شباط February 2011

 مكتوب عن الرب يسوع أنه لا يتغير أبدًا. فكما كان في الماضي هكذا هو الآن وإلى الأبد. "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عبرانيين 8:13).

وقال عن نفسه: "أنا هو الراعي الصالح" (يوحنا 11:10).

وقال أيضًا: "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يوحنا 58:8).

وطبقًا لهذه الآيات المباركة، نتوقع أن يكون الرب قد قام بعمل الراعي هذا قبل مجيئه إلى الأرض، فهل هذا صحيح؟

في الواقع إن الرب يسوع المسيح قام بعمل الراعي منذ القديم، فنراه يرعى شعبه القديم أثناء عبورهم برية سيناء: "وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًا. لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح" (1كورنثوس 4:10).

ووجد إبراهيم أيضًا رعاية فائقة من الرب يسوع، ومن الغريب أننا نستطيع أن نلمس هذه العناية وترتيبها من التأمل في حياة إبراهيم، لكنني سأكتفي بالتأمل في أشياء بعيدة عن ذهن القارئ، أشياء قد تمرّ علينا دون أن نلاحظها؛ ولكن عند التأمل فيها نجدها تحمل مغزى رائعًا، وسأكتفي هنا بالتأمل فقط في أسماء المدن التي عاش فيها إبراهيم أو مرّ بها طوال فترة حياته، وسنرى كيف رتّب الإله العظيم أسماء تلك البلاد في تسلسل عجيب ليعلن لنا من خلالها عن صورة رائعة للعناية بكل إنسان يُقبل إليه ويؤمن به؛ ولِما لا، وهو الذي خلق هذا الكون العجيب بكل ما فيه من روعة ودقة ونظام. فلنبدأ الخوض في تلك القصة الرائعة وأسماء تلك المدن لنلمس بأنفسنا قدرة هذا الراعي العجيب !

1- أور

أور هو اسم المدينة التي وُلد فيها إبراهيم (أبرام)وعاش، وتقع في أرض العراق الآن. ومعنى كلمة أور، وهي كلمة عبرية، "ضوء". وفي هذا الاسم نجد إشارة إلى أن بداية ظهور الرب يسوع في حياة أي إنسان، فتكون بداية تعامله معه بمثابة ضوء يظهر في حياته لكي يرشده إلى النور والحق. وهناك نبوة عن هذا النور القادم إلى العالم وردت في سفر إشعياء وتحققت بمجيء الرب يسوع، وهي تقول: "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور" (إشعياء 2:9).
ونجد البشير متى يشير الى ذلك بقوله: "أرض زبولون وأرض نفتاليم، طريق البحر، عبر الأردن، جليل الامم. الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورًا عظيمًا. والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور" (متى 15:4–16).

2- حاران

حاران هي المدينة الأولى التي سافر إليها إبراهيم، وثاني مدينة عاش فيها بعد أور، تقع على مسافة 280 ميلاً إلى الشمال الشرقي من دمشق في سوريا. ومعنى كلمة حاران هو "الطريق". ويا لروعة ودقة الترتيب الإلهي لوضعية هذه المدن! فالرب يسوع بعد أن يضيء بوجهه للإنسان - ويكتشف هذا الإنسان مدى الظلمة التي يحيا فيها، مما يجعله يقرّ بذنبه، ويعترف بخطاياه أمام هذا النور العجيب، ويصبح في احتياج ليتعرف أكثر على هذه الطريق، طريق النور - يريه الرب الطريق. هنا يجيء دور حاران أي الطريق، ولا عجب في ذلك. فالرب قال عن نفسه أنه هو الطريق إذ قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا 6:14).

3- شكيم
شكيم هي أول مدينة في أرض كنعان يدخلها إبراهيم في رحلته من العراق، والثانية بعد حاران. وشكيم هي "نابلس"، وتبعد 31,5 ميلاً شمالي أورشليم. ومعنى كلمة شكيم هو "كتف أو منكب". وفي معناها نرى وصفًا دقيقًا لمشاعر هذا الراعي الصالح تجاه خروفه الضال الذي وجده. وهذا يذكّرنا بكلام الرب نفسه عن نفس هذه المشاعر، إذ قال: "أي إنسان منكم له مئة خروف، وأضاع واحدًا منها، ألا يترك التسعة والتسعين في البرية، ويذهب لأجل الضال حتى يجده؟ وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحًا" (لوقا 4:15–5). هذا ما تُذكّرنا به مدينة شكيم بمعناها الجميل.

