أيار May 2010

معجزة تحويل الماء إلى خمر معروفة لدينا وهي غنية بالمعاني الروحية. ومشكلة البعض أنهم يفسرونها حرفياً ليُبرروا شرب الخمر. والسبب فى الوصول لهذه النتيجة الخاطئة هي الفهم الحرفي للكتاب. لكن عندما نقارن الروحيات بالروحيات سنجد تعليماً إلهياً يبني نفوسنا وينتشلنا من مستنقع الجسد إلى عالم الروح حيثُ الاتحاد مع المسيح. في هذا النص من إنجيل يوحنا 1:2-11 نجد الأفكار التالية:

١- العرس والخمرة والسعادة

العرس الحقيقي هو الإيمان بالمسيح الذي هو عريس حياتنا، لأن الحياة بدون المسيح تتحوّل إلى مأتم خالٍ من الفرح الحقيقي. والمسيح يُشبِّه نفسه بالعريس للكنيسة، والمؤمنون الحقيقيون هم عروس المسيح. وهذه صورة جميلة لعلاقة المسيح بالكنيسة. فإذا كان الزواج عهداً أبدياً لا ينفصل قائم على العواطف والإرادة والعقل، كذلك أيضاً الحياة مع المسيح... عندما نرتبط بالمسيح فإننا ندخل فى عهد أبدي معه.

فى هذا العرس كان هناك خمر.. والخمر من نتاج الكرمة، وهي تفرّح قلب الإنسان... مشكلة الخمر أنها تعطي متعة زمنية عندما يشربها الإنسان ولكن عواقبها مدمرة. ويحذّرنا الكتاب من نتائج شرب الخمر؛ فمع أنها تُفرِّح لكنها تُجرِّح وتُقرِّح وتُقبِّح! لذلك يحذرنا الكتاب: "لمن الويل؟ لمن الشقاوة؟ لمن المخاصمات؟ لمن الكرب؟ لمن الجروح بلا سبب؟ لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر، الذين يدخلون فى طلب الشراب الممزوج" (أمثال 29:23-30).

غير أنه يقول الكتاب بأن السعادة الحقيقية هي نتيجة أبدية لعمل الله في الإنسان عندما يمتلئ بالروح القدس ويكون خاضعاً له... فهي لا تُجرّح ولا تُقرّح ولا تُقبّح.

والخمر الأرضية لها آثار مدمرة على المجتمع. ففي أمريكا مثلاً، يموت إنسان كل ثلاثين ثانية بسبب قيادة السيارات تحت تأثير الكحول أو بسبب أمراض الكبد. فضحايا الخمر كل سنة تفوق أربعة أضعاف ضحايا حرب فيتنام خلال عشرة أعوام.

تقول الإحصائيات في أميركا أن:

50٪ من حوادث السيارات كل سنة سببها هو الإدمان على الكحول.

45 مليار دولار تصرف سنوياً على الخمر ونتائجها.

٤٠٪ من محاولات الانتحار سببها الإدمان.

٤٠٪ من حوادث الغرق سببها الإدمان.

إلا أنه هناك خمر روحية يَدعوك الكتاب المقدس إليها وهي تقودك إلى الله ونعمته وبركاته.

الخمر الأرضية تُدمّرك

"لانه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم، وملوك الأرض زنوا معها، وتجار الأرض استغنوا من وفرة نعيمها" (رؤيا 3:18).

بابل هنا صورة للعالم. فالخمر التي يعطيها العالم تُسكر، وتُعطي متعة وقتية، سواء كان ذلك عن طريق الجنس أو غيره... والناس تشرب الإثم كالماء. والمدمن يشرب الخمر كالماء... وأول شيء يفعله صباحاً هو شرب الخمر لا الماء - أي أصبحت بديلاً عنه وهذا هو عين الإدمان! يقول الكتاب: "فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً" (لوقا 34:21).

ما هو ذلك اليوم؟ إنه يوم مجيء المسيح. فهموم الحياة، والسُكر، والزنى، وجمع المال، إلخ... كل هذه تُهلك الإنسان.

كان هناك شخص، كلما يقابلني يقول لي:

- صلّ من أجلي، ومن أجل عملي.

قلت له:

- وما هي النهاية؟ أنتَ باستمرار تفكر في عملك فقط ومهموم به!

قال جبران خليل جبران:

"كل الذي تعمل لأجله، يوماً ما سيأخذه غيرك".

أيها المؤمن، يجب أن تفكر بحياتك الروحية أولاً. فكر بمُتعك الأبدية لا الأرضية.

فى أفسس ١٨:5 يقول الرب: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ". لا تهتم ولا تجعل الخمر الأرضية تسيطر عليك بل ليسد عليك روح المسيح وفكره، وامتلئ بالروح القدس!

