كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2014

الأخ فارس أبو فرحةما ستقرأه في هذا المقال قد يغيّر راعي كنيستك.
أولًا، أودّ أن تضع في اعتبارك أن هناك مشكلات في كنائس كثيرة، وهذه واحدة منها فقط. والمفارقة هنا هي أنه لا يوجد راعٍ لراعي كنيستك.


ثانيًا، أنا أدرك أن الرب راعيّ، وأن يسوع المسيح هو الراعي الصالح، وأنه هو راعي نفوسنا وأسقفها، وأنه توجد آيات معزية كثيرة تذكّرني بوجود راعٍ عظيم في حياتي. لكن الكلام هنا يأتي في سياق الرعاية البشرية والإنسانية التي يقدمها راعي الكنيسة لشعب الرب ولا تُقدَّم له شخصيًا أيضًا في إشغاله هذا المنصب. فنراه يهتم بشؤون الكنيسة، ولكن من منّا يهتم به؟ فهل له من يرعاه؟ هل تفي مجموعة الشمامسة بالغرض؟ أم هل يستطيع فريق العمل والمتطوّعين القيام بهذا الواجب؟ فهل للراعي راعٍ؟
من المؤسف جدًا أن الإجابة هي بالسّلب بالنسبة لكثير من الكنائس العربية. لا شك أنّ للراعي مكانة سامية ورفيعة، غير أنه يحتاج إلى التشجيع. نجد الراعي في معظم الأحيان في كامل القوة والحركة رغم وصوله إلى حالة من الإرهاق النفسي والروحي والجسدي غير المرئي، بسبب المسؤولية العظيمة الملقاة عليه. وقلّما نراه حزينًا أو مريضًا. لكن من يعلم بما يمرّ به هذا الخادم الذي قطع عهدًا مع الله بأن يخدمه كل أيام حياته. فالناس تمجّده وتقدّره لمواعظه وخدماته وعطائه، ولكن من يعلم بإنسانيته الضعيفة والمجرّبة.
أن ترعى راعيك شرفٌ وواجب روحي قبل أن يكون إنسانيًا أو أخلاقيًا. فقد أوصى كاتب الرسالة إلى العبرانيين بإيلاء هذا الجانب الروحي أهمية، قائلًا: "اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ" (عبرانيين 13: 7). فهيا معي في جولة سريعة نتعلم من خلالها كيف نرعى راعينا:

صلِّ من أجل راعيك


مهما بدا هذا الأمر بَديهيًا ومفروغًا منه، عليك القيام به. نحن نتوقع من الراعي أن يصلي من أجلنا ولا ندرك أنه محتاجٌ إلى صلواتنا أيضًا. ولهذا السبب أنبّر على هذا الأمر وأحثك عليه: صلّ من أجل راعيك. صلّ لكي ينمو في محبة الله، ويرفع اسم يسوع المسيح، ويسلك بالروح دومًا. صلّ لكي يعطيه الرب حكمة في جميع قراراته وإدارته للكنيسة. صلّ له وهو يقدّم كلمة الحياة لكي يتكلم الله من خلاله للقلوب. صلّ من أجل أمانته وتكريسه. صلّ أيضًا من أجل صحّته وعائلته واحتياجاته المختلفة. صلّ بلا انقطاع وبلا ملل.

اجعله صديقك


يغيب عن ذهننا في الكثير من المرات أن راعي الكنيسة قد يكون أخاك الذي لم تلده أمك! وربما نسينا أنه من الممكن أن نصادقه ونعُدّه رفيقًا لنا. وفي بعض الأحيان قد يحتاج الراعي إلى بعض الأصدقاء الأوفياء الذين يقفون معه ويكونون مصدر بركة وتعزية له ولأسرته. ومُختصر القول هو: كن صديقًا.

شجعه


لا تستغرب إن رأيت راعي كنيستك في فشل وإحباط ويأس. لقد وصل بولس الرسول إلى مرحلة قال فيها أنه يئِس من الحياة (2كورنثوس 8:1). فراعيك يحتاج إلى من يسنده ويشجّعه، كونه إنسانًا ضعيفًا مجرّبًا. لا تكن معزّيًا متعِبًا كأصحاب أيوب. لا تحدّثه عن جمال عظته وأنت لم تسمع شيئًا منها. بل على العكس تمامًا، افعل له أشياء من هذا القبيل:
أشكره على خدمته، لا في وقت مغادرتك قاعة الكنيسة فقط.
عبّر عن تقديرك له ولعائلته بتقديم هدية له في المناسبات أو بدعوته إلى العشاء في مطعم ما.
شاركه كيف استخدمه الله في حياتك من خلال خدمته ومحبته لك.

