أذار March 2012

الدكتور القس لبيب ميخائيلهذان يقاوم أحدهما الآخر؟

من هما هذان؟

يجيب بولس الرسول عن سؤالنا فيقول: "وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ". (غلاطية 16:5-17)

هذان هما الروح القدس الساكن في المؤمن المولود ثانية، والطبيعة الساقطة التي ورثها كل إنسان من آدم.

الجسد المذكور في كلمات بولس الرسول، ليس هو اللحم والدم، لأنه مكتوب: "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟" (1كورنثوس 19:6).

الجسد إذًا هو اسم الطبيعة الساقطة، وقد سُمّيت كذلك "الإنسان العتيق الفاسد" (أفسس 21:4)، وتعني هذه التسمية أننا ورثنا هذا الإنسان من آدم منذ يوم سقوطه، فهو إنسان قديم (عتيق)، وسُمِّيت كذلك الإنسان الطبيعي، "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا" (1كورنثوس 14:2).

أصناف الإنسانية

تنقسم الإنسانية إلى عدة أصناف هي:

1- الإنسان الطبيعي

والإنسان الطبيعي هو الذي لم يولد ثانية ولا يسكن فيه الروح القدس... هذا الإنسان فيه الضمير الذي يشتكي ويحتج على تصرفاته الأثيمة (رومية 14:2-16). وبإمكان الإنسان أن يُسكِت صوت الضمير فيصبح ضميرًا نجسًا (تيطس 15:1)، ويخضع للأرواح المضلة، ويُختم بحديد محمّى ليَسكَت عن التوبيخ (1تيموثاوس 1:4-2).

2- المسيحي الجسدي

المسيحي الجسدي هو الذي وُلد ثانية، لكنه ترك لطبيعته الساقطة العنان أن تظهر في تصرفاته. وقد كتب الرسول بولس لهؤلاء المؤمنين الجسديين قائلاً: "وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ... فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟" (1كورنثوس 1:3، 3).

أمثال هؤلاء هم سبب الانقسامات في الكنائس، وتدهور الحياة الروحية في المسيحية عامة.

3- المسيحي الروحي

المسيحي الروحي هو المسيحي الممتلئ من الروح القدس، وهو يحكم في كل شيء ولا يُحكم فيه من أحد (1كورنثوس 15:2). وهو الذي يُصلِح من أُخِذ في زلة ما، "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا" (غلاطية 1:6). وقد أوصى الرسل بانتخاب الإخوة الممتلئين من الروح القدس للقيام بالخدمات المادية في الكنيسة، فعندما حدث تذمّر من اليونانيين على العبرانيين في كنيسة أورشليم دعا الرسل جمهور التلاميذ وقالوا: "فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ" (أعمال 3:6).

فالمسيحي الروحي هو الممتلئ من الروح القدس...

والمسيحي الروحي تبقى فيه الطبيعة الساقطة، وقد تظهِر أعمالها حين يمرّ في لحظة إهمال. فبطرس الرسول ظهرت فيه أعمال الطبيعة الساقطة، "فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ!" (مرقس 71:14). أنكر بطرس معرفته بالمسيح بضغط الطبيعة الساقطة.

وبولس الرسول بعد أن اختُطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا يُنطق بها أُعطيَ شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمه لئلا يرتفع. وقد قال عن هذا: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ" (2كورنثوس 4:12). فالإعلانات السماوية لا تعصم المؤمن عن الخطأ، أو السقوط في كبرياء الروح، ولا تنفي وجود الطبيعة الساقطة فيه. وقد احتاج بولس الرسول إلى لطمات ملاك الشيطان لتحفظه من الكبرياء.

والصراع بين الجسد والروح يستمر إلى أن تنتهي الحياة.

وهناك من يَغْلِبون في هذا الصراع، وهناك من يُهْزَمون. ونقرأ في سفر رؤيا يوحنا عن مكافآت الغالبين، في المواضع الآتية (رؤيا 7:2 و11 و17 و26؛ و5:3 و12 و21). أما المهزومون فمكانهم في الحالة الأبدية بين شعوب المخلصين (رؤيا 24:21)، فلا أكاليل على رؤوسهم.

طريق النصرة على الطبيعة الساقطة

علينا أن نعرف أن هناك وسائل لإماتة أعمال الطبيعة الساقطة، أما الطبيعة الساقطة فتبقى فينا حتى الموت.

 

الخطوة الأولى لإماتة أعمال الجسد هي إعطاء السيادة الكاملة للروح القدس على حياتنا

"لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ" (رومية 13:8).

