تشرين الثاني November 2010

قبل الحديث عن الحجارة التي تصدم غير المسيحيين، وتقف عثرة بينهم وبين الإيمان بحقيقة يسوع المسيح، لا بد من الإجابة عن السؤال: من هم المسيحيون ومن هم غير المسيحيين؟

أول مرة نقرأ فيها عن المسيحيين جاءت في هذه الكلمات: "وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ مَسِيحِيِّينَ فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً" (أعمال 26:11). والمرة الثانية جاءت في كلمات بطرس الرسول: "فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِلٍ، أَوْ سَارِق ٍ، أَوْ فَاعِلِ شَرٍّ، أَوْ مُتَدَاخِلٍ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ" (1بطرس 15:4-16).

المسيحي الحقيقي
هو تلميذ للمسيح ترك كل شيء، وأعطى المسيح مركز الربوبية والسيادة في حياته.

غير المسيحيين
هم الذين رفضوا الإيمان بيسوع المسيح ربًا ومخلصًا لحياتهم... سواء كانوا قد وُلدوا من أبوين مسيحيين، أو كانوا من الهندوس، وأتباع زرادشت، والمسلمين، واليهود، وغيرهم من المؤمنين بالديانات البشرية.
غير المسيحيين تعثرهم - وتقف في طريق إيمانهم بالمسيح المصلوب، الذي قام من الأموات، وصعد بعد قيامته إلى السماء - عدة حجارة:

1- حجر الإيمان بوحي الكتاب المقدس
الكتاب المقدس هو الأساس الوحيد الذي يُبنى عليه الإيمان بكل الحقائق المختصة بخلاص الإنسان، كما يقول الرسول بولس: "إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ" (رومية 17:10).

فقبل مناقشة أي موضوع آخر من الموضوعات المرتبطة بالإيمان المسيحي، لا بد أن يتيقن الباحث عن الخلاص من حقيقة وحي الكتاب المقدس.

بدون اليقين الكامل بأن الكتاب المقدس بأسفاره الستة والستين موحى به من الله، فالحديث عن أي قضية أخرى من قضايا المسيحية يصبح بغير أساس.

ولا بد للإنسان الذي يريد أن يتيقن بأن الكتاب المقدس موحى به من الله، أن يقرأ ويدرس الكتاب المقدس. فحكم أي إنسان أعطاه الله عقلاً يفكر به على كتاب لم يقرأه، يعلن عن جهله وتعصبه الأعمى الذي لا بد أن يقوده إلى الهلاك.

إن هناك براهين كثيرة تؤكد أن الكتاب المقدس موحى به من الله...

هناك برهان ترتيبه وتسلسل أحداثه، فهو يبدأ بداية منطقية تبهر العقل فيقول: "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تكوين 1:1)، ثم برهان دقة وصدق نبواته.. أكثر من نصف ما ورد في الكتاب المقدس نبوات نطق بها أنبياء الله مسوقين من الروح القدس، ونبوات الكتاب المقدس تمت، وتتم، وسوف يتم الباقي منها بكل يقين.. ثم برهان صدق الحقائق العلمية، والجغرافية، والتاريخية.. ثم برهان وحدة أسفاره، فمع أن الكتاب المقدس كتبه أربعون كاتبًا في حقبة من الزمن استغرقت ألفًا وخمسمئة سنة إلا أن وحدة أسفاره تتحدى العقل... ثم برهان تعدد القضايا التي يعالجها، فسفر أيوب يعلن لنا سر آلام القديسين، وسفر الجامعة يعلن لنا بطلان كل ما هو تحت الشمس، وسفر الأمثال يعلمنا كيف نسلك في حياتنا العملية، وسفر المزامير يحدثنا عن اختبارات، واعترافات، وآلام المؤمنين، وعمق علاقتهم بالله. وهكذا نجد في الكتاب المقدس دائرة معارف لا يضارعه فيها كتاب آخر... ثم برهان وجود يسوع المسيح مرموزًا إليه في قصصه وشخصياته... ثم برهان فرادة وقداسة وصاياه... ثم برهان شهادة يسوع المسيح لصدق وحيه. فأن يقول أحد بعد كل هذه البراهين أن أيدي المحرفين عبثت بالكتاب المقدس... يكون سؤالي له: هل قرأت الكتاب المقدس؟ ويقينًا إن شخصًا قرأ الكتاب المقدس وفهم محتوياته يرفض رفضًا نهائيًا ادعاء تحريفه..

