان والطبيعة خاضعين لرئيس هذا العالم الذي هو الشيطان. وسقوط الإنسان والطبيعة لا يُنقصان من قدرة الله، لأن الله خلق الإنسان على صورته وأعطاه حرية الاختيار، ولأن الإنسان اختار العصيان واختار أن يطيع الشيطان، فإن هذا قاده إلى الموت، ومع الموت جاءت الآلام. الأمر الواضح إذاً أن الألم ليس من صنع الله وإن كان الله يسمح به، لكنه جاء نتيجة الخطية التي لم يكن الله يريدها لنا.

ثانياً: إن وراء الألم محبة، ومهما كان الألم شديداً فينبغي أن تتيقّن أن الله الذي سمح به يحبنا ولم يتخلّ عنا. ”ولكن الله بيّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا“ (رومية 8:5). فنحن قد تيقّنا من محبة الله ولا يمكن للآلام أن تشككنا في هذه المحبة.

ثالثاً: إن للألم نهاية لأن الألم الذي جاء نتيجة خضوعنا للشيطان سينتهي لأن المسيح هزم الشيطان. كان الشيطان يهدف أن يتخلّص من الله، وقد أعدّ عدّته للّحظة التي فيها يصلب المسيح، وظنّ أنه قد هزم الله وانتصر على ابن الله، ولم يكن يعلم أن المسيح في هذه اللحظة كان قد سحق رأسه وهزمه لأنه رفع خطية الإنسان وردّه إلى الله. فالمسيح إذاً قد سحق رأس الحية، وما يؤذينا الآن هو ذيل الحية، لكن رأسها قد سُحق! والمسيحي، أيها الأحباء، هو الذي يعرف النهاية منذ البداية. نعرف أننا لا بد أن ننتصر وأن الألم لا بدّ أن ينتهي.

رابعاً: إن للألم غاية ورسالة. لم يدخل الألم كما قلنا بمشيئة الله وإن كان بسماح منه، وليس الألم عقاباً على خطايانا، وإن كان قد دخل العالم بسبب الخطية. لما سُئل المسيح عن المولود أعمى ”... من أخطأ: هذا أم أبواه حتى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه“ (يوحنا 2:9-3). فإن كان الألم ليس عقاباً على خطية إلا أن الله يمكن أن يجعل منه علاجاً للخطية، فهو يُخرج من الآكل أُكلاً ومن الجافي حلاوة، ويستطيع أن يُخرج من الألم بركة، فللألم غاية ورسالة. قد لا نستطيع أن نفهم هذه الرسالة في حينها، وكأن الله يقول لنا ما قاله لسمعان بطرس: ”... لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد“ (يوحنا 7:13). من بين غايات الألم أننا في آلامنا نشارك المسيح في آلامه، فهو مات عنا لا ليمنع عنا الألم بل لكي نتألم نحن معه ونشاركه فيه. نحن قطعاً لا نستطيع أن نشاركه الآلام الكفارية، لكننا نحس بآلامه عنا حينما ندخل نحن في الألم، هو شاركنا آلامنا، ونحن بدورنا نشاركه آلامه.

ومن بين غايات الألم أن نشارك الآخرين آلامهم. إن الرب يسوع المسيح في تجسده جُرّب في كل شيء مثلنا ما عدا الخطية، ولذلك هو يستطيع أن يعيننا في تجاربنا كما نقرأ في رسالة العبرانيين: ”لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرّب في كل شيء مثلنا، بلا خطية“ (عبرانيين 15:4). كذلك نحن حين نقاسي من الألم نستطيع أن نحسّ بآلام الآخرين، وكأنما طبيب قد جُرح فأحسّ بآلام الجرح فيستطيع أن يعالج الآخرين.

ومن بين غايات الألم أننا نكمل نقائص شدائد المسيح كما قال بولس الرسول: ”الذي الآن أفرح في آلامي لأجلكم، وأكمّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده: الذي هو الكنيسة“ (كولوسي 24:1). طبعاً، هذا لا يعني أن آلام المسيح الكفارية كانت ناقصة، لكننا كجسد المسيح على الأرض، الآن حين نتألم لأجل المسيح نكمّل آلام المسيح على الصليب كما قال الله لحنانيا عن بولس الرسول: ”...اذهب، لأن هذا [أي بولس] لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل. لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي“ (أعمال 15:9-16).

ومن غايات الألم أيضاً أننا نلتجئ إلى المسيح حين ندخل في الآلام.

عندما تكون الحياة سهلة بسيطة فإننا قد لا نحس بحاجتنا إلى الله، ونظن أننا وحدنا نستطيع أن ننتصر على الحياة، لكن الألم يأتينا وكأنه النور الأحمر الذي يوقفنا ويجعلنا نفكر. وقد نتحيّر لكننا نلتجئ إلى الله في حيرتنا، وكلما زاد الألم زاد اقترابنا إلى الله، فالألم له غاية ورسالة سامية.

ومن رسالات الألم أيضاً أنه يقوينا ويعطينا صلابة في الحياة.

قيل عن رايزستوم في القرن الرابع أن قيصر أركاديوس أراده أن يتعبّد له، فلما رفض قال: ”سوف أنفيك، سوف أخرجك من بيتك وأنفيك“. فقال: ”لا تقدر يا سيدي، فأينما ذهبت فبلاد العالم كلّها هي بيت أبي، أبي الذي في السموات“. قال له: ”إذاً، سأحبسك وأحرمك من أن تقابل أصدقائك“. قال: ”ولا حتى هذا تستطيعه لأن لي صديقاً لا يمكن أن يتركني، فهو ساكن في قلبي“. قال: ”إذاً سوف أقتلك“. قال: ”ولا هذا يهمني لأن حياتي مستترة مع المسيح في الله“. وقال مدرّب في كرة القدم: ”إن فلسفتي مع اللاعبين أنني أدرّبهم على ما لا يريدون لكي يحصلوا على ما يريدون“. يُقال إن النسر الكبير حين تكبر فراخه يبدأ ينقض عشّها وهي تتحيّر، لكنه يفعل ذلك لكي يعلّمها الطيران.

والحقيقة الأخيرة التي أذكرها عن الألم هو أن المسيح معنا في الألم لينقذنا، فهو ينقذنا أحياناً فلا ندخل في الألم كما حدث لمردخاي إذ نجاه مما كان هامان يعدّه له عن طريق الملك أحشويرش في (أستير 5). وهو ينقذنا أحياناً فيخرجنا من ألم دخلناه، أي يسمح لنا أن ندخل الألم ثم يخرجنا منه كما قرأنا في أعمال 16 حين أخرج الله بولس وسيلا من سجن فيلبي. وهو أحياناً ينقذنا ويبقينا في الألم لكنه يرفعنا على كتفيه كما قال بولس:

”تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تُكمل...“ (2كورنثوس 9:12)، آمين.

المجموعة: 200806