كانون الأول December 2010

تقف على عتبة العهد الجديد صورة للقديسة مريم التي كانت أعجب الأمهات ومثلهنّ الأعلى، حتى خلّدها فنّ التصوير، وبنت الآثار كثيرًا من الكاتدرائيات تخليدًا لذكراها، وذكرت قوانين الإيمان القديمة في المسيحية اسمها في رهبة وخشوع. لقد ورد اسمها في العهد الجديد تسعة عشر مرة، فصار هذا الاسم من أحب الأسماء التي يجلّها بيت اليهودي والمسلم والمسيحي، فإن جميع الأجيال تطوّبها. وهذا ما يدونه الكتاب المقدس الذي هو أساس إيماننا.  
 يمكننا أن نرى مريم في تقواها، وفي خيالها الشاعري، وإيمانها الراسخ، وحياتها الروحية العميقة؛ إنها فوق كل هذا، اختيرت لتكون أمًّا للمخلص.
 
 مريم المكرمة
 
 نحن اليوم نحييها، كما فعل الملاك منذ ألفَي سنة. لقد كانت عند مذود بيت لحم، وفي عرس قانا، وفي هيكل أورشليم، وبجانب صليب الجلجثة، وعلى جبل الزيتون، وفي العلية قبل يوم الخمسين، واختزنت كل هذه الاختبارات في قلبها كأم. فهي تعلمنا أن نكرم الأمومة ونبجّلها... فالشهادة الوحيدة التي لدينا عن ميلاد المسيح العذراوي هي شهادة مريم العذراء.
 
 نحن نؤمن أن يسوع ربنا حُبل به من الروح القدس ووُلد من مريم العذراء، ومن ذا الذي ينسى هذا السر المجيد؟ طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله "في المذود".
 
 
 مريم الطاهرة
 
 إننا نكرم القديسة مريم أيضًا لفضل أخلاقها، فقد كانت الأم الأولى في البيت المسيحي. يا لها من طهارة نفس، ورقة روح! يا له من ابتهاج ملهم وطاعة مستسلمة، وإيمان وادع، تلك التي نراها في مريم من قصة الميلاد!! لقد ارتعب يوسف وكاد يفقد ثقته بمريم، حتى جاءه حلم من السماء يؤكد له نقاءها. فقد ابتدأت الأقاويل في أورشليم وزحفت كحية إلى قلوب الأشرار، حتى قال اليهود عن يسوع أنه ابن زنى! واستهزأ به الفريسيون قائلين: "نحن لم نولد من زنى"، وسألوا يسوع بالازدراء: "أين أبوك؟". لكن مريم تغافلت كل تعيير الناس حين قالت للملاك: "ليكن لي كقولك".
 
 مريم الملهمة
 
 لقد كانت مريم شاعرة ملهمة، فالتسبيحة المشهورة التي ترنمت بها حوت عشرين شاهدًا من العهد القديم. لقد انبثقت هذه التسبيحة من قلبها؛ وقد تعوّد المسيحيون أن يرنموا هذه الترنيمة التي مطلعها: "تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي".
 
 مريم الأم
 
 على أن مريم كانت أيضًا أمًّا، فقد استحوذت على تفكير الامهات نظيرها. وكان واجبها الأعظم أن تسير بيسوع الصبي نحو طريق الرجولة، فراقبت نموّه، وكان يتقدّم في الحكمة والقامة والنعمة. والسنوات التي كانت صامتة بالنسبة لحياته في الناصرة لم تكن هكذا ساكنة بالنسبة لمريم: "لقد كان خاضعًا ليوسف ومريم". من ثم فقد علّماه حقوقه وواجباته التي تؤهّله لأن يكون إسرائيليًا حقًا.
 
 وتعكس أمثال المسيح صورة بيئة الناصرة. فيمكننا أن نرى مريم - إلى جانب واجباتها المنزلية - تأخذ الصبي يسوع لتتمشّى به بين الحقول فيرى الطيور ويسمع ترنيمها عند إقبال المساء. لقد كانت مريم المعلم الأول ليسوع ولم يأتِ قبلها أو بعدها معلم مثلها.
 
 لقد كانت مريم أمًّا عظيمة، حتى قالت سيدة للمسيح: "طوبى للبطن الذي حملك، وللثديين اللتين رضعتهما". انظر إليها ليلة الميلاد الظلماء، ثم راقبها متألمة في تلك الليلة الغبراء التي جاءت عقب الجلجثة، فقد كانت آخر من انتظر عند الصليب، وكانت في العلية تصلي حين حلّ الروح القدس يوم الخمسين، وهو آخر منظر نراها فيه جاثية على ركبتيها تصلي إلى سيدها.
 
 وأخيرًا، تعلمنا مريم كيف نشترك في بركتها... فقد استعملت صفتان يونانيتان في قصة لوقا. معنى الأولى: "مسيّجة بالنعمة" أي "محظوظة من السماء ومملوءة نعمة". وهذا معنى قول الملاك: "أيتها الممتلئة نعمة". أما معنى الثانية: "حميدة أو مباركة". وهذا معنى ما قالته لها أليصابات: "مباركة أنتِ في النساء"... والبركة تأتينا إذا وثّقنا علاقتنا بالمسيح، فقد قال هو: "طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه". وقد سمعت مريم كلام الله وحفظته فنالت أعظم بركة، وهكذا نقدر نحن أن نحصل على البركة أيضًا... وحين حاولت مريم أن تَصْرف المسيح عن عمل إرساليته الإلهية قال: "الذي يعمل مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي". وفي هذا إعلان أن قرابتنا للمسيح ممكنة، فهو يعلن أسرار محبته لمن يفعلون مشيئته...
 
 هل تفعل مشيئته؟ وما هي قرابتك له؟

المجموعة: 201012