شباط February 2011

في مقال سابق، منذ بضعة سنين، تكلمنا عن لاهوت المسيح في العهد القديم، مقتبسين بعض ما جاء عنه في المزامير وفي كتب الأنبياء. واليهود الأتقياء الذين أنار الله بصيرتهم فأدركوا ذلك. فحين تأكّد نثنائيل أن يسوع هو المسيا الذي تكلم عنه الأنبياء قال: "يا معلّم، أنت ابن الله" (صوت الكرازة - يناير 2002). وذكرنا في ذلك المقال أن دافيد ليفاي اليهودي الذي لا يؤمن بيسوع المسيح قال إنه قرأ العهد الجديد ووجد أنه يقدّم يسوع كإله. وأهمية هذا الاعتراف واضحة، وهي أن من يقرأ العهد الجديد ويؤمن بأنه كلام الله لا بد أن يؤمن بأن المسيح هو الله. إن الذين يدّعون أنهم مسيحيون ولا يؤمنون بلاهوت المسيح، هم في الحقيقة يكذّبون كلام الله - وما أكثرهم في أيامنا هذه! اضطر الذين يدّعون أنهم شهود للرب ولكنهم ينكرون لاهوت المسيح أن يقولوا إن موت المسيح، بما أنه مجرّد إنسان، يكفّر فقط عن خطية إنسان واحد، وهو آدم. ولكن ماذا تكون فائدة موته إذا لم يكفر عن خطايانا؟ ولكن شكرًا للرب لأنه يعلن لنا بكل وضوح عن المسيح أنه هو "الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ" (أفسس 7:1). ويقول أيضًا في 1يوحنا 2:2 "وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا". يسوع المسيح هو مخلصنا لأنه أحبنا وأسلم نفسه للموت لأجلنا. ومن الجميل أن نلاحظ ما جاء في الرسالة إلى تيطس بخصوص هذه الحقيقة:

تيطس 3:1-4 "وَإِنَّمَا أَظْهَرَ كَلِمَتَهُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ... بِحَسَبِ أَمْرِ مُخَلِّصِنَا اللهِ، إِلَى تِيطُسَ، الابْنِ الصَّرِيحِ حَسَبَ الإِيمَانِ الْمُشْتَرَكِ: نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا". وفي 10:2 "غَيْرَ مُخْتَلِسِينَ، بَلْ مُقَدِّمِينَ كُلَّ أَمَانَةٍ صَالِحَةٍ، لِكَيْ يُزَيِّنُوا تَعْلِيمَ مُخَلِّصِنَا اللهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ"؛ وفي 13:2 "مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ"؛ وفي 4:3-6 "وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ­ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا".

إن شخص المسيح وعمله هما الموضوع الأساسي في العهد الجديد. وقد أحسنت الجمعيات القائمة بطباعة ونشر الكتاب المقدس إذ أعطت العهد الجديد هذا العنوان: "كتاب العهد الجديد لربنا ومخلصنا يسوع المسيح". فالأناجيل الأربعة موضوعها يسوع المسيح، وسفر أعمال الرسل يتكلم عما عمله تلاميذ ورسل يسوع المسيح، والرسائل تعلمنا ثمار عمل المسيح وبركاته، وسفر الرؤيا "إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ" (رؤيا 1:1).

ومن العجيب أن كثيرين ممن يدّعون أنهم معلمون يجهلون أو ينكرون الحقائق الأساسية الواضحة في كلمة الله بخصوص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، ابن الله الذي أحبنا وأسلم نفسه للموت لأجلنا. فالبعض منهم ينكرون ولادته من العذراء، وينكرون معجزاته الجليلة، كما ينكرون قيامته من بين الأموات.

وآخرون زعموا أن الرسول بولس هو الذي ابتدع فكرة ألوهية المسيح، وقد أظهرنا بطلان هذه التهمة في مقال سابق تحت عنوان "من قال هذا؟" (صوت الكرازة - نوفمبر 2004).

ولكن الحقيقة هي أن العهد الجديد كله يعلمنا عن لاهوت المسيح وأنه ابن الله، وهي بنوة روحية وليست تناسلية. فإنجيل مرقس الذي يقدّم المسيح كالخادم يفتتح بهذه العبارة: "بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ". وفي سفر أعمال الرسل 36:10، يتكلم الرسول بطرس في بيت كرنيليوس القائد الروماني عن المسيح فيقول: "هذا هو رب الكل". هل يمكن أن يُقال هذا عن إبراهيم، أو موسى، أو داود، أو عن بولس، أو يوحنا، أو عن أحد رؤساء الملائكة مثل جبرائيل أو ميخائيل؟ ألا يكون هذا تجديفًا؟ سمعنا ما قاله مرقس وما قاله بطرس ودوّنه لوقا. وهو يتفق مع ما قاله بولس في 1كورنثوس 7:2-8 إذ أعلن أن يسوع المسيح هو "رب المجد". كما جاء عنه في رومية 5:9 أنه "الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ".

المسيح الخالق

إن الآيات التي تشهد عن لاهوت المسيح كثيرة جدًا، وسنكتفي بالإشارة إلى ثلاثة فصول في العهد الجديد تتكلم عن هذه الحقيقة وهي: يوحنا 1، وكولوسي 1، وعبرانيين 1، وسنقتبس بعض ما جاء فيها:

يوحنا 1:1-4 "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ". لاحظ أنه يؤكد لنا من الناحية الإيجابية أنه خالق الكل، ومن الناحية السلبية لم يُخلق شيء إلا به.

كولوسي 14:1-17 "الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا. الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ".