4- بيت إيل

بيت إيل هي رابع مدينة عاش فيها إبراهيم، وثالث مدينة يحطّ بها أثناء ترحاله، وتقع في أرض كنعان. يُقال أنها تبعد 12 ميلاً عن أورشليم، وتُدعى حاليًا "يبتين"، وهي قرية صغيرة على ربوة شرقي الطريق إلى نابلس. وبيت إيل تعني بيت الله. وفي هذا إشارة إلى خطوة منطقية ومهمة في حياة كل مؤمن جاء الى المسيح. فبعد أن رأى المؤمن النور [أور] وترك الظلمة، وبعد أن عرف الطريق [حاران]ثم ذاق عناية الرب به وفرح لكونه في شكيم - بعد كل هذه الخطوات، يحتاج المؤمن أن يدخل إلى الأعماق مع الله؛ أن يتعرّف على إلهه بعمق، فيدخله الله إلى بيته "بيت إيل"، وهناك يرى ما في قلب الله من أشواق ومحبة تجاهه، هناك أيضًا يرى ويتعلم الكثير عن الله، ويدخل في اختبارات بل أحيانًا في ضيقات، وهذه سوف تثقله وتقوّي شركته مع إلهه.

5- حبرون

حبرون هي المدينة الخامسة في حياة إبراهيم، والمدينة الرابعة التي سافر إليها. وحاليًا هي مدينة الخليل التي تقع على بعد 19 ميلاً إلى الجنوب الغربي من أورشليم، وتُعتبر من أقدم مدن العالم التي لا تزال آهلة بالسكان.

وحبرون تعني "شركة أو اتحاد"، وفيها إشارة إلى الحالة التي يصل إليها المؤمن بعد أن يجتاز في كل الخطوات الإلهية للرعاية. فبعد أن يعبر المؤمن دائرة التعرف على الله، ويدخل الى بيت الله، نجده يصل إلى حد الشركة والاتحاد مع الله، وهذا ما يتضمنه معنى هذه المدينة الجميل "شركة واتحاد".

6- قادش
تقع قادش عند الحد الجنوبي لبني إسرائيل وهي على مسيرة أحد عشر يومًا من حوريب (جبل سيناء) ويرجّح أنها هي "عين قديس" الآن وتبعد خمسين ميلاً جنوب بئر سبع.

وقادش تعني في العبرية "مقدس"، وتشير إلى الحالة التي يجب أن يكون عليها المؤمن الآن، والدور الذي يجب أن يقوم به تجاه الله بأن يقدّس (يخصّص) ذاته لله.

7- شور

شور اسم عبري معناه "سور". وهو موضع في البرية جنوب فلسطين أو على الأخص جنوب بئر لحي رئي وشرق مصر. ومن خلال معنى كلمة شور نتعرّف على الواجب الثاني الذي على المؤمن أن يؤديه إلى جانب تقديس وتخصيص حياته لله؛ عليه أن يقيم سورًا يفصل بينه وبين العالم. لا يعني هذا أن ينعزل عن العالم، ولكن أن يعيش في العالم فيحب، ويغفر، ويسامح الآخرين، ويقدّم الخير للجميع، وهكذا يعيش في العالم، ولكن لا يترك تيارات العالم وأفكاره وشروره تدخل إليه. يجب أن يكون هناك سور يفصلنا عن هذه الشرور ويعزلنا عن مغرياته. يقول الكتاب: "لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم" (2كورنثوس 17:6).

ملحوظة 1: أرض جرار
تقع كل من قادش وشور في أرض كنعان وفي منطقة يقال لها أرض جرار. وكان إبراهيم يتنقّل بينهما. وكلمة جرار في العبرية تعني إقامة مؤقتة، وهكذا أيضًا يجب أن يكون مفهوم المؤمن عن الحياة: يجب عليه أن يعلم ويوقن كل الإيقان أن حياته هنا على الأرض مؤقتة وليست دائمة، حيث يقول عنها الكتاب:
"لأنه ما هي حياتكم؟ إنها بخار، يظهر قليلاً ثم يضمحلّ" (يعقوب 14:4).

وفي حديث الرب مع موسى عن كيفية أكل الفصح، قال له الرب:  "وهكذا تأكلونه: أحقاؤكم مشدودة، وأحذيتكم في أرجلكم، وعصيكم في أيديكم. وتأكلونه بعجلة. هو فصح للرب" (خروج 11:12). ومعناه أن يبقى المؤمن مستعدًا للرحيل دائمًا، متيقّنًا أن ليس له مسكن دائم هنا على الأرض بل مسكنه الدائم هو في السماء.

ملحوظة 2: مصر

يذكر الكتاب أن إبراهيم خلال ارتحاله نزل إلى مصر مرتين. ومصر في الكتاب المقدس تمثل دائمًا العالم الشرير المتغطرس، وتمثل الإنسان الذي لا ينظر أبدًا إلى السماء ليطلب المطر لنموّ زرعه، لأن زرعه لا يحتاج إلى مطر فهو يُروى من نهر النيل العظيم؛ إذًا هو لا يحتاج إلى الإله العظيم. وفي كل مرة ينزل فيها إبراهيم إلى مصر كان له هناك سقطة أو زلة. هذا ما يحدث للمؤمن الذي يحيد نظره عن الله؛ لا ينظر إلى أعلى بل يجعل عينيه على الأرض ومن فيها. وهكذا تنقطع حياة الشركة، وينفصل المؤمن مؤقتًا عن مصدر قوته وعونه في مواجهة الخطية والانتصار عليها والنتيجة أنه يقع فيها.

المجموعة: 201102