الروح القدس يميت أعمال الجسد ولا يميت الجسد، وهنا لا بد أن يطلب المؤمن الملء بالروح القدس لينتصر على أعمال الجسد، والملء بالروح القدس يتكرّر. فبولس الرسول امتلأ بالروح القدس حين التقى بحنانيا (اعمال 17:9)، وعاد فامتلأ بالروح بالقدس حين واجه الساحر باريشوع (أعمال 9:13).

فالمؤمن الذي يريد النصرة على أعمال الجسد عليه أن يعطي السيادة الدائمة للروح القدس مضحيًا بكل ما يعيق هذا الملء في حياته.

قانون الجاذبية، قانون ثابت، ولكن الطائرة تطير لا بإلغاء هذا القانون، بل بوجود قوة داخلها تجعلها ترتفع وتطير رغم وجود هذا القانون (رومية 1:8-2). وقوة الروح القدس في المؤمن تعطيه نصرة ليرتفع على أعمال الطبيعة الساقطة.

 

الخطوة الثانية هي أن يحسب المؤمن نفسه ميتًا عن الخطية

"كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ ِللهِ". (رومية 11:6-13)

الطبيعة الساقطة يمكنها أن تستخدم أعضاء الجسد وعلى المؤمن أن يحسب نفسه ميتًا عن الخطية فلا يستخدم أعضاء جسده في الشر.

المسألة هنا مسألة حسبان، وهذا الحسبان خطوة للانتصار.

 

الخطوة الثالثة أن يصلب المؤمن الجسد معتبرًا أنه صُلب مع المسيح

"وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (غلاطية 24:5).

كيف يصلب المؤمن جسده مع أهوائه وشهواته؟

يعطينا بولس الرسول الجواب فيقول:

"مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي" (غلاطية 20:2).

  • الصليب يبادل حياة "الأنا" بحياة المسيح.
  • الصليب يفصل بين الهالكين والمخلصين.

"فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ". (1كورنثوس 18:1)

  • الصليب يصلب العالم لنا ويصلبنا للعالم.

"وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ"  (غلاطية 14:6).

  • صليب المسيح هو مفتاح النصرة في جميع الجبهات.

 

الخطوة الرابعة: حياة الصلاة بلا انقطاع

"صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ" (1تسالونيكي 17:5). ماذا تعني هذه الوصية؟

إنها تعني أن تكون خطوط الاتصال بين المؤمن وإلهه العظيم مفتوحة دائمًا، وهذا يعني أن لا يعطي المؤمن مكانًا للإثم في قلبه "إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ" (مزمور 18:66).

وأن يعطي الزوج المسيحي زوجته كرامة "كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ" (1بطرس 7:3).

يسجل الأصحاح السابع عشر من سفر الخروج الحرب بين عماليق وإسرائيل... وعماليق هو رمز للجسد، وهذا هو مشهد هذه المعركة "وَأَتَى عَمَالِيقُ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ. فَقَالَ مُوسَى لِيَشُوعَ: ’انْتَخِبْ لَنَا رِجَالاً وَاخْرُجْ حَارِبْ عَمَالِيقَ. وَغَدًا أَقِفُ أَنَا عَلَى رَأْسِ التَّلَّةِ وَعَصَا اللهِ فِي يَدِي‘. فَفَعَلَ يَشُوعُ كَمَا قَالَ لَهُ مُوسَى لِيُحَارِبَ عَمَالِيقَ. وَأَمَّا مُوسَى وَهَارُونُ وَحُورُ فَصَعِدُوا عَلَى رَأْسِ التَّلَّةِ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ مُوسَى يَدَهُ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَغْلِبُ، وَإِذَا خَفَضَ يَدَهُ أَنَّ عَمَالِيقَ يَغْلِبُ. فَلَمَّا صَارَتْ يَدَا مُوسَى ثَقِيلَتَيْنِ، أَخَذَا حَجَرًا وَوَضَعَاهُ تَحْتَهُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَدَعَمَ هَارُونُ وَحُورُ يَدَيْهِ، الْوَاحِدُ مِنْ هُنَا وَالآخَرُ مِنْ هُنَاكَ. فَكَانَتْ يَدَاهُ ثَابِتَتَيْنِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَهَزَمَ يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ". (خروج 8:17-13)

كانت هزيمة عماليق بالصلاة حتى النصر.

وحياة الصلاة بلا انقطاع هي وسيلة من وسائل النصرة على الطبيعة الساقطة.

واختم هذه الرسالة بالكلمات:

"وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. وَلكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ  الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ. لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضًا" (غلاطية 16:5-26).

أذكر أن هذه الرسالة لم تُكتب لمجرد أن تقرأها، بل لتمارس ما جاء فيها عمليًا فتختبر حياة النصرة على أعمال الجسد.

المجموعة: أذار March 2012