تشرين الثاني (نوفمبر) 2008

"اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ"
 (1تسالونيكي 18:5)
اعتاد الأمريكيون أن يرددوا كلمة "شكراً Thank you" لأي شيء تفعله لهم. ولست اعتقد أن هذا هو الشكر الذي طلبه الرب من المؤمنين. مع احترامي لعادة الشكر الأمريكية.. إن الشكر الذي أوصى به الرب هو:


×    شكر بعد تأمل وتفكير
×    وهو شكر من أجل الورود والأشواك التي تملأ بستان الشكر.
ونبدأ بالورود التي تنمو في بستان الشكر.
شكر بعد تأمل وتفكير
"شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ" (كولوسي 12:1-13).
الشكر المقبول يأتي بعد التأمل والتفكير في هذه الكلمات "أهلنا.. أنقذنا.. ونقلنا".
أهلنا.. لشركة ميراث القديسين في النور.. وهو أمر يحدث حين نولد ولادة ثانية.. فنحن بطبيعتنا التي ولدنا بها خطاة في الفكر والعمل.. لكن بالولادة الجديدة التي نختبرها بعمل كلمة الله وروح الله نؤهل لشركة ميراث القديسين في النور.
أنقذنا.. ومجرد التفكير في هذا الإنقاذ، والتأمل في معناه، يدفعنا للشكر الصحيح. فالآب أنقذنا من سلطان الظلمة، من إبليس وعبوديته لأفكارنا وتصرفاتنا.. ولا أحد يقدر أن ينقذنا من عبودية الشيطان إلا الرب نفسه.. ولأنه "أنقذنا" من سلطان الظلمة وجعلنا أحراراً.. نشكره من عمق قلوبنا.
نقلنا.. بعد أن أهلنا.. وأنقذنا.. نقلنا من الموت إلى الحياة كما قال ربنا يسوع المسيح.
"اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ" (يوحنا 24:5).
لكي تشكر الله شكراً مقبولاً، لا شكراً روتينياً، يجب أن تفكر بعمق في الكلمات ”أهلنا.. أنقذنا.. نقلنا“ وعندئذ سيفيض لسانك بالشكر وقلبك بالتسبيح.
شكر لأجل خليقة القدير
لقد انشغلنا في تفاهات الحياة، وصار تفكيرنا محصوراً فيها. حاول أن تستمع إلى جماعة من السيدات وهن يتكلمن وستجد أن الكلام يدور حول الملوخية.. والتبولة.. والبقلاوة.. والبامية.. وحاول أن تستمع إلى جماعة من الرجال وهم يتكلمون وستجد أن الكلام عن الأمور المالية.. وماذا سيحدث للأرصدة الموجودة في البنوك مع انهيار المؤسسات المالية.. وماذا سيحدث في سوق بيع وشراء البيوت والعقارات..
وفي غمرة الغرق في التفكير في التفاهات نسينا عظمة خالقنا، ودقة خلقتنا.
لما فكر داود النبي في عظمة وارتفاع معرفة الله، قال: "عَجِيبَةٌ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ، فَوْقِي ارْتَفَعَتْ، لاَ أَسْتَطِيعُهَا" (مزمور 6:139). ولما تأمل في كيفية خلق الله له، قال: "لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا" (مزمور 13:139و14).
والترجمة الإنجليزية تقول: "أحمدك لأنك خلقتني خليقة عجيبة ورهيبة".
لو أنك جلست تفكر في كيف خلقك الله.. والعناصر الروحية، والجسدية، والنفسية التي صنعك منها.. لامتلأت بالشكر للرب الذي خلقك.. وهتفت قائلاً مع أيوب: "يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا" (أيوب 8:10).
شكر من أجل إيمان الأبرار
بولس الرسول شكر الله من أجل إيمان الأبرار، فقال: "أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلهِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ" (رومية 8:1).
إيمان المؤمنين في روما صار محطة إذاعة تغطى العالم المعروف حينئذ برسالة إنجيل يسوع المسيح.. وكان هذا الإيمان موضوع شكر بولس لله.
مصيبتنا أننا نذيع مذمات المؤمنين، بدلاً من إذاعة إيمانهم بيسوع المسيح.. والسبب عقدة النقص في حياتنا، فنحن نظن أن مذمتنا للآخرين، تعظيم لنا.. مع أن واجبنا أن نشكر إلهنا لأجل خدمات من يخدمون.
ننتقل الآن إلى الشكر لأجل الأشواك التي تدمى أصابعنا في بستان الشكر.
1- شوكة في الجسد
اختبر بولس الرسول هذه الشوكة التي آلمته كثيراً في حياته فكتب عنها يقول: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ" (2كورنثوس 7:12).
كانت شوكة بولس "لطمات" يلطمه بها ملاك الشيطان. والتفكير في "شوكة بولس" يُحدث في العقل دوار.. كيف يسمح الله القدوس، لملاك الشيطان أن يلطم واحداً من أعظم رسل المسيح؟ أن يلطم بولس الرسول الإناء المختار؟
الجواب الذي أجده في الكتاب المقدس "لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ" (إشعياء 8:55-9).
"لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ" (يوحنا 7:13).
