تشرين الثاني November 2013

rasmi_Ibrahimجلس داود في خلوة مع نفسه وبدأ يراجع سجل الحروب العديدة التي خاضها، والانتصارات التي حققها، والتي تمت ليس بحكمته ولا بقوة جيشه عددًا وعتادًا، لكن بقوة الرب. وراجع أيضًا سجل المراحم الإلهية والعناية الدقيقة التي أغدقها الله عليه وعلى شعبه فغمرت السعادة قلبه وأنشد بكلمات التسبيحة الرائعة، وقد أنشدها قلبه قبل فمه وقلمه. أنشودة تحتاج كل عبارة فيها إلى وقفات طويلة.
وقفت وقفة طويلة أمام العدد التاسع عشر والذي يقول فيه داود: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ، يَوْمًا فَيَوْمًا يُحَمِّلُنَا إِلهُ خَلاَصِنَا" (مزمور 19:68)، تملّكني الفرح وغمرت السعادة قلبي، وامتلأت بالعزاء عندما وضع الروح القدس أمامي بعض الأمور الهامة وهي:
أولاً: المخلص الوحيد
ثانيًا: الحق الوطيد
ثالثًا الواجب الأكيد

أولاً: المخلص الوحيد

إله خلاصنا، الله هو المخلص الوحيد الذي قال بفمه الطاهر: "أنا الرب مخلص وليس غيري آخر"، تجسد لكي (يقدم) الخلاص، مات وقام ليحققه ويؤكده. في بشارة الملاك للرعاة قال: "لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ". ويقول الوحي المقدس: "وتدعو اسمه يسوع. لانه يخلص شعبه من خطاياهم"، ومع أنه توجد أسماء أخرى تعني مخلص مثل يشوع، ويهوشع، وهوشع، وإشعياء، إلا أن الخلاص من الخطية لا يقدمه إلا الرب يسوع. فهو الذي مات وقام ليحققه ويؤكده، وقد "أُسلم من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا". إن "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" للخلاص. فالرب هو رئيس الخلاص وهو سبب الخلاص.
"يكمّل رئيس خلاصهم بالآلام"، و"صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي".
مرة تأملت في أمر الخلاص وسألت نفسي: ماذا لو كان الرب يخلصنا من أنواع معينة من الخطية؟ أو كمية محددة منها؟ فلو فرضنا أن الرب يخلصنا من 99% من خطايانا ماذا نفعل بالخطايا التي لم يغطها الخلاص. تقول أن أجرة الخطية (وليست الخطايا) هي موت، لكن شكرًا للرب لأجل نعمته الغنية التي تخلص من كل خطية وتخلص كل خاطئ مهما كانت خطاياه... ويخلص إلى التمام.
والخلاص الذي يقدمه الرب إله خلاصنا سهل المنال ويتم في لحظة. عندما سأل السجان بولس وسيلا قائلاً: "يا سيدي، ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص"، كان متوقعًا أن يسمع مجموعة شروط وخطوات والتزامات كثيرة لا يمكن أن يخلص قبل أن يتممها، ولكن لشدة دهشته، سمع كلمات في منتهى البساطة: "آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك".
في لحظة إيمانك تخلص خلاصًا كاملاً وفوريًا.

ثانيًا: الحق الوطيد

"يحمّلنا"، والسؤال: ماذا يحمّلنا إله خلاصنا؟

1- يحمّلنا ببركات زمنية
قال داود النبي: "الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي... تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي". وقال في موضع آخر: "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ". لا يسعنا إزاء هذه البركات الزمنية إلا أن نقول مع يعقوب: "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك".

2- يحمّلنا بالبركات الروحية
يقول الرسول بولس: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ".
بركة مغفرة الخطايا "الذي يغفر جميع ذنوبك".
بركة الاختيار، بركة التبني، بركة السلام، بركة الراحة. جعلنا إخوة له. صرنا من ضمن أهل بيته. يقوينا في الضعف، يقيمنا عند السقوط، ينصرنا في حروبنا الروحية، يرشدنا ويهدينا عندما نتيه... عندما نصلي يسمع لنا... عندما ندخل في تجربة نجده يرافقنا فيها.

3- يحمّلنا بأخطر مسؤولية
حمّل الرب يونان رسالة ليذهب إلى نينوى ويقدمها لسكانها لأنه قد صعد شرهم أمام الرب. وحمل تلاميذه بهذه المسؤولية الخطيرة أن يكرزوا بالإنجيل في كل مكان وأرسلهم اثنين اثنين. عندما تحرر الرجل الذي كان فيه لجئون طلب أن يكون مع يسوع فلم يدعه يسوع بل قال له: اذهب إلى بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك. فمضى وابتدأ ينادي لمن كلفه يسوع بإخبارهم بعمل الرب معه، كما ذهب ونادى في العشر مدن كم صنع به يسوع. ربما يقول البعض  أن حمل هذه المسؤولية الخطيرة هي مسؤولية القسس وخدام الرب، لكن أقول إن السامرية بشرت قائلة: "هلموا انظروا انسانًا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟" وكذلك الأعمى الذي أبصر حمل مسؤولية إخبار الناس في رسالة قصيرة: كنت أعمى والآن أبصر.

4- يحمّلنا بالأسلحة الروحية
لأننا في حروب روحية بلا هدنة مع عدو كل بر وجنوده، وفي حروبنا هذه لا بد أن يكون لنا أسلحة بها نقاوم إبليس وجنوده لذلك حمّلنا الرب بالأسلحة. "احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير... درع البر... ترس الإيمان... خوذة الخلاص... سيف الروح الذي هو كلمة الله... أسلحة محاربتنا هذه ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون.

ثالثًا: الواجب الأكيد

1- نشكر: نشكر لأجل البركات المادية والبركات الروحية ولثقته فينا فحمّلنا بأخطر مسؤولية. نشكر لأجل تسليحنا بأعظم الأسلحة وأقواها.
2- نبشر أي نفرح: افرحوا في الرب وافرحوا بالرب... "افرحوا بالرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا"...  فرحًا أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص وكساني رداء البر".
3- نثمر: فلنحمل ونصنع أثمارًا تليق بالتوبة. "فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية". قال الرب قديمًا: ماذا يُصنع لكرمي وأنا لم أصنعه. لماذا إذا انتظرت أن يصنع عنبًا صنع عنبًا رديئًا؟
4- نصبر: لا نشكو ولا نتذمر ولا نقلق بل لنصبر، فمن يصبر إلى المنتهى فذاك يخلص... أما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين وغير ناقصين في شيء.

المجموعة: تشرين الثاني November 2013