آب Agust 2013

الأخت أدما حبيبيقال أحدُ السكَّان  لقد غَزى البرصُ قريتَنا وانتشر بسرعة البرق. حتى إنَّ عشرة رجال منَّا وقعوا ضحيةَ المرض البغيضِ والنَّجيس، وصاروا يُعتبَرون نجسين بِحُكمِ شريعةِ الله ومنبوذين بحكمِ تقاليدِ البشر. ظَهرتِ البقعةُ الأولى في يدِ الشابِّ خليل، وهكذا انتقلتْ إلى إبراهيمَ ويعقوب ومنها إلى الآخرين حتى غدَوا عشَرة. وما كان من أهل القرية إلاَّ أنْ أجبَروهم على رؤيةِ أنفسِهم للكاهن الذي وحدَه يصرّحُ إن كانوا حقًا مرضى أم لا. وللأسف الشديد ثبُتَ على العشَرة بأنهم برصٌ دنسون بعد أن فُحصوا عن كثب. وهكذا صدرَ حكمُ العزل خارج المحلَّة إلى أن يطْهُروا.
"وهناك بعيدًا بعيدًا رُمينا" قال واحدٌ منهم. "بعيدًا رُمينا عن أهالينا ومحبِّينا، فَحُكمُ البرَصِ قاسٍ وما باليدِ من حيلة، فالبرَصُ عمَّ الجسد ولونُنا بات كالرمَدِ، ولا حلَّ في العودة إلى طهارة جسمِ الولد. يا لها من مصيبة كبرى قد حلَّت علينا وبتنا منعزلين لأن البرص ينتقلُ ويغزو آخرينا. ليس هذا فحسب بل قام المنادي ونادى أهل القرية وقال: ابتعدوا أيها الناس عن  البُرَصاء، وانتبهْ يا سعيد عندَ إلقاءِ الطعام، فالمرض يعشق الأصحاء، ويطيبُ له المقام في هؤلاء". أما خليل – أبرصٌ آخر – فراح يندب حظَّه ويقول: "أهكذا سأظلُّ أصرخ أبرص أبرص، ابتعدوا يا قوم؟ وهل سأبقى مقيمًا هنا في البريَّة، بعيدًا عن أهلي ومحبيَّ؟ أهذه هي نهايتي أن أصبح متسكِّعًا ومهانًا؟" فأجابه إبراهيم: "نعم، وأنا أيضًا لم أعد أحتمل. أكاد أن أفارق. فهل هذه بعدُ تسمّى حياة؟ كنت في أحسن حال! ماذا دهاني وكيف المرضُ أصابني؟ وماذا عن عروستي هند! هل ستتخلّى هي الأخرى عني؟ أكاد أجنُّ من حياتي هذه. آهٍ يا ربَّاه أين المناص ومتى يأتي الخلاص؟"
وهكذا كان لسانُ حال العشرة: "سَئِمنا الحياةَ هكذا منقطعينَ عن الناس مذلِّين مهانين، فالذنبُ ليس ذنبَنا، والحقُّ ليس علينا، إنَّه مرضُ البرص اللعين". ثم قام يعقوب ومزَّق ثيابه وجلس على حافة الطريق الوعرة هناك تحتَ ظلِّ شجرةٍ علّهُ يحتمي من حرِّ الشمس المحرقة. وراح يرثي لحاله هو الذي فقدَ كلَّ أملٍ ورجاءٍ بالعودة إلى المحلَّة والسُّكنى بينَ الأحبَّة. وراح يذرفُ دمعًا سخينًا وهو يفكر في حلٍّ لمشكلته العويصة. وبينما هو في هذه الحال تناهى إلى مسمعه صوتُ جمعٍ غفير محتشدٍ بعيدًا، يريدون دخولَ القرية.