لا بد لخادم المسيح، الذي يتعامل مع غير المسيحيين، أن يثبت لهم حقيقة وحي الكتاب المقدس ويتأكد من إيمانهم بوحي هذا الكتاب الكريم قبل أن يناقش معهم أي قضية أخرى.

2- حجر حقيقة صلب المسيح
هذا الحجر الذي يقف في طريق إيمان غير المسيحيين، ذكره الرسول بكلماته: "وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!" (1كورنثوس 23:1).

حقيقة صلب المسيح كانت وما زالت حجرًا يقف في طريق إيمان غير المسيحيين.

غير المسيحي يقف متعثرًا أمام قضية صلب المسيح، فهو بعقله المحدود المعرفة لا يستطيع إدراك كيف أن الله القادر على كل شيء يترك ابنه يسوع المسيح في يد الغوغاء، فيلطموه، ويبصقوا على وجهه، ويستهزئون به، وأخيرًا يوقفونه أمام حاكم روماني جبان اسمه "بيلاطس" فيحكم عليه بالموت صلبًا، ويأخذه الجنود الرومان ويصلبوه.

هذا أمر غير مقبول عند غير المسيحيين... والسبب أنهم لا يعرفون عمق علم الله الحقيقي... لا يدركون أن الله تبارك اسمه أظهر حكمته في خلقه السماوات والأرض بهذا الجمال وهذا النظام الأنيق البديع "السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مزمور 1:19). وأظهر قدرته في خلقه الملائكة بنظامهم المتقن، وبالرتب التي خلقهم بها. وهذه القدرة وهذا الإتقان ظهرا أيضًا في خلقه الإنسان... فالإنسان خليقة مدهشة وعجيبة، له جسد فيه الروح والنفس... قال داود في المزمور وهو يخاطب الله تبارك اسمه: "أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا" (مزمور 14:139). العقل الإنساني مذهل في قدرته وتركيبه... يتعلم الحساب، ويتقن الموسيقى، ويكتشف أسرار الحياة. بقي أن يظهر الله حبه للإنسان... كما يظهر عدله ورحمته في تعامله معه... وكانت الوسيلة لإعلان هذا كله للإنسان هو إرساله ابنه يسوع المسيح وموته على الصليب.

ففي صليب المسيح أعلن الله مدى عظمة حبه للإنسان كما يقول بولس الرسول: "وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رومية 8:5). فإذ كنا بعد ضعفاء لا قدرة لنا على الوصول إلى مقياس قداسة الله، وإذ كنا فجارًا ارتكبنا خطايا يقشعرّ لها البدن، وإذ كنا خطاة تعدّينا حدود وصايا الله، وإذ كنا أعداء لله في الفكر والأعمال الشريرة مات المسيح لأجلنا. أي حب أعظم من هذا الحب؟!

وصليب المسيح هو الطريق الوحيد للغفران، وهذا ما قاله بولس الرسول عن دم المسيح المصلوب: "الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا" (كولوسي 14:1).

الله قدوس، لا يمكن أن يغفر الخطايا بغير عقاب... فإما أن يعاقب مرتكب الخطية فيهلك إلى الأبد... أو يحمل المسيح خطيته ويسدد أجرتها التي هي الموت...

وفي موت المسيح فتح الله الباب لكل من يؤمن بالمسيح المصلوب لينال الغفران والحياة الأبدية "الله الذي هو غنيّ في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلصون. وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أفسس 4:2-6).

وصليب المسيح أعلن عمق حكمة الله، ففيه تمت كلمات المزمور القائلة: "الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما" (مزمور 10:85). في صليب المسيح التقى عدل الله برحمة الله "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله.. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهودًا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله" (رومية 18:1 و23-24). فكما ظهرت حكمة الله في صليب المسيح بالتقاء عدله برحمته، كذلك ظهرت في أنه جعل الصليب حدًا فاصلاً بين الهالكين والمخلصين.

لقد كان موت المسيح على الصليب تدبيرًا أزليًا، دبره الله الحكيم العظيم قبل خلق الإنسان وسقوطه. كان الصليب تدبيرًا إلهيًا محتمًا وُضع في الأزل وتم في الزمان.

3- حجر معرفة الإله الحقيقي
"الله لم يره أحد قط" (يوحنا 18:1)، فكل ادعاء بمعرفة الإله الحقيقي بعيدًا عن إعلانه عن ذاته في كلمته، ادعاء باطل..