عندما امتلأ التلاميذ من الروح القدس في يوم الخمسين، افتكر الآخرون بأنهم امتلأوا "سلافة" أي "خمراً جيدة"، لكن التلاميذ كانوا ممتلئين بخمر أخرى من فوق! كانوا تحت سيطرة روح الله.

الشخص الممتلىء بالروح القدس مملوء طاعة ووداعة، ومتزناً في حياته وفكره.

الخمر وأفراح العالم نهايتها غير سعيدة

عندما تزوج الأمير تشارلز - ولي عهد بريطانيا - الأميرة ديانا كان زواجهما أسطورياً! ولكن ماذا كانت النهاية؟ كانت مأساة ابتدأت بالانفصال وانتهت بموت الأميرة. لكن السلام والفرح اللذان يعطيهما المسيح لا ينتهي بالانفصال والموت، بل بحياة فياضة وأبدية.

كانت هناك خمر في عرس قانا الجليل، والخمر فرغت... هكذا أفراح العالم تبدأ جيدة ثم تَفرغ وتنتهي. لكن المسيح أعطاهم الخمر الجيدة التي لا تَفرغ.

ليجعل المسيح حياتك عرساً دائماً لا ينتهي. وإذا أردت ذلك، يجب أن تخضع لروح الله لكي يقودك ويغذي حياتك بنعمتهِ. يجب أن تبدأ يومك بطلب الرب وسيادته، وإلا لن يسود الرب عليكَ، بل تعيش حالة من الخواء والجوع والعطش الروحي.

٢- الماء والروح والولادة

قال المسيح في عدد ٧: "املأوا الأجران ماء"، وقال لنيقوديموس: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ". الماء هنا رمز للولادة الثانيةٍ من روح الله.

الولادة البيولوجية ليست ”بشطارة“ الجنين بل باتحاد الأب والأم، كذلك أيضاً عندما تتحد النعمة مع الإيمان تكون هناك ولادة روحية.

الولادة الطبيعية يصاحبها آلام، وكذلك الولادة الروحية... لكنها الآلام التي قاساها المسيح من أجلنا... فوُلدنا من جنبه الطعين! ولكي تكون الولادة الطبيعية صحيحة لا بد أن يكون رأس الجنين إلى أسفل.. ولكي تكون هناك ولادة روحية لا بد أن يكون رأس الخاطىء إلى أسفل، أي أن يتواضع وينكسر أمام الله.

عندما يُولد طفل يكون هناك فرح في الأسرة، كذلك أيضاً عندما يُولد الإنسان ثانية ويصبح من أبناء الله تَفرح الكنيسة به ويكون هناك فرحٌ في السماء. عندما نُولد ثانية نفرح. يقول الكتاب: "هكَذَا، أَقُولُ لَكُمْ: يَكُونُ فَرَحٌ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ".

يجب أن تخبر الناس بكم صنع بك المسيح ورحمك لكي يقبلوه مخلصاً وفادياً لهم.

ثم كرِّس حياتك لمساعدة الناس لكي يُولدوا ثانية من فوق.

في مذكراته، كتب رئيس الولايات المتحده الأسبق جيمي كارتر عن أهمية الكرازة للآخرين بالمسيح: عندما سأله شخص عن عدد الزيارات التي قام بها ليقدم المسيح للآخرين، قال: لا أعرف! وعندما رجع إلى بيته، حسب عدد زياراته فوجد أنه خلال ١٤ سنة قام بـ ١٤٠٠ زيارة أي ١٠٠ زيارة سنوياً. لكن الرب ذَكَّره بعدد الزيارات التي قام بها عندما ترشّح لمنصب حاكم ولاية ”جورجيا“ فوجد أنه قام بـ ١٣٠٠ زيارة خلال 3 شهور، فحزن وقال: سامحني يا رب على تقصيرى في الخدمة.

٣- اطلب من له السيادة

عندما فرغت الخمر، أول ما قامت به العذراء المُباركة مريم أنها ذهبت إلى المسيح صاحب السيادة والسلطان. فإن كانت لديكَ مشكلة، فاذهب إلى الرب أولاً قبل أن تذهب إلى أي شخص آخر واذهب بروح الصلاة.

ما أجمل أن ندخل إلى محضر الرب بالصلاة! يقول الكتاب: "صلوا بلا انقطاع". ولا بد أن نفهم بأن الصلاة ملذة وفيها تمتع بالرب. قل له يا رب إشفنى من مرض عدم الصلاة. لا تبحث عن أعذار لعدم الصلاة بل اجعل حياتك صلاة ولا تتعلل بضغوط الوقت.

