كانون الأول December 2014

يلقب إشعياء النبي الرب يسوع المسيح بخمسة ألقاب، يصف كل لقب منها عملًا معيّنًا في شخصية المسيح.
يُدعى اسمه عجيبًا، لأنه أدهشنا بمعجزة التقوى "عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد".
ويُدعى اسمه مشيرًا لأنه يرشد إلى كل فضيلة وخير، ونصنع خيرًا حين نتبع مشورته في الطريق التي نسلكها.
ويُدعى اسمه إلهًا قديرًا، لأنه الله القدوس. الذي يعرف الابن فقد عرف الآب. «من رآني فقد رأى الآب».
ويُدعى اسمه أبًا أبديًا لأنه يسدد إعواز أولاده ويدرأ عنهم الخطر، ويرتب وينظم حياتهم، ويصنع لأولاده كل ما يصنعه الآباء الأرضيون وأكثر.


ويُدعى اسمه رئيس السلام لأنه يعطي السكينة والهدوء للذين يؤمنون به. إن يسوع هو رئيس السلام.
السلام وعد جميل تحلم به البشرية، وهو سمفونية موسيقية عذبة تطرب لها الآذان. إن عالمنا التعس لم يعرف السلام بعد، وإن كان قد عرفه بولادة المسيح فقد عرف القليل منه. وحين تنبأ إشعياء منذ ألفين وسبعمائة عام بوعد كانت أمته مهددة بالخراب والدمار، كانت أخبار الهزيمة والعبودية تتردّد في الأفق البعيد. نعم، في مدى جيل من الزمن ستُسبى الأمة بأسرها إلى بابل... وبالرغم من هذه الصورة المظلمة قدّم إشعياء رجاء عظيمًا للشعب: "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ" (إشعياء 2:9).
أين النور وسط أخبار السبي والعبودية؟
تجيب النبوة: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَم" (إشعياء 6:9). إن كلمة “سلام” في اللغة العبرية هي ِ[شالوم» وكانت معروفة لجميع الناس. إنها من الكلمات الشائعة التي تستعمل للتحية كل يوم... طالما كررها الناس عشرات المرات كل يوم، لكنهم حرموا منها لقرون طويلة.
لقد قدمت كلمة الله وعودًا كثيرة بالسلام مرات عديدة:
"وأجعل سلامًا في الأرض، فتنامون وليس من يزعجكم" (لاويين 6:26).
"الرب يعطي عزًّا لشعبه. الرب يبارك شعبه بالسلام" (مزمور 11:29).
ولما قدّم إشعياء مجيء المسيا، وصفه بالقول: "يُدعى رئيس السلام". ورغم هذه الوعود المباركة بالسلام، لم تكن البشرية قد عرفت السلام بعد. وأخيرًا، تحقق وعد السلام في عيد الميلاد الأول حين تجسد يسوع رئيس السلام. وها هي الظروف التي تم فيها هذا الوعد:
كانت ليلة شتاء خالدة في اليهودية القديمة، جلس الرعاة يحرسون أغنامهم بينما أشعلوا نارًا بين الصخور هربًا من البرد القارس. والحقيقة أن الرعاة كانوا أبعد ما يكونون عن وعد السلام. إنهم آخر الذين يمكن أن يفكروا في مجيء رئيس السلام في تلك الليلة. فقد كان رعاة الأغنام من الناحية الدينية الطقسية نجسين، لا يُسمح لهم بالدخول إلى المجمع أو الهيكل، وكانوا منبوذين من المجتمع لا يُسمح لهم بتأدية الشهادة في المحاكم، فليس من يصدق شهادة راعٍ. وهكذا احتقر الناس الرعاة فكانوا مكروهين، حتى أن التلمود يقول: “لا تساعد وثنيًا أو راعيًا للأغنام”. أما الله فلا يعرف ذلك التعصب البغيض. فإن كان العالم قد نبذ طبقة الرعاة، لكن الله لا ينسى أحدًا. ونحن كبشر نشعر في مرات كثيرة أننا نعيش في العالم كالرعاة مطرودين ومعزولين. ممنوعين ومحرومين من أشياء كثيرة. بلا أصدقاء ومفقودين... ويصل بنا اليأس حتى أننا نتمنى ألا يكون للحياة غد. ولكن الرسول بطرس يقول: "لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (1بطرس 5:5). وهكذا يعلن الله ذاته للمحتقرين والمهانين... وهذا ما حدث للرعاة في بيت لحم.
وفجأة تحوّلت ظلمة الليل إلى نهار! "وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ... فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ... أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ...] وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ]" (لوقا 10:2-11 و13-14). وعلى طول الطريق إلى مذود بيت لحم كان الرعاة يرددون ترنيمة الملائكة: "المجد لله... وعلى الأرض السلام"... السلام لا الحرب فيما بعد... لا قتلًا ولا سيفًا، لا كراهيةً ولا حقدًا، وسيعمّ السلام عالمنا وسيملك السلام على الأرض! لقد وُلد السلام! ولما وصل الرعاة إلى المذود أكبروا الناس لما رأوا فتعجب الناس من رواية الرعاة.