وهنا راحتْ تجول في خاطره أفكارٌ وأفكار حاول أن يتذكَّر ما سمعه عن حوادث ماضية كانت قد مرَّت على الناس في قرى مجاورة، وهي حوادث عجيبة وفريدة من نوعها. وجاء إلى فكره اسم الشخص العجيب الذي سمع عنه الكثير، قالوا: "إنه يسوع! هو يشفي المرضى، ويقيم الموتى، ويبعث الحياة فيهم من جديد". عندها علم أن هذا الجمع المحتشد لا بدَّ أن يكونَ حول يسوع الذي أراد دخول القرية. هل من المعقول أن يدخل هذا البار قريتنا الصغيرة الغريبة وسط السامرة؟ لكن، على الرغم من هذا الفكر الذي راوده إلاَّ أنَّهُ سرعانَ ما قفز من مكانه وركض إلى خليل ولَكزه في كتفه لكي يتبعه. فقام خليل ودفع إبراهيم إلى أن تجمَّع العشَرة ووقفوا معًا على استعداد لسماع ما سيحدّثهم به يعقوب. قال لهم: "اسمعوا يا أترابيَ البرص، هوَّذا الشافي من الأمراض، والمقيم من الأموات، رجلٌ اسمه يسوع آتٍ إلى ديارنا ليزور قريتنا، وها أنا أسمع صوتَ الجمع من بعيد يحتشدون من حوله، فما رأيكم لو قصدناه وسألنا منه الشفاء؟" قالوا جميعًا: "نعم بالتأكيد"!  وبصوت عالٍ ومن بعيد صرخوا وشيئًا وحيدًا واحدًا طلبوا: "يا يسوع! يا معلم، ارحمنا." وكرّروا الصراخ راجين الشفاء من عناءِ الجراح، ونوال التطهير من يسوعَ المريح. أما يسوع ذو القلبِ النفوع، فقد سمع الصوت، وعرفَ أنَّ صراخ هؤلاء كان صادرًا من القلب والوجدان، فأشفقَ للحال، وتحرَّكت أحشاؤه بالرأفة والحنان، ونطق على الفور بالكلام آمرًا بسلطان قائلاً: "اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة". لم يأمرْ بالشفاء، ولم يلمس حتى الأجساد، بل طلب منهم الذَّهاب إلى الكهنة لكي يُقرُّوا هم بالتطهير بحسب الشريعةِ الموسوية (لاويين 14). مع أنَّ الأمر غريبٌ، لكنَّهم جميعًا أطاعوا في الحال، وركضوا  بلهفةِ الغريق إلى الهواء، مسرعين إلى المكان الوحيد الذي تصدرُ منه شهاداتُ التطهير. وبينما هم في الطريق شُفوا وطَهُروا. وحين التفتَ خليل إلى جسده ورأى جلدَه وقد عاد إلى سابق العهد نظيفًا، لم يتمالكْ نفسه من الفرح بل قَفلَ راجعًا إلى يسوع، وراح يمجِّد الله العظيم على هذا الفعلِ الكريم والعملِ الرحيم. ولمَّا وصل خليل إلى حيث المسيح، ركعَ هناك، وسجد، وخرَّ على وجهه عند رجليه شاكرًا مهلِّلاً فرِحًا وعابدًا. عندها استفسر يسوع عن باقي البرص وقال: "أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة؟ ألم يوجد مَن يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟" ثم قال له: "قم وامضِ. إيمانك خلصك".
نعم، فاه يسوع الذي يهمُّه أمرُ الإنسان، لأنه وحده ابنُ الله وابن الإنسان، فاه بشهادةٍ مميزة وفريدة قال فيها بأنَّ النجسَ بين القوم قد أضحى طاهرًا، وأنَّ المنبوذ غَدا مقبولاً، والبعيد باتَ قريبًا، والذي وثق به ولجأ إليه صار منقَذًا ومخلَّصًا. صدرَ العفو من قِبَلِ السيد ممَّا جعل خليل فرحًا حتى إنه راح يثبُ ويقفز على الأرض، فلقد عاد جسمُه كالولد الصغير وذهبت عنه البقع البيضاء إلى غير رجعة. نعم، ما أحلاكَ يا يسوع! وما أعظمَك! إنَّه حقٌّ كلُّ ما سمعته عنك، والآن قد رأيتك واختبرتك بالفعل، فلَك أقدّم شكري وحمدي على حسن صنيعك معي. وذهب من عنده عائدًا إلى بيته ليعيش حياته الجديدة طاهرًا مقدسًا (لوقا 11:17-19).
