آب Agust 2010

الشباب قلب الحياة النابض، ومرحلة العمر الغضّ، وأمل الأسرة السوية، وزينة المجتمع المتحضر، وقوة الدولة الواعية. الشباب يتميز بالصحة، والسرعة، والتهوّر، والجنون، والرقة، والتمثيل، والتقليد، والتشامخ، والطموح. إنه يخلط الطموح بالجنوح، والحب بالتملّك، والرغبة بالثورة، والمشاعر بالإحباط، والجهل بالعنف، والفشل بالظروف، والنتيجة بالدموع، والروح بالجسد، فقلت:
ألا ليت الشباب يعود يومًا لأخبره بما فعل المشيب
من حكمة، وخبرة، وتحفّظ، ودراية، ونجاح. والمهم أننا لا نفهم الشباب لذلك لا يجب أن نلوم الشباب لأنهم أيضًا لا يفهمون أنفسهم بسبب الأزمات.

أولاً: أزمة شخصية
إن الشاب ليس مستعدًا أن يبوح بكل علاقاته للآخرين حتى أقرب الناس إليه. إنه لغز نفسه ويرغب أن يكون لغزًا لغيره أيضًا تحت شعار "الاستقلالية". ومن هذا المنطلق يبني لنفسه برجًا عاليًا باسم "الخصوصية". وإن فرض الآخرون آراءهم عليه اعتبره ظلمًا. وإن ضيَّقوا عليه الخناق عُدَّ تدخُّلاً في أموره الخاصة، وقد تكون الأنانية وراء نظرة الخصوصية.
إن الابن الضال في إنجيل لوقا 15، في سَفَره للكورة البعيدة المخربة لكل عناصر الحياة الكريمة، أراد الابتعاد عن أية سلطة وتفضيل العزلة وإشباع الرغبة في المغامرة حتى رجع الى نفسه والى عائلته، فوجد الأمان والفرح والاهتمام والمشاعر الدافئة. إنه احتجاج على الروتين والأوضاع الجامدة. هذه هي ثورة الجيل الجديد، جيل الذرة بل جيل الفضائيات واستقطاب الزمن وسرعة الاتصالات.
قيل عن سقراط الفيلسوف عندما أراد أن يتزوج، بحث عن اقبح النساء شكلاً وأسلطهن لسانًا وأكثرهنّ سفاهة. ولما سُئل عن سر ذلك أجاب: لأتعوّد على سفاهة العامة وسوء أخلاق الناس. ولكن زواجًا كهذا جلب عليه الشقاء. إن النظرة الآنية الوقتية السطحية للأمور تهدم حياة الفرد. "وقال الجاهل في قلبه ليس إله" (مزمور 14: 1).

ثانيًا: أزمة فكرية
فالشاب يقيس الأحداث والأحاسيس والواقع بمقياسه الخاص الذاتي. إنه يظنّ أن أي مشكلة سببها خطأ الآخرين، وأن كل الناس يهملونه حتى أهله، بل إنهم يتألبون ضدّه، ولذلك أحيانًا يصعب التعامل معه. ويتعدى في المواقف السلبية على حقوق الآخرين دون مبرر أو وعي. وقد يترك العنان في المواقف الإيجابية لمشاعره فيتدخّل في شؤون الغير دون تفكير أو حدود. إنه التواصل من جانب واحد وتوقُّع الولاء من الآخرين. الواقع أن الناس ليسوا هم المشكلة، ولا هو نفسه المشكلة، فكل إنسان يمتلك طاقة كامنة قادرة على حلّ المشاكل بطريقة صحيحة، لكن قليلاً من المعرفة والخبرة لا يحلّ المشاكل المطروحة يوميًا. إنه يريد أن يجرب كل شيء.
أرسلت إحدى شركات الدخان لكل طالب من طلبة إحدى الكليات بأمريكا بعضًا من علب السجائر مرفقة بالعبارة: يسرنا أن نبعث لكم أرقى صنف من سجائرنا، ونأمل أنكم تجربونها. فرد أحد الطلبة: وصلتني سجائركم، وسررت بها، ونقعتها في لتر ماء 24 ساعة ثم رشيت النقيع على شجيرات الورد المزروعة عندنا والتي تخنقها الديدان بشدة فماتت الديدان. سأطلب سجائركم في الربيع القادم إن رجعت الديدان.

