كانون الأول December 2014

Milad Philipos80x113"من صدق خبرنا؟"، فمولود بيت لحم الذي حرك عالمه، وأثّر على قادته وحكامه، مازال يهز عروشًا، ويفتن قارات، ويبدع في خلقه. أنا لا أصدق الخرافات العجائزية ولا أعتمد على الشائعات المتواترة. إن سي. إس. لويس الفيلسوف الإنساني العظيم كان ملحدًا متأثرًا بمعلمه إلى أن قابل مستر تولكن. كان أسيرًا للمخاوف والشهوات والكراهية، وكلمه J. R. R. Tolkien صديقه عن أعظم أسطورة أي القصة التي تفوق الخيال وهي أن "الله ظهر في الجسد" فآمن بالمسيح وكتب كتابه "الفرح الحقيقي" ليحكي قصة تجديده. وأمام ميلاد المسيح تتحدانا ثلاثة أسئلة:


أولا: كيف نفسرها؟


هل أنت ممن يؤمنون بالأمور التي يدركها عقلك فقط؟ إن كان كذلك فإن ميلاد المسيح يعد من الأمور الخيالية بالنسبة لك. إن العالم لا يستطيع تفسير فعل الكهرباء في الماء ليصبح جليدًا في جهاز ما، وأن ترتفع حرارته في جهاز آخر. إن كان هكذا الميلاد فما بالك بالقيامة. إن أبسط مثل هو الدودة التي تصبح فراشة من نوع ما لتتحول إلى عذراء في شرنقة وتخرج لتصبح فراشة، وتختلف الدودة التي تزحف عن الفراشة التي تطير، تمامًا في أجزاء جسمها ولونها وعدد الأرجل. إنها خليقة جديدة. يا له من تغير عجيب!
إن حفنة من الرمال في باطن الأرض عند حرارة معينة قد تتحول إلى جوهرة. هذا يقودنا كما يرى العلماء إلى أن فقس بيض الطيور يختلف بعضه عن بعض: فمنها ما يفقس في 14 يومًا، ومنها في 21 يومًا، ومنها في 28 يومًا، ومنها في 42 يومًا. وما رأيك في مملكة النبات كالبطيخ والبرتقال أو السنابل يكون تعداد الحبوب في شريحة فيها 30 أو 60 أو 100، كما جاء في الكتاب المقدس في متى 8:13؟ انظر إلى الأزهار التي تتفتح في أوقات معينة من النهار، وتنمو في بيئة واحدة، لكن تختلف ألوانها. إن الأوكسجين والهيدروجين لا رائحة لهما أو مذاق أو لون، لكن لو مزج الكربون الأسود الذي لا مذاق له نحصل على سكر حلو. ألا تدهشك ألوان الفواكه المختلفة المتجاورة؟ يا صديقي، إن حبة الحنطة "القمح" لابد أن تموت في باطن الأرض ثم تحيا في صورة نبات رفيع صغير "السماوات تحدّث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه" (مزمور 1:19). إن علم الدفاعيات المسيحي يقدم حقائق وبراهين بعد فحص علمي وتاريخي دقيق في ضوء كلمة الله وإعلانه في شخص المسيح "كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 12:1).


ثانيا: كيف نؤرخها؟

إن الأسطورة ما هي إلا حكايات خارقة للعادة حدثت خلال التاريخ وأخضعها البشر لمنطق العقل وتأثير العاطفة وإدراك الحس، وينطبق ذلك على العلوم ومسلماتها والتصورات الدينية ومتعلقاتها وتفسير الظواهر ومدلولاتها.
إننا هنا نتحدث عن أسطورة تاريخية عجيبة بدأت منذ الأزل. هذه كانت البداية "إني أخبر من جهة قضاء الرب. قال لي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك"، وفي الفكر الإلهي "الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القديم، منذ الأزل مُسحتُ، منذ البدء، منذ أوائل الأرض". وصار الإعلان أكثر وضوحًا "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. كل شيء به كان". ختم الإعلان بشهادة ليس فيها التباس "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (مزمور 7:2، أمثال 22:8-23، يوحنا 3:1؛ و58:8).                                                                     
إن التجسد أسطورة والقيامة حقيقة "حقًا قام"، التجسد معجزة والقيامة شهادة، والتجسد إخلاء وتنازل أما القيامة مجد ورجاء. لندرس البشائر الأربع (أي الأناجيل) التي تذكر سيرة المسيح من وجهات نظر متباينة لنضع أرجلنا على أعتاب فلسفة التاريخ المسيحي. لماذا أربع بشائر؟ إن بشارة متى كُتبت أساسًا لليهود حتى يقتنعوا بالحق وبالمسيح وأن إرساليته كانت "بناء الكنيسة". لقد اهتم بتحقيق النبوات "لكي يتم ما قيل بالنبي"، لإثبات أن المسيح الناصري هو المسيا لليهود ولكل العالم. وبالاختصار، أجاب متى عن السؤال: ماذا قال المسيح؟                                          
أما بشارة مرقس فتركز على تفاصيل ولمسات في شخصية السيد المسيح التي لا نجدها في البشارتين الأخريين. استهل بشارته بتعريف مختصر لا يذكر فيه شيئًا عن ميلاد المسيح، ولا عن نسبه الجسدي، وإنما يبدأ باختبار وإعلان إلهي. لقد حصر الوحي مرقس في "ماذا فعل المسيح؟".    
ويقدم لوقا الطبيب سجلًا دقيقًا عن أخبار المسيح ويثبت لقرائه من الرومان والأمم صحة وحق التعليم، فمحبة الله تشمل الجميع. من ثم يؤكد أنه لا توجد فواصل أو حواجز في المسيح. إن إنجيله إيضاح عن "بماذا شعر المسيح؟".    
أما يوحنا فإنه يرجع إلى البدء، ويركز على العظات الطويلة والمحاورات التي تناولت أفكارًا عميقة عن الإيمان المسيحي أكثر من السلوك المسيحي. إنه يذكر السبع عبارات التي قالها المسيح عن نفسه "أنا هو" ليخبرنا عن "هويته الإلهية"، مع أنه لم يذكر شيئًا عن قصة ميلاد المسيح لأنه أبان أن العالم خُلق بالمسيح، وأن "الكلمة صار جسدًا"، وكل من يؤمن بالمسيح يخلص. إن الفعل اليوناني "يؤمن" في يوحنا 16:3 و31:20 يفيد الاستمرار في الإيمان بالمسيح، وباسمه في مواجهة الغنوسية التي تعلم بالوصول إلى الله بالمعرفة السرية، وأن الله لم يخلق العالم، وأن المادة شر، وأن الخير والشر متساويان، وأن المسيح لم يكن إلهًا؛ وهذه كانت  من هذه البدع المنتشرة في كل العصور. هنا يبرهن يوحنا أن المسيح هو الله وإنسان في نفس الوقت، والخالق، والفادي، وأن "الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا". إن بشارته أجابت عن تساؤلاتنا: من هو المسيح؟