صديقي القارئ،  يخبرنا التفسير التطبيقي للكتاب المقدس "بأنَّ البرصَ كان من أفظع الأمراض في عصور الكتاب المقدس. لقد عرَفه الشعب القديم لأول مرةٍ في مصر، حيث كانت توجد أنواع كثيرة من الأمراض التي تندرج تحت اسم البرص في اللغة العبرية. وواحد منها فقط هو ما نطلق عليه الآن اسم برص. وأفظع أنواع البرص هو ما كان يدمِّر الجسم، ولم يكن له علاج في معظم الحالات. وكان المصابون بالبرص يُعزلون عن العائلة والأصدقاء ويُحجزون خارج المحلَّة. وحيث أنَّ الكهنة كانوا هم المسؤولين عن صحة وسلامة المحلَّة، كان من واجبهم طردُ المصابين بالبرَص. وإذا ظهر أنَّ أحدهم قد زال عنه البرص ، فكان الكاهن وحده هو الذي يستطيع أن يقرِّر ما إذا كان قد شُفي حقيقة."
وكما كان البرصُ – يا صديقي – في القديم مُعديًا ومدمِّرا في أحيانٍ كثيرة، هكذا أيضًا الخطية التي يرتكبها الإنسان، كلُّ إنسان على سطح هذه البسيطة. فالبرَصُ هو صورةٌ للخطية أي التعدّي، لأنَّ الخطية معديةٌ ومدمِّرة وقاتلة، وتؤدِّي إلى الانفصال. ولأنَّ الجميع أخطأوا هكذا يصرِّح الكتاب بالروح القدس ويقول: "إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 23:3). انفصَلوا جميعُهم عن الشركة والعلاقة الحميمة مع الله الخالق القدوس، وانعزلوا هناك بعيدًا كما البُرْص خارجًا، وانقطعتِ الصلة بيننا وبين الله صانعنا. ولكن، إنْ حدَثَ وأدركْنا حالتنا، تمامًا كما أدرك البرْصُ العشَرة حالتهم وحاجتهم إلى شفاء، نقدر عندها أن نأتي إلى الرب يسوع كما توجه البرصُ إليه وطلبوا منه الشفاء والتطهير. هكذا نحن أيضًا إذا استوعبنا بأننَّا بالحق أمواتٌ بالذنوب والخطايا وأسرعنا بطلب الغفران من الله لكي نخلص ونُنقَذ من الموت الأبدي الذي هو نتيجة الخطية المدمّرة لحياتنا، عندها نحصل على التطهير الكامل بواسطة الإيمان والثقة بعمل المسيح الكامل على الصليب من أجل فدائنا وخلاصنا ونجاتنا وشفائنا. ولن نعود بحاجة عندها إلى التوجه إلى الكاهن، أو رجل الدين، لكي يُثبتَ بأنَّنا حصلنا على الغفران. كلا، بل إنَّ الرب يسوع نفسه يمنحنا شهادة التطهير هذه عبرَ كلماته التي ذكرها للأبرص حين قال له:
"قم وامضِ، إيمانك خلصك."
فهل أدركت أهمية طلبك للشفاء من مرض الخطية الذي يخرب النفس والروح؟ البرَص يخرِّب الجسد، ويدمِّرُ الأعضاء الظاهرة، أمَّا الخطية فتعمل تخريبًا في كياننا جاعلةً منا عبيدًا مستعبدين لها. فهل لجأتَ إلى يسوع الذي ذاعَ صيتُه في كلِّ المسكونة ومنذُ أكثر من ألفي عام؟ هو وحده المحرِّر الذي قال:
"إنَّ كلَّ من يعمل الخطية هو عبد للخطية... فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا." (يوحنا 34:8ب و36) عندها فقط تخلُصُ من مذلَّة السُّقماء لترتفعَ إلى مجلس الشُّرفاء!

المجموعة: آب August 2013