عبرانيين 10:1-12 "وَأَنْتَ يَا رَبُّ [الكلام موجّه للمسيح] فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى... وَلكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى".

من الواضح إذًا أن الكتاب المقدس يعلمنا عن المسيح أنه الخالق لكل شيء، وهذا دليل قاطع على أنه هو الله تعالى وتبارك اسمه الذي في البدء خلق السماوات والأرض (تكوين 1:1).

قال النبي إشعياء متحدّيًا غير المؤمنين: "ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟..." (إشعياء 26:40).

حقًّا هو "حاملٌ كل الأشياء بكلمة قدرته" (عبرانيين 3:1). قال الروح القدس بواسطة إرميا النبي لمن يعبدون آلهة كاذبة: "هكَذَا تَقُولُونَ لَهُمْ: الآلِهَةُ الَّتِي لَمْ تَصْنَعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ تَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ..." (إرميا 11:10).

المسيح صانع المعجزات

ولكن الله لا يطالب الإنسان بإيمان بدون أدلة قاطعة. فالناس لم يروا الله يخلق الكون، ولكن المسيح جاء إلى هذا العالم، وأعطى أدلة أكيدة على أنه "الله ظهر في الجسد". ولذلك دوّنت الأناجيل الأربعة معجزات كثيرة صنعها المسيح، مثل شفاء المرضى وتطهير البرص، وفتح أعين العميان، وإقامة الموتى، وغيرها من معجزات كثيرة. أما من جهة إقامة الموتى فلنا عليها بعض التعليقات:

أولاً: أقام فتاة ماتت وكانت لا زالت على سريرها، إذ قال لها: "يا صبية لكِ أقول: قومي"، فقامت ومشت (مرقس 39:5-43). وأقام شابًا كان الابن الوحيد لأمه الأرملة، وكانوا يحملونه في النعش ليدفنوه، فتقدّم يسوع ولمس النعش وقال: أيها الشاب لك أقول: "قم"، فجلس الميت وابتدأ يتكلم (لوقا 12:7-15). وأقام رجلاً اسمه لعازر بعد موته بأربعة أيام إذ قال له: "لعازر، هلمَّ خارجًا"، فخرج من القبر (يوحنا 41:11-44).
ثانيًا: هناك أمر عجيب جدًا، فالمسيح الذي أقام الموتى بسلطانه الشخصي منح هذه القدرة أيضًا لتلاميذه، إذ أرسلهم قائلاً: "اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا"
(متى 8:10). وهم فعلوا ذلك بقوته وسلطانه هو.

ثالثًا: وهنا نأتي إلى أعظم معجزة، أن المسيح الذي أقام الموتى، أقام أيضًا نفسه من الموت. دعونا نفكر جديًا في قيمة هذه الحقيقة: أن يقيم الميت نفسه من الموت هو أمر عجيب حقًا. لما قال له اليهود في يوحنا 18:2 "أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟" إشارة إلى تطهيره الهيكل من أن يصبح بيت تجارة، قال لهم المسيح: "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ... وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هذَا، فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكَلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ" (يوحنا 19:2-22).

إذًا الدليل الأول على لاهوت المسيح هو أنه الخالق، والدليل الثاني هو معجزاته، أما الدليل الثالث فهو الصفات التي يتفرّد بها اللاهوت.

المسيح وصفاته الفريدة

1- إنه موجود في كل مكان في نفس الوقت (omnipresent): قال المسيح لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ... وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (متى 19:28-20). فذهب التلاميذ كما أوصاهم. ذهب متى إلى الحبشة، ومرقس إلى مصر، وتوما إلى العراق وإيران والهند، وآخرون إلى أماكن أخرى. فكان المسيح "يعمل معهم ويثبِّت الكلام بالآيات التابعة" (مرقس 20:16). هل أمكن لأي إنسان مهما كان أن يقول - قبل مفارقة هذه الأرض - كلامًا مثل هذا؟ لا يمكن؟

كذلك قال المسيح في متى 20:18 "لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ". ولمدة حوالي 20 قرن لا زال المؤمنون يجتمعون باسمه - في كل أنحاء العالم - متمسكين بوعده أنه يكون في وسطهم. لا يمكن لقديس أو لملاك، مهما كان عظيمًا، أن يعطي وعدًا مثل هذا.

2- المسيح كلّي القدرة (omnipotent): وهذا رأيناه في حديثنا عن الخليقة، وعن معجزاته.

3- المسيح كلّي المعرفة (omniscient): أي يعرف كل شيء؛ يعرف أفكار كل إنسان في كل وقت وفي كل مكان. وهذا غير ممكن إلا للإله الحي الحقيقي وحده. هذا يذكّرنا بما قاله داود النبي في مزمور 1:139-4 "يَا رَبُّ، قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ. مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ، وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي، إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا" - في لساني تعني "قبل أن أنطق بها".

من يقرأ ما جاء في الأناجيل الأربعة يجد أن المسيح كان يعرف أفكار البشر، سواء كانوا تلاميذه كما جاء في متى 5:16-12، أو كالفريسي في لوقا 36:7-47.

وختامًا نقول إن المسيح لا زال يعمل معجزات الآن، فالخاطئ الأثيم مهما كان شريرًا، سواء كان لصًا، أم قاتلاً، أم زانيًا، أم مستعبدًا للخمور أو المخدرات، أو كان هذا كله في وقت واحد، متى آمن بالمسيح وسلّم نفسه له، يصبح إنسانًا جديدًا، ويتحرر من قيود الخطية ويحصل على سلام مع الله. وهذا لا يمكن إلا بواسطة الرب يسوع المسيح لأنه "ليس بأحد غيره الخلاص".

المجموعة: 201102