ضع تحديا أمامه

إن راعي كنيستك هو إنسان مثلك... قد يخطئ. وربما لا يملك الطاقة في بعض الأحيان على تقديم الأفضل. قد يصادفه يوم تعس أو تحدٍ صعب. ونحن بطبيعتنا كمخدومين لا نرحم راعينا. لماذا ننقلب عليه ونحن نرتكب الأخطاء نفسها. لا يتمثل وضع تحدٍّ أمام راعي كنيستك في أن تخبره أن عظاته مملّة وكيف أنه ليس لها أي تطبيق عملي، أو تقول له أنه يتقاضى مرتبًا كبيرًا أو إنه يرتدي أزياءً معاصرة أو قديمة. ولا يعني وضع تحدٍّ أمام راعي كنيستك أن تخبره أنه مغرور ومتعجرف، أو أن تخبره عن كل الأمور التي لا تتناسب مع مفهومك في الخدمة وإدارة الكنيسة. بل على النقيض تمامًا، ينبغي أن ينبع وضع تحد صحيح أمام راعيك من محبتك له وأن يرمي إلى أن يوصله إلى علاقة أعمق مع الله. كلنا في الموازين إلى فوق وفي حاجة ماسة إلى نعمة الله، وعلينا جميعًا أن نظهر رحمة ونعمة دائمًا في جميع معاملاتنا وخصوصًا مع راعي كنيستنا. ففي نهاية المطاف، ورغم تعاظم الألقاب والمهام، نحن بشر يعوزنا المحبة والغفران والتسامح.

عامله كإنسان مثلك

إن أحد واجباتنا تجاه الراعي هو إدراكنا أن البشر بشر، وهم خطاءون. ومن البديهي أن يكون المقياس الذي يطبق على الراعي، أعلى بكثير مع نسبة خطأ قليلة، لأن الضرر أفدح والعاقبة أسوأ. ومع هذا، فإن الراعي ما زال بشرًا معرضًا للتجارب والمغريات والخطية، مثله مثل أي شخص آخر. فلا تحكم ولا تُدِنْ، لأنه بالكيل الذي تكيل به يكال لك. وباختصار، عامله كإنسان مثلك.

أعطه فرصة للراحة


يحتاج رعاة الكنائس إلى قسطٍ من الراحة بين الحين والآخر. فلكل وظيفة تحدياتها. ولكل مهنة ضغوطاتها وأتعابها ومتطلباتها المتغيرة والسريعة. ويصحّ هذا على خدمة الراعي أيضًا. فمن الضروري أن يذهب الراعي إلى موضع خلاء ويستريح قليلًا (مرقس 31:6). يحتاج كل خادم للإنجيل إلى وقتٍ كافٍ كي يجدد فيه عزيمته ويسترجع قوته. وفرّ لراعيك الفرصة لكي يبتعد لمدة معقولة عن مشغوليات الخدمة حتى يستمتع بعلاقته الشخصية مع الله، ويصل إلى مرحلة انتعاش روحي جديد، ويباشر خدمته بنشاط وحيوية جديدة. شجّعه على أخذ إجازة وتخصيص وقت له ولعائلته فقط.

لا تضع توقعات عالية بالنسبة لعائلته

أبقيت هذا الجزء أخيرًا لعدة أسباب. لا تتوقع الكثير من عائلة راعي الكنيسة.
لنبدأ بزوجته: لا تتوقع من زوجته أن تعزف الموسيقى، أو أن تقود صفوف مدارس الأحد، أو أن تتفرّغ لكل اجتماعات الكنيسة، أو أن تتصرف كالسكرتيرة العامة، أو أن تكون المسؤولة عن النشاطات كلها. فزوجة الراعي ليست مساعده في المرتبة الأولى، لأن الله أعطاها دور الزوجة أولًا. وليس من الخطأ أن تشترك في خدمات الكنيسة، مثلها مثل أية امرأة أخرى تخدم الله من كل القلب. مثل هذه التوقّعات تؤدي دائمًا إلى احتكاكات وخلافات غير ضرورية.
ثم ننتقل إلى الكلام عن أطفال الراعي: من المؤكد أنه يجب على كل راعٍ أن يهتم بشؤون بيته، ولا يعني هذا أن أولاده ينبغي أن يكونوا ملائكة من السماء. فهم في الحقيقة مجرد أطفال. والأطفال يتمرّدون ويعملون أعمالًا لا تليق أحيانًا. فما هو موقفك؟ عندما تزرع في مخيلتك أن عائلة راعي الكنيسة هي العائلة المثالية والكاملة، فإنك تهيّئ لنفسك فخًا قد تسقط فيه يومًا ما، فربما لا تكون توقعاتك في مكانها الصحيح، وبالتالي ستُخذل سريعًا حينما يضعف ويعثر أحد أفراد عائلة الراعي.
لكي تكون مساندًا لراعيك، لا يتطلب منك شهادة في اللاهوت ولا حفل رسامة بهيًّا. لا يلزمك أن تكون مسيحيًا واسع الاطلاع ومتمرسًا بالأمور كلها. لا يتطلب هذا منك أن تكون شماسًا أو خادمًا للإنجيل. لكن عليك أن تحب راعي كنيستك بصدق وإخلاص، تطبيقًا لوصية الرب يسوع المسيح:

"أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ" (يوحنا 12:15).

المجموعة: كانون الثاني-شباط Jan-Feb 2014