ثالثًا: أزمة اجتماعية
في رسالة إلكترونية، دخلت امرأة بيتها لتجد ثلاثة رجال غرباء في الفسحة الخلفية للبيت، وباندهاش شديد دعتهم للعشاء. ولما عرفوا أن زوجها غير موجود رفضوا الدخول. لما جاء زوجها حكت له ما جرى، فاقترح أن تدعوهم للدخول على أن تستفسر عن أسمائهم. وخرجت الزوجة لتسأل عن أسمائهم، وإذا هم: النجاح والثروة والحب، وانهم لا يستطيعون الدخول معًا. وجرت مناقشة بين الزوج والزوجة وابنتهما من سيدخل أولاً. واتفقوا أخيرًا على دخول الحب. وذهبت الأم وطلبت من الحب أن يتفضّل بالدخول. وفوجئت أن الثروة والنجاح يتبعان الحب. ولما استوضحت الأمر علمت بأن الحب يجلب دائمًا معه الثروة والنجاح!
إن عمر الشباب ينزع إلى تحدّي الأجيال السابقة، أو السلف، أو كل ما هو قديم حتى الأهل لأنهم "دقّة قديمة" أو متخلّفون. والنتيجة التمرّد والإصرار على الرأي وعدم الخضوع، وقد يصل ذلك الى حد المبالغة والعناد والعنف الذي ينبع من الكبرياء أو الخوف من الضياع أو صغر النفس.
صدق قول الكتاب المقدس: "أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة، لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظّمين، مستكبرين، مجدّفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين" (2تيموثاوس 1:3-2).
وتتجلى هذه الظاهرة في عدم احترام الغير، وإعلاء الأنا فوق العلاقات، والثقة المطلقة في الذات في مواجهة الحياة. وهذا ما يدفع الشاب أحيانًا للقيام بدور الكبار في العلاقات الاجتماعية. إن الشاب يكره الكذب والتهديد ولو كان هو نفسه يمارسهما. إنه يحترم ذاته وقراراته ومهاراته ومؤهلاته جدًا. وهنا تظهر أهمية التخلي عن السلبية، فالمحبة الصادقة هي أساس النجاح والثروة في العائلة والمجتمع.


رابعًا: أزمة روحية
إن مشكلة الشاب تتركّز في فهم ذاته وتكوين هويته الشخصية. وقد يكذب على نفسه في سبيل التغلب على أعراض التوتّر. وقد يملّ من الطقوس الشكلية، أو يبتعد عن الممارسات التقليدية، أو الأنماط الروحية، وقد يحاول إنكار الحقائق المؤلمة. إنه يشكو من أعراض الأزمة النفسية من قلق، واكتئاب، وصراع داخلي، وأحيانا عسر هضم، أو آلام في الظهر، والتهاب المعدة، وتدهور الصحة. والحل الوحيد هو استرداد الهوية الحقيقية.
ما الذي يريحنا إذا مرضنا أو فتك الشعور بالذنب بنفوسنا؟
إنه الله! ”فاذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تأتي أيام الشر..." (الجامعة 1:12).
إن قوة المحبة ونقاوة القلب تداوي الأمراض النفسية... والصبر والاحتمال والغفران والعمل الجاد هو أعظم معلم للاستفادة من مدرسة الألم. إن العلاقات الصحية تشفي الجراح الدامية وليس رفض الدين أو البعد عن أماكن العبادة... فالإنسان لا تكتمل شخصيته بدون اللجوء الى الله والسير مع الله والاعتماد على الله.
اجتاز إبراهام لنكولن الكثير من الظروف الصعبة أثناء مدة رئاسته بالبيت الأبيض، لكن في خطاب ألقاه صرّح قائلاً:
”إنني إذ أمعن النظر في الأحداث التي واجهتني أثناء مدة رئاستي، اعترف بأنني لم أسيِّر الحوادث بل هي التي سيرتني، ولكنني رغم كل ما صادفني من صعوبات قد قابلتها جميعها بالإيمان“.


خامسًا: أزمة عاطفية
العلاقات الجنسية، والحب، وجنة عدن هي بعض مشكلات الشاب العادية. إنها ترتبط بالسرية، والخوف الدفين، والشك، والصراع الداخلي. وهنا على الشاب أن يحذر ثلاثة أعداء: الغفلة والنسيان والشهوة. يُقال أن الذئب شديد الاحتراس من أعدائه، حتى أنه ينام ويغمض إحدى عينيه ويترك الأخرى مفتوحة ليراقب بها الأعداء لئلا يهاجمونه بغتة.
تقدمت مرة امرأة الى الفيلسوف جان جاك روسو وسألته: ما هي صفات الفتاة التي تودّ أن تتزوجها؟ فأجاب: الجمال صفر، والمهارة البيتية صفر، والعلم والمواهب العقلية صفر، والحسب والنسب صفر، والصلاح القلبي واحد. فقاطعته بالقول: لعلك تمزح، فأجابها: لما لا، فإن القلب الصالح هو أساسٌ تُبنى عليه باقي الصفات والمزايا الحسنة، وكل صفة ومزية طيبة تزيد من قيمتها.
إن المجتمع الذي نبنيه يحتاج الى شباب واعٍ، ومجتهد، ومتفتّح للحياة، وحرّ الرأي، ويقبل النصيحة، ويتحمل المسؤولية، ويستغلّ وقته أحسن استغلالٍ، ويعرف قيمته، ويبحث عن الله، ويضمن أبديته باختيار النصيب الصالح الذي لا يُنزع منه الى الأبد.
والآن، لعلك وضعت عينيك على المسيح المخلص الذي يحملك الى العيش السعيد، والغفران الأكيد، والبيت الأبدي الجديد.

المجموعة: 201008