الشيء الوحيد الذي يسترعى انتباهنا أن هذه الشوكة أُعطيت لبولس "لئلا يرتفع"، والارتفاع خطر لأنه "قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ" (أمثال 18:16).
2- شوك التأديب لإرجاع المرتد
"لِذلِكَ هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا... فَتَقُولُ: أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ" (هوشع 6:2-7). كثيرون من المؤمنين المرتدين، يحتاجون إلى سياج الشوك لتدمى الأشواك أصابعهم وأرجلهم فيرجعون إلى الرب.
هل جلست تفكر مع جدعون وتسأل نفسك وسط تجاربك ومصائبك "لِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ؟" (قضاة 13:6).. وهل انفتحت عيناك لترى سبب المأساة التي تجتازها؟
الله وضع الأشواك في حياتك لتشعر بخطئك، وتتوب عن خطيتك. إنه يؤدبك لترجع إليه.. فاشكره لأجل شوك التأديب وعُدْ تائباً إليه.
نقرأ في سفر أيوب الكلمات التي قالها أليهو لأيوب:
”لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ، لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ. أَيْضًا يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ، فَتَكْرَهُ حَيَاتُهُ خُبْزًا، وَنَفْسُهُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ. فَيَبْلَى لَحْمُهُ عَنِ الْعَيَانِ، وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى، وَتَقْرُبُ نَفْسُهُ إِلَى الْقَبْرِ، وَحَيَاتُهُ إِلَى الْمُمِيتِينَ. إِنْ وُجِدَ عِنْدَهُ مُرْسَلٌ، وَسِيطٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ اسْتِقَامَتَهُ، يَتَرَاَءَفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ الْهُبُوطِ إِلَى الْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. يَصِيرُ لَحْمُهُ أَغَضَّ مِنْ لَحْمِ الصَّبِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. يُصَلِّي إِلَى اللهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى الإِنْسَانِ بِرَّهُ. يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ.
”هُوَذَا كُلُّ هذِهِ يَفْعَلُهَا اللهُ مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا بِالإِنْسَانِ، لِيَرُدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْحُفْرَةِ، لِيَسْتَنِيرَ بِنُورِ الأَحْيَاءِ“ (أيوب 14:33-30).
3- شوك امتحان الإيمان
هذا الشوك يجب أن يكون دافعاً لشكرك لإلهك، لأنه يريدك أن تكون كاملاً ونامياً، وغير ناقص في شيء. وعن هذا قال يعقوب في رسالته: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ" (يعقوب 2:1-4). فإذا وقعت في تجارب متنوعة: تجارب عائلية، تجارب صحية، تجارب مالية، تجارب نفسية أو روحية: احسب هذا فرحاً واشكر الرب لأجل هذه التجارب.
كان "ريتشار باكستر" رجل الله البريطاني حين تمر عليه فترة طويلة بدون تجارب يقول في صلاته للرب: "ماذا حدث يا رب.. ليس هناك تجارب متنوعة في حياتي.. هل انتهت مدة امتحان إيماني؟!"
بعد أن مر إبراهيم في ظروف متنوعة.. ولدت هاجر إسماعيل، ظهر له الرب.. ووعده بولادة إسحق من سارة.. وُلد إسحق، وفي يوم فطامه رأت سارة إسماعيل ابن الجارية يمزح، بمعنى أنه كان يقول كلاماً قبيحاً، وطلبت من إبراهيم قائلة: ”اطرد هذه الجارية وابنها. لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحق“ (تكوين 10:21). وصادق الرب على كلام سارة وقال لإبراهيم: ”في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها. لأنه بإسحق يُدعى لك نسل“ (تكوين 12:21).
بعد كل هذه الأمور امتحن الله إبراهيم وكان الامتحان صعباً ومؤلماً، إذ قال له: ”خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق.. وأصعده محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك“ (تكوين 3:22).
ونجح إبراهيم في الامتحان، أعطى الرب المكان الأول في حياته.. وأعطاه الرب لقباً ممتازاً ”ودُعي خليل الله“ (يعقوب 23:2). وكلمة ”خليل الله“ معناها صديق الله الحميم.
فاشكر الله من كل قلبك لأجل امتحان إيمانك، لأنك إذا نجحت في الامتحان فسيعطيك الرب لقباً تعتز وتفتخر به.
في مناسبة عيد الشكر، تلذذ بلحم الديك الرومي الذي تأكله لكن لا تنسى أن تشكر من أجل الورود والأشواك في بستان الشكر.

المجموعة: 200811