أيار - حزيران May - June 2013

خادم الرب جوزف عبدوما أجلّه من إعلان صدر بداية من أفواه شهود العيان! وما أعظمه من صعود فريد بلا أية وسيلة، ولا حتى بمركبة نارية تسوقها الملائكة كما حدث مع إيليا النبي، ولكنه صعد في جسده الحي الممجّد القائم من بين الأموات وبقوة وسلطان لاهوته المبارك.
فبعد أن سلّم المسيح، له المجد، مأموريته العظمى لأيدٍ ائتمنها على أعظم مسؤولية في العالم – وهي البشارة بالخلاص لجميع المسكونة عن طريق الفداء – ارتفع صاعدًا إلى السماء.


لقد كان الصعود تاجًا للأحداث التي كانت جميعها – من البشارة بواسطة الملاك، إلى الحبَل بلا دنس، والولادة من عذراء عفيفة، ونقاوة السيرة، وسموّ التعليم، وكمال الحب للجميع، والمعجزات الباهرة، واحتمال الآلام، والموت عن الخطاة، والقيامة المجيدة – مظاهر الحياة التي تفرد بها كلمة الله المتجسد عن جميع المخلوقات بكل قدسية وجلال!
قلّما يتأمل معظم الناس في ذلك الحدث الجليل؛ وقد يكون مردّ ذلك لأن الإشارات المومأ بها إليه في كتب العهد الجديد قليلة نسبيًا ومتفرقة في كتابات التلاميذ والرسل، إلا أن الرسل الأولون كانوا ينظرون إليه كدعامة راسخة من دعائم الإيمان المسيحي. لذا فنحن نقرأ في قانون الإيمان، سواء قانون إيمان الرسل أو قانون الإيمان النيقوي، هذه الفقرة: "وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب"، ولنا في هذا الحدث المهيب عدة نقاط يجدر بنا البحث فيها:

 

أولا: المكان والزمان


فذلك معروف على وجه التحديد، حيث يبين الوحي المقدس أن السيد الرب أخذ تلاميذه وجمعًا من تابعيه إلى منطقة بيت عنيا التي كانت مبنية على جبل الزيتون الذي هو قبالة أورشليم من جهة الشرق. وكان ذلك بعد قيامة الرب من بين الأموات بأربعين يومًا، وقد حدد الباحثون في الكنيسة هذا التاريخ بالثامن عشر من شهر أيار بحسب تقويمنا الحالي.

ثانيا: الكيفية والمضمون


كان لا بد ليسوع الكامل في كل مزاياه من أن يودّع أحباءه قبل أن يغادرهم، لذا فقد اصطحبهم إلى ذلك المكان، وكما تقول الكلمة الإلهية: "رفع يديه وباركهم". كان الرب قد باركهم سابقًا ولكن تلك البركة الختامية كانت لها دلالة عظيمة حيث ارتبطت بذلك الحدث العظيم وما تضمنه من معان. "فتح أذهانهم ليفهموا الكتب". وبذلك كان لها أثر لا يُمحى ليس في أذهان هؤلاء فقط بل في أذهاننا نحن الذين نقرأ عن ذلك أيضًا.
لقد صعد الرب بقوته الذاتية في جسده الممجد الذي لا تحدّه العوامل الطبيعية، ولا يتأثر بالزمان أو المكان، فهو كالبكر من الأموات، أول من قام من الموت آخذًا الجسد السماوي الذي لا يموت بل يحيا إلى الأبد، والذي ننتظر نحن أيضًا كمؤمنين أن نحصل عليه بحسب وعده بأنه "سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فيلبي 21:3).
وقد كان صعوده ظاهرًا لعدد لا بأس به من أتباعه المقربين. "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم" (أعمال 9:1). فكل ذلك يشهد على أن الرب هو نفسه الذي حدّد الزمان والمكان، والسيناريو، والكيفية لهذا الصعود المهيب.

ثالثا: الدلالة والمفهوم


تقول الكلمة الإلهية: "وبينما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض وقالا: "أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء" (أعمال 10:1-12). ويدلنا هذا على أن الرب بدأ العمل في تنفيذ وعده الذي قال فيه: "أنا أمضي لأعد لكم مكانًا وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يوحنا 2:14-3). فكما كان صعوده يقينًا كما تم أمام أعينهم هكذا أيضًا مجيئه الذي وعد به يقين تمامًا وبنفس الكيفية التي صعد بها.
- إن أي ملك أرضي أو أمير أو صاحب نفوذ إذا دعا أحد رعاياه ليأتي إليه فإنه يبقى جالسًا في قصره وعلى كرسي ملكه حتى يؤتى إليه بزائريه لكي يقفوا بين يديه. أما ملكنا السماوي العظيم ذو الجلال والإكرام فسينزل في تواضعه وكمال حبه لاستقبال أحبائه واصطحابهم إلى مكان مجده، وهذا فوق إدراك بني البشر!

رابعا: النتائج والثمار


1- حصولهم على بركة خاصة وهي البركة الختامية كما مر في صدر هذا المقال، فهو الذي يملك كل بركة ويمنح من ملئه كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، "وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم" (لوقا 50:24).
2- حصل التلاميذ على الفرح العظيم. فلما غاب عنهم بالجسد حينما مات على الصليب، ودفن في قبر يوسف الرامي، رجع التلاميذ إلى العلية وقد ملأهم الحزن والكآبة. ولكن في غيابه النهائي عنهم بالجسد في صعوده إلى السماء، ملأهم الفرح والسرور الذي لا يوصف "فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم" (لوقا 52:24). فقد تيقنوا تمامًا بأنه هو الله الذي ظهر في الجسد وقد عاد الآن إلى سماء مجده حيث كان أولاً، وقد تيقنوا أيضًا من وعده الكريم: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 20:28).
3- كان ذلك الوعد بالرفقة الأبدية مصدر قوة جبارة لهؤلاء الذين كانوا خائفين متوجسين لا يستطيعون مواجهة العالم الذي حولهم، ولكنهم تشددوا وتشجعوا وأصبحوا قادرين على المجاهرة بإيمانهم بكل ثقة وشجاعة للوقوف في وجه كل قوة تحاربهم في ذلك الزمان، حتى اكتسحوا العالم المعروف في زمانهم وقلبوا ممالكه.
4- كان ذلك الحدث، أي صعود الرب إلى السماء، مقدمة لحلول الروح القدس. "لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يوحنا 7:16). وهذا دليل على لاهوت الابن المبارك أقنوم الكلمة المساوي للآب في الجوهر.
إن صعود الرب يسوع إلى السماء أمام تابعيه بقي حيًّا في نفوسهم يثبت لهم وللأجيال أن المسيح هو في السماء، وأن مأموريته حق، وواجبة الأداء، وأنه آتٍ حسب وعده لكي يأخذ المؤمنين إليه مما يستوجب منا السهر والانتظار بكل ترقب وصبر لكي يكون لنا نصيب أن نُخطف مع القديسين لكي نكون مع الرب كل حين. مبارك اسمه إلى الدهر والأبد، آمين.

المجموعة: أيار - حزيران May - June 2013