أذار March 2014

القس رسمي إسحقفي أسلوب رائع وبديع سطّر الوحي المقدس بفم الرسول بولس هذه الكلمات المعبرة عن الواقع: "هوذا الوقت منذ الآن مقصّر" (1كورنثوس 29:7). فقد استوحاها من تصرفات قائد السفينة عندما اقتربت نهاية الرحلة؛ يقوم بفك الحبال، وطي الشراع والقلاع، وإعداد المراسي، ومنها يفهم جميع الركاب أن الرحلة أوشكت على نهايتها، وبذلك يستعد كل راكب للنزول في المحطة النهائية. والروح القدس، بتدوين هذه الكلمات التي وضعتها عنوانًا لرسالتي، يعلن أن النهاية قد اقتربت جدًا ولم يتبقّ منها إلا القليل القليل.
عندما قال الرسول يعقوب: "هوذا الديان واقف قدّام الباب"، تحدّث بهذه الكلمات حوالي سنة 45م أو بعدها بقليل، فماذا نقول نحن اليوم؟ غير أن الديان فتح الباب ودخل بقدمه وسيدخل بالأخرى أيضًا.
نعم، إن الوقت منذ الآن مقصّر، وسيدور حديثي حول هذه العبارة في ثلاثة أمور:
أولاً: رسالة تحذير للخطاة البعيدين
ثانيًا: رسالة تنبيه لجميع المؤمنين
ثالثًا: رسالة تشجيع للمتألمين والمجربين

أولاً: رسالة تحذير للخطاة البعيدين

1- غير المبالين
تقدَّم رسالة الرب من خلال الروح القدس والناس عنها غافلون، لاهون، ومشغولون بأمور الدنيا الفانية الزائلة. واحد مشغول بكورته التي أخصبت فضاقت مخازنه الحالية عن أن تسع الغلات والمحاصيل، فلا بد أن يقوم بهدم المخازن وبناء مخازن جديدة أوسع منها، يضع فيها جميع محاصيله ليقول لنفسه: "يا نفس لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي". ومنهم من هو مشغول بتجارته، يسعى جاهدًا للتوسع فيها لكي تكثر مكاسبه فيصير من الأغنياء... ومنهم من انشغل بمصنعه، وكيفية تطويره ليصير مصنعًا كبيرًا ينتج أكثر من كل المصانع، وهكذا دواليك... يقول الرب لهؤلاء: "دعوت فأبيتم. مددت يديّ وليس من يبالي".
2- الرافضون
أي الذين يرفضون الاستماع إلى الرب، وإذا سمعوه يرفضون التجاوب معه. يقول الرب لهؤلاء: "رفضتم كل مشورتي، ولم ترضوا توبيخي". الشيطان أنساهم الويلات التي ستلحق بهم إذا استمروا في رفضهم. ألم يقل الوحي: "إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض. وإن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف. لأن فم الرب تكلم". نقرأ في كلمة الله عن الملك الذي صنع لابنه عرسًا وأرسل عبيده ليقدموا الدعوة للناس. يقول الكتاب عن بعضهم: لم يريدوا أن يأتوا، والبعض الآخر منهم من مضى إلى حقله، ومنهم من مضى إلى تجارته، ومنهم من شتموا العبيد وقتلوهم. العامل المشترك بين هؤلاء هو رفض الدعوة وإن اختلفت الأساليب.
3- المؤجلون
أسلوب التأجيل هو أنجح خطة وضعها الشيطان. يسمع الفتى والشاب كلمة الرب، وعندما يتأثر بها وينوي تسليم حياته للرب يهمس الشيطان في أذنه: ليس الآن! لأنك شاب في مقتبل العمر وأمامك فرص كثيرة. ثم بعد الانتهاء من الدراسة يقول له: العمل أولاً. وبعد العمل يقول له: الزواج أولاً. وبعد الزواج يقول له: أنت الآن كوّنت أسرة وتحتاج إلى مزيد من العمل، وبعد أن يجد لنفسه عملاً إضافيًا يقول له: أنت الآن ليس لك وقت. أجّل الأثينيون أمر خلاصهم قائلين لبولس: "سنسمع منك عن هذا أيضًا". وأجّل فليكس توبته قائلاً لبولس: "أما الآن فاذهب، ومتى حصلت على وقت أستدعيك". وبكل أسف لم نقرأ عن الأثينيين أنهم سمعوا مرة أخرى، ولا عن فيلكس أنه حصل على وقت آخر واستدعى بولس. أقول لغير المبالين والرافضين والمؤجلين: هوذا الوقت منذ الآن مقصر، فانتهزوا الفرصة وافتدوا الوقت لأن النهاية قاربت.