ثالثا: كيف نرفضها؟

قام وليم هيوم الملحد بكتابة بشارة مزوّرة بغرض أن يقلل من قيمة البشائر في الإنجيل، فاضطر إلى قراءة البشائر الأربعة. في هذه الأثناء أشرق نور الحق في قلبه وتغيرت حياته فكتب شعرًا:
"إن قلبي المتكبر، قد خشع بداخلي، وإرادتي القوية التي عرفت بها أن أحتقر كلمتك وأساعد أعداءك قد أخضعتها أنت يا الله. هكذا قال قلبي معترفًا بعظمة كلمتك. أسبحك أيها المسيح، ربي وإلهي وأرفع اسمك علامة فوقي".
إن استخدام السمكة من أشهر الرموز المسيحية القديمة حتى اليوم، وتتكوّن من الحروف اليونانية التي تعني يسوع المسيح ابن الله الذي طال انتظار اليهود له. إنه ابن الله وليس إنسانًا عاديًا، إنه الله المتجسد، المخلص الذي يخلصنا من خطايانا ومن موت الخطية. وفي اليونانية:
ichthus "Iesons Christos Theou Huios Soter Talpioth
لقد اكتُشف خارج مدينة أورشليم خمسة توابيت يرجع تاريخها إلى 50م في مقاطعة على اثنين منها يظهر اسم المسيح، ويقرأ على واحد منهما باليونانية ما معناه "المسيح ابن"، وعلى التابوت الثاني بالآرامية ما معناه (يا يسوع أقم). إنه إعلان أن المسيح قام Iesu Iou، بل وأنه سيقيم الأموات. إذًا كيف نرفض خلاصه وقيامته؟  Yeshu Alothسخر أحد الأساتذة اللاأدريين من إيمان فتاة صغيرة بالمسيح، فقال لها: هناك أكثر من شخص ادّعى أنه المسيح، فكيف تتأكدين من منهم الصادق؟ أجابت على الفور بأن المسيح الحقيقي هو الذي قام من الأموات.                                                                                      
قد يدّعي أحدهم بأنه يعرف الطريق "كونفوشيوس"، وقد يدّعي آخر أنه يعرف الطريق "كريشنا" ويرى ثالث أنه يبحث عن الطريق "بوذا" وتدّعي حركة العلم الجديد أننا نحن على الطريق، لكن المسيح يقول "أنا هو الطريق والحق والحياة". كان دور طفل في مسرحية الميلاد أن يقول: أنا أحمل بشرى سارة، فسأل أمه عن معنى كلمة بشرى. أجابته بأنها "أخبار سارة". على المسرح ارتبك الولد فصرخ: "لكم عندي أخبار سارة". هذا ما أعلنته السماء للرعاة، فهل ترفض أخبار المجد والسلام والمسرة؟
قال كليف إس. لويس: "إن كنت تفكر في أن تصير مسيحيًا فتأكد أنها ستكلفك كل ما فيك". نحن بحاجة إلى التراث القديم وكتب التاريخ في القضايا الهامة وفي ساحة القضاء حتى الرسول بولس الفيلسوف نفسه كان بحاجة للكتب (2تيموثاوس 13:4). إن المسيح الإنسان صنع التاريخ، وهو نفسه مركز التاريخ. سألت معلمة مدارس الأحد تلاميذ فصلها عن ماذا يفعلون لو رأوا المسيح أمامهم، فرد أحدهم قائلًا: سأمسك بالكتاب المقدس وأعطيه للمسيح وأقول له: يا يسوع، هذه هي حياتك! "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي" (يوحنا 39:5). هناك أكثر من 250 اسمًا ولقبًا أعطي للمسيح في الكتاب المقدس لأنه لا يوجد لقب واحد يكفي لوصف أبعاد شخصيته ويعلن شخصه، فالإنسان لا يحتاج إلا إلى المسيح.
 ختامًا صارح نفسك، هل يعرفك المسيح؟ إنه يعرفك لأنه الله، لكن المعرفة لا تكفي من غير العلاقة معه. إذًا هل تأخذه تاجًا لحياتك ومريحًا لقلبك ومركزًا لتفكيرك؟

المجموعة: كانون الأول December 2014