كان مارتن لوثر معتاداً أن يصلي ساعة أو اثنتين في النهار بالرغم من أنه كان مشغولاً جداً في ترجمة العهد الجديد من اليونانية إلى الألمانية. أثنائها قال له أحدهم: يا مارتن، كيف ستعمل غداً؟ أنتَ مشغول وليس لديكَ الوقت الكافي لكي تصرف ساعتين في الصلاة، فقال لهم: غداً سأصلي ثلاث ساعات لأني مشغول أكثر، فأنا بحاجة لأن أصلي أكثر.

ليشفنا الرب من مرض قلة الصلاة. يقول الكتاب في عبرانيين ١٢:١٢ "لذلك قوِّموا الأيادي المسترخية والركب المخلّعة".

وأيضاً في عبرانيين ٢:12 "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع". فحياة الصلاة تذكّرنا بيد الرب الممدودة لنا باستمرار!

لماذا لا يوجد فرح في حياتك؟ لأنه لا توجد ركب ساجدة... لأنكَ لا تسجد للرب!
متى كانت آخر مرة صليت فيها وركعت؟ وبالتأكيد يمكنك أن تصلي دون أن تركع. هناك شخص يُعتبر مثالاً لنا في الصلاة هو "جورج ميلر".

بدأ ميلر خدمته عام ١٨٣٦ بعد تجديده، وهو من عائلة مرموقة. قرر ميلر أن يعطي الرب كل ما يملك. وإذ كان يصلي للرب، طلبَ الرب منه أن يفتح داراً للأيتام. ووسط حالتَي الجوع والفقر في إنجلترا، بدأ خدمته وأسس أول دار للأيتام بـ ٣٦ طفلاً! أقدم على ذلك بالإيمان بالرب. ثم أخذت خدمته تتقدم إلى أن وصل عدد الأيتام الذين يهتم بهم في إلى "ألفين وخمسين يتيماً شغلوا ستة مبانٍ". أصبح ١١٠ منهم خداماً للرب، ومع ضخامة العدد كان الرب يسدد الاحتياج عن طريق الصلاة، فلم يحتج ميلر إلى أي شيء من أحد! كانوا أحياناً يقولون له: ”لا يوجد طعام للغد“. فكان يصلي وكان الرب يرسل معوناته لتسديد الاحتياج. كانت حَياته حياة الصلاة، وخلال ٥٠ عاماً من حياته، جمع تبرعات لدعم الخدمة أكثر من 7.5 مليون دولار (قيمته حالياً يساوي ٧ مليارات دولار)؛ كل ذلك كان بقوة الصلاة.

فاطلب ممن له السيادة.

٤ – أعطِ القيادة للرب ولكلمته

في عدد ٥ تقول العذراء مريم: "مهما قال لكم فافعلوه". فإن أردت أن تتعلم من العذراء مريم، تعلم الطاعة الكاملة للمسيح ولكلمته. أعطِ الرب القيادة، لا تقُدْ أنتَ بل أصغِ جيداً لكلامه.

عندما تَجعل المسيح يَقودك تَفوح منكَ رائحة المسيح الزكية في كل مكان. فكيفَ نعرف السكير أنه سكير؟ عندما نشم رائحته! كذلك المؤمن، نعرف أنه مُنقاد بروح المسيح عندما نشم فيه رائحة المسيح الزكية؛ نجده شخصاً متزناً، محباً، ووديعاً.

تأثرتُ كثيراً من قصة رون كرو التي روت قصة الأخت التى دَرّبت أخوات أخريات ليخدموا معاً في الصين؛ وكانت تعلمهم اللغة الصينية. سألتهن عما يلاحظونه فيها وهي تمشي في وسطهن. فأجابت واحدة منهن: الشيء الوحيد الذي لاحظته هو العطر الجميل الذي تضعينه. فأجابت وقالت لهن: هذا ما أريد أن أُعلّمه لكم وأنتم تكرزون في الصين. ستذهبون للصين وتتعلمون اللغة الصينية، ولكن أول شيء يلاحظونه هو العطر الروحي الذي فيكن وهو رائحة المسيح الزكية في اللطف، والوداعة، والمحبة، والتضحية.

ليساعدنا الرب أن نمتلىء من روحه. فهو عريس حياتنا الذي يعطينا الخمر الإلهية التي تجعلنا فرحين باستمرار، فنُولد من فوق ونتغير عندما نَقبل المسيح مخلصاً لحياتنا، ونُصلي في شركة دائمة معه، ولأنه إلهنا المُحب نُسلم حياتنا له بالكامل ليقودنا ويملأنا بروحه وبرائحته الذكية. 

المجموعة: 201005