تشرين الثاني November 2012

Dr. Naji Abi HashemCaregiving  خدمة العناية

الاهتمام بالآخرين والاهتمام بنفوسنا

توازن ضروري في الحياة

© copyright 2012

تقديم العناية هو فنّ ومهارة في آن معًا.
إن كلمة "الاهتمام" أو "الاعتناء" care، لها جذور في لغات عديدة. في اللاتينية مثلاً garrie، وفي الإنكليزية القديمة caru، وطبعًا في اليونانية therapia ومنها أتت الكلمة العلاجية المعاصرة therapy.
العناية تعني تركيز الاهتمام على إنسان آخر قد يكون في حالة اضطراب ومعاناة. إنها تتضمن مراقبة الآخرين بوعي وإحساس، تقديم المساعدة والخدمة العلاجية، وتوفير الدعم والمواكبة والتشجيع. ومن الضروري التوضيح بأن العناية لا تعني الحصول على الشفاء، ولكنها خطوة مهمة في طريق الاستشفاء caring is not curing!


منذ العهود القديمة، كان الاعتناء بالنفوس والمشورة الحكيمة care for the soul تُمارَس من قِبل الشيوخ والكبار الذين كانوا يجلسون غالبًا في أبواب المدينة أو في ساحاتها العامة حاضرين للمساعدة وإظهار التعاطف empathy وتقديم الإرشاد counseling. كانوا يسمعون بتركيز، ويسألون بإمعان، ويتفهمون بتدقيق، ويوجّهون التحدي اللطيف، ويسهلون كسب الإدراك والبصيرة insight، ويشاركون من خبراتهم الغنية في الحياة.
وخدمة العناية هي أيضًا بالمرافقة الجسدية والمواكبة الفعلية: الاهتمام بالمريض، ومواساة المتألم، وتعزية الحزين، والمشاركة مع الضعيف والوحيد، ومساعدة المنكوب، إلخ... تمامًا كما فعل السامري الصالح في إنجيل لوقا الأصحاح العاشر. وكل أنواع العناية هذه موجودة وواضحة في الكتاب المقدس.

 

ما هي العوامل التي تؤثر على العناية؟


هناك عدة عوامل تؤثر على ممارسة العناية وطبيعتها وفعاليتها، أذكر منها:

  • نوع الحالة التي تتطلب المداخلة والاهتمام
  • الوقت المُتاح لأداء مهام العناية
  • Time Available
  • حِدّة الحالة وخطورتها
  • Intensity & Severity
  • الظروف والبيئة التي تتم فيها المساعدة
  • Environment & Circumstances
  • مهارة مُقدّمي العناية وخبرتهم
  • Skills of Caregivers
  • ديناميكية العلاقة بين شخصية المساعد وشخصية المحتاج الذي يمر في أزمات Relational Dynamics
  • أوجه الشبه والاختلاف بين الاثنين - في الحضارة والعادات والمعتقدات، إلخ... Cross-Cultural Differences.

 

من هم مقدّمو العناية؟


إنهم الأهل، والمربون، والقادة، والمدبرون، والخدام، والرعاة، والأطباء، والممرضات، والمرشدون، والمعالجون، والأخصائيون النفسانيون، وكل من يعمل في حقل المساعدة والمواكبة والشفاء.
إذًا، هدف تقديم العناية هو مساعدة المتعبين، والمرضى، والقلقين، والذين هم في أزمات ليشعروا بالانفراج والتعافي فيعودوا إلى وظائفهم للعمل من جديد بشكل مقبول ويتابعوا حياتهم ومهامهم بروح بناءة واندفاع جديد.
فعملية الاهتمام هذه، بدون شك، تتطلب تكريسًا وتركيزًا مهمَّين. وعندما تضمحل روح العناية تولّد عندنا عدم الاكتراث واللامبالاة Apathy & Carelessness.
التحدي الكبير الذي يواجه مقدّمي العناية هو كيفية التوفيق بين الحياة المهنية المعطاءة والحياة الاجتماعية من جهة Professional & Social Life ومتطلبات الحياة العائلية والفردية من جهة ثانية Personal and Familial Life.
والسؤال المهم هو كيف نستطيع أن نحقق التوازن بين وظائف حياتنا وجوانبها المتعددة؟ كيف نحافظ على سلامنا وانسجامنا الداخلي Inner Peace & Harmony؟
لكلٍ منا شخصيته، ومزاجه، وطريقة عمله، وتفكيره، ومواهبه، وطاقاته، ومدى احتماله، لكن لدى جميعنا وظائف وأبعادًا متشابهة: البعد الفكري، والعاطفي، والمسلكي، والروحي، والاجتماعي، والمهني، والوجودي، والحضاري.

Caregiving

جيد أن نأخذ وقتًا دوريًا وننظر إلى نفوسنا Self-Discovery لنكتشف، في أية نواحٍ يا ترى نحن ننمو وننضج ونتقدم؟ وفي أية نواحٍ نحن نضعف ونهزل ونتأخر؟
من الطبيعي أحيانًا أن نركز على بعض الوظائف وعلى مقدرات معينة دون سواها. فلكل مرحلة من حياتنا حاجاتها وتحدياتها، لكن الإهمال المستمر لبعض النواحي المهمة على حساب نواحٍ أخرى هو خطأ مزمن يؤدي إلى فقدان التوازن والفعالية Equilibrium & Efficacy. فبعض منا يصبحون أقوياء وعمالقة في نواحٍ وطاقات ومهارات؛ وضعفاء وأقزام في نواحٍ ومقدّرات أخرى.
يحثنا الكتاب المقدس أن نكون متكاملين ومتوازنين، ونحيا حياة صحيّة، وصحيحة، وسليمة، ومسالمة، وكذلك نحضر كل إنسان كاملاً في المسيح (كولوسي 28:1). يتطلب كل ذلك وعيًا awareness، وإدراكًا، ومهارة، وتدريبًا.
لنراقب نفوسنا عن كثب بينما نقدم العناية ونخدم الآخرين. علينا كذلك أن ننتبه لبعضنا البعض – خاصة لزملائنا في الخدمة الفعلية، ونلاحظ درجة التوتر والقلق Anxiety وتأثير ضغوطات الحياة المتراكمة Severe Stress . وعندما نشعر بالإرهاق والتعب أو بالإحباط والألم، آمل أن تكون لدينا الشجاعة لأن نطلب المساعدة والمشورة والعناية لنفوسنا من مرشدين ناضجين – كما كنا نقدمها للآخرين – بوداعة وانفتاح وتواضع، لأننا بحاجة لبعضنا البعض (غلاطية 2:6) بينما نبني جسد المسيح ونخدم في ملكوته المبارك. فهو الذي أعلن بوضوح وعطف ودراية: "أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يوحنا 10:10).

المجموعة: تشرين الثاني November 2012