المرجع الوحيد لمعرفة حقيقة الذات الإلهية، هو الكتاب المقدس. والكتاب المقدس يعلن لنا أن الله - تبارك وتعالى - "إله محتجب" (إشعياء 15:45). طلب منه موسى النبي أن يريه وجهه، فقال له: "لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خروج 20:33). هذا الإله العظيم الذي لا يقدر أحد أن يراه، أعلن عن ذاته في كلمته بأنه جامع في وحدانيته. وهناك أنواع من الوحدانية: هناك الوحدانية المجردة التي لا تتصف بصفته؛ والوحدانية المطلقة وهي تثير الكثير من التساؤلات؛ والوحدانية الوهمية وهي وحدانية النقطة الهندسية؛ وهناك الوحدانية الجامعة المانعة. وقد أعلن المسيح الصادق الأمين عن وحدانية الله الجامعة في الأمر الذي أعطاه لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 19:28). بهذه الكلمات أعلن المسيح وحدانية الله الجامعة "الآب والابن والروح القدس". وهذه الوحدانية التي أعلنها المسيح، هي أقرب إلى العقل من أي وحدانية أخرى. فلكي يكون الله تبارك اسمه كاملاً في ذاته، ومستغنيًا بذاته عن مخلوقاته، ولكي يمارس صفة الكلام، وصفة الحب، وصفة السمع، وصفة البصر، لا بد أن يكون جامعًا في وحدانيته... وإلا فمع من كان يتكلم، ويحب، ويسمع، ويبصر في الأزل؟!

ولكي يشبع الله - تبارك اسمه - رغبة الإنسان في رؤيته ومعرفته أرسل المسيح ابنه وكلمته. وقد قال يسوع عن نفسه لتلاميذه: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس: يا سيد أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع: أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت أرنا الآب" (يوحنا 6:14-9).

معرفة الله الحقيقي الذي أعلن ذاته في يسوع المسيح هي الطريق الوحيد لنوال الحياة الأبدية "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا 3:17).

بغير معرفة يسوع المسيح، فلا سبيل لمعرفة الله "وليس أحد يعرف الابن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (متى 27:11).

4- حجر الخوف من أي مصدر كان
حجر الخوف من الناس، والأهل، والأصدقاء، أو الخوف من السلطة الحكومية... أو الخوف من الاضطهاد... أو الخوف من أي مصدر آخر يقف عثرة في طريق إيمان غير المسيحيين.

في زمن وجود يسوع المسيح على الأرض "لم يكن أحد يتكلم عنه جهارًا لسبب الخوف من اليهود" (يوحنا 13:7). "وَلكِنْ مَعَ ذلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ، لِئَلاَّ يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ أَحَبُّوا مَجْدَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَجْدِ اللهِ" (يوحنا 42:12-43). لأن الخوف قد يقف حجرًا في طريق إيمان غير المسيحيين. قال يسوع المسيح لتلاميذه: "وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ" (متى 28:10).

وفي الدينونة الأبدية يضع الرب الخائفين على رأس قائمة الذين نصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت "وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤيا 8:21).

خادم المسيح الذي تثقّل بربح غير المسيحيين للمسيح، عليه أن يوضح لهم من البداية، أن الاضطهاد والألم سيكون من نصيبهم كما قال بولس الرسول لأهل فيلبي: "لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ" (فيلبي 29:1). "وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ" (2تيموثاوس 12:3).

هذه هي الحجارة التي تقف في طريق غير المسيحيين:
     حجر الإيمان بوحي الكتاب المقدس
     حجر حقيقة صلب المسيح
     حجر معرفة الإله الحقيقي
     حجر الخوف من أي مصدر كان

لما وقف يسوع عند قبر لعازر، وكان لعازر ميتًا أنتن في قبره... قال يسوع قبل أن يقيمه من الموت للذين حوله: "ارفعوا الحجر" (يوحنا 39:11). فلنتعلم كيف نرفع الحجارة التي تقف في طريق إيمان غير المسيحيين، فهناك مجال أكبر مما ذكرنا على خادم المسيح أن يتعمق في دراسته.

 

للمزيد من المعلومات بخصوص هذه الرسالة اطلب كتاب "الشرك والوحدانية" من عنواننا:
VOPG, PO Box 15013, Colorado Springs, CO 80935
 

المجموعة: 201011