مرت الشهور والناس منهمكين بوعد السلام. ولكن، في يوم من الأيام، جاءت كتيبة مدججة بالسلاح إلى بيت لحم تحمل أوامر غريبة من هيرودس الملك لقتل "جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها، من ابن سنتين فما دون" (متى 16:2). في ذلك اليوم الدموي المشؤوم تحققت نبوءة إرميا "صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ" (متى 18:2). وهكذا خرج الصراخ من آلاف القلوب المظلومة الحزينة في مولد المسيح رئيس السلام... فهل كذبت الملائكة؟ وأين السلام على الأرض؟
والآن، وقد مرّ أكثر من ألفَي عام، هل تغيّر صراخ الأرض؟ هل جاء المسيح ليقدّم السلام للعالم حقًا؟ أين السلام؟ هل كذب الله؟!
إن يسوع هو رئيس السلام كما تسمّى في النبوءة. والسلام الذي جاء يسوع لكي يعطيه هو سلام يفوق الفهم. إنه ليس سلامًا سياسيًا، وليس هدنة بين أمم العالم، وليس انعدام الحرب بين الدول... إن سلام المسيح أكبر وأعظم من معاهدات الصداقة وعدم الاعتداء، فما هو السلام الذي جاء يسوع لكي يقدمه للناس؟ إنه جاء لكي يقدم سلامًا مع الله. "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية 1:5). إن الخطية التي تفصلنا عن الله هي حائط السياج المتوسط، وهي العامل الوحيد الأوحد لهدم السلام، وقد عبّر إشعياء عن هذه الحقيقة: "لا سلام قال الرب للأشرار" (إشعياء 22:48).
إن الخطية هي المعطل الوحيد الأعظم للسلام. هي القلق الدائم للقلب، مصدر كل اضطراب، وكراهية، وحقد، وحسد، وغيرة، وحرب، وقتل. نعم، جاء الرب يسوع لكي يعيد السلام المفقود للقلوب المضطربة. جاء لكي يفدي ويخلص ما قد هلك، وفي إعلان ولادته، قالت الملائكة: "يُدعى اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم". فهل تمتعت بالسلام مع الله بغفران الخطية؟
إن الرب يسوع لا يعطينا السلام مع الله فحسب، بل يعطينا سلام الله. "وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (فيلبي 7:4). حين كتب الرسول بولس هذه الكلمات، كان سجينًا في روما، في زنزانة ضيقة مظلمة مقيّدًا بسلاسل، لكنه تكلم عن السلام، سلام الله الذي يحفظه في كل شيء. ماذا كان يعنيه الرسول بولس؟ كان يتكلم عن الهدوء الداخلي، وعن سكينة النفس والسلام القلبي، إنه سلام وُلد من الإيمان والثقة في الله.
لقد تمتّع يسوع بهذا السلام، فحين هبت العاصفة في منتصف الليل، كان الجميع في خوف وهلع بينما كان هو في حالة من الاستقرار النفسي. تمتع يسوع باتزان العقل حتى جعل أعداءه يفشلون حين حاولوا أن يصطادوه بكلمة، وكانت المحبة هي الباعث الذي جعله يقول على الصليب: “يا أبتاه، اغفر لهم”. هذا هو سلام الله في الإنسان.
إن سلام الله لا يأتي من البشر. ابحث كيفما شئت، فلن تجد هذا السلام في متع العالم ومغرياته، ولن تجده في المقتنيات والممتلكات. قال الرب يسوع: “سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا”. إن سلام الله هو عطية من السماء يجب أن نقبلها في اتضاع وشكر. "ذو الرأي الممكّن تحفظه سالمًا سالمًا لأنه عليك متوكِّل" (إشعياء 3:26). في هذه الكلمات سر امتلاك السلام. فحين نتكل على الرب، نضع كل ثقتنا فيه. إن الذي يسلم حياته لله في شخص المسيح يتمتع بهذا السلام الذي هو هبة إلهية للمؤمنين يحصل عليه بالتوبة والإيمان.
إن شخص الرب يسوع هو هبة السلام للعالم. كتب الرسول بولس: “لأنه هو سلامنا” (أفسس 14:2). هذا هو المعنى الحقيقي لأنشودة الملائكة، فالسلام على الأرض هو العيد الحقيقي، هو وجود المسيح في حياة البشر. "يدعى اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا".

المجموعة: كانون الأول December 2014