ثانيًا: رسالة تنبيه لجميع المؤمنين

1- على النائمين منهم أن يستيقظوا
يقول البشير متى عن العذارى الحكيمات والجاهلات: "وفيما أبطأ العريس نعسن جميعهن ونمن". كان يجب على الحكيمات أن يستمررن ساهرات حتى يأتي العريس. يقدم الرسول بولس رسالة لهؤلاء النائمين: "جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة . فلا ننم إذًا كالباقين، بل لنسهر ونصح... فلنصحُ لابسين درع الإيمان والمحبة، وخوذة هي رجاء الخلاص".
كيف تنام أيها المؤمن وأعداؤك ساهرون؟ "قم! اصرخ إلى إلهك". "إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم". لا تنم وأنت حامل رسالة خطيرة! قم "هوذا الوقت منذ الآن مقصّر".
2- على المؤمنين الخاملين أن ينشطوا
النشاط هام جدًا في الحياة الروحية. فالكتاب يقول: "ملعون من يعمل عمل الرب برخاء". الشيطان وجنوده يعملون بكل همة ونشاط يواصلون نهارهم بليلهم، فتشددوا وانشطوا فالضرورة موضوعة عليكم. حقل الخدمة متسع، والعمل متعدد الجوانب ومتنوّع، والحقول قد ابيضّت للحصاد. يعجبني الشخص الذي تحرر من اللجئون وأراد أن يكون مع يسوع، ولكن يسوع قال له: "اذهب إلى بيتك وإلى أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك". ولكن الرجل لم يكتف بدائرة العمل المحدودة ولكنه وسعها فنادى في عشر مدن.
3- على المؤمنين الضعفاء أن يتقوّوا والصغار أن يكبروا
الرب لا يُسرّ بضعفاتنا... لا يسر بضعيف الإيمان، لكنه يسر بالأقوياء في الإيمان. لا يسر بضعفاء الاختبار، لكن بالرجال الأقوياء. لا يسرّ ببقاء المؤمنين أطفالاً ولكنه يريدهم أن يكبروا. "لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْل كُنْتُ أَتَكَلَّمُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْطَنُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ". "كونوا رجالاً. تقوّوا"... "يذهبون من قوة إلى قوة".

ثالثًا: رسالة تشجيع للمتألمين والمجربين


أقول لكل من وقع تحت وطأة التجربة ويئن من ثقلها: "الوقت مقصّر". هانت... قرّبنا نوصل... ونستريح من أتعابنا لأننا سنودعها إلى أبد الآبدين. "أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح". سندخل بيت الآب حيث "لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت. وقال الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديدًا".
وماذا عن فترة وجودنا في الحياة القصيرة الباقية في تجاربنا؟ الرب معنا! يحوّل كل ما يصادفنا من آلام وضيقات إلى خير. بل ويسمح لنا أن "نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه". "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا". تلك الأمجاد التي ستعوض لنا عن آلام الزمان الحاضر... "فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا".  
يقول المرنم:
سأنسى أنا
أتعابي هنا
حين ألقى يسوع الحبيب
أقول لنفسي كما أقول للجميع: "هوذا الوقت منذ الآن مقصّر".

المجموعة: أذار March 2014