القس منير سليمانالحلقة السابعة: إذا تواضع شعبي
في هذه الآية "فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ" نرى أمرين:
الأمر الأول - ثلاثة شروط للاستجابة: التواضع، والطلب والتوبة
الأمر الثاني – الاستجابة وهي: أَسمع، وأَغفر وأُبرئ

وسنتناول الآن الكلمة الأولى من الاستجابة وهي كلمة "أَسمع" تحت عنوان "لمن يسمع الله؟"
وهنا نطرح هذا السؤال البسيط وهو: ما الفرق بين "يسمع الله"، و"يستجيب الله"؟ وبحسب مفهومي أرى أن الله يسمع لجميع البشر. "الغارس الأُذن ألا يسمع؟" (مزمور 9:94) نعم، إنه يسمع للجميع. لكنه لا يستجيب للجميع. "ذَبِيحَةُ الأَشْرَارِ مَكْرَهَةُ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ مَرْضَاتُهُ." (أمثال 8:15) وأيضًا "اَلرَّبُّ بَعِيدٌ عَنِ الأَشْرَارِ، وَيَسْمَعُ صَلاَةَ الصِّدِّيقِينَ." وفي مثل الفريسي والعشار، الله قد سمع صلاة الاثنين، ولكنه استجاب للعشار الذي صرخ قائلاً: "اللهم ارحمني، أنا الخاطئ" دون ذاك الفريسي المتكبّر، وجاءت الاستجابة فورية. فالعشّار نزل إلى بيته مبرّرًا دون الفريسي.
إذًا، لمن يسمع الرب ويستجيب؟ وللإجابة عن هذا السؤال أجيب عن بعض النقاط على سبيل المثال وليس الحصر:

1. الله يسمع ويستجيب للتائبين

"فإذا تواضع شعبي... ورجعوا عن طرقهم الردية (أي تابوا)، فإني أسمع من السماء."
ظل نوح يكرز بالتوبة لجيله لمدة 120 سنة ولم يتقبّل الناس كرازته، ولم يصدّقوا رسالته، فأهلك الله العالم بالطوفان، ولم يخلص إلا ثمانية أشخاص فقط هم نوح وعائلته.
أما نينوى، التي بشّرها يونان لمدة يوم واحد فقط فقد سمعت رسالة الله فصلّت وصامت وتذلّلت وتابت المدينة كلها، الملك والشعب جميعًا. يقول الكتاب: "فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ... فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ، نَدِمَ اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ." (يونان 5:3 و10) وهنا نرى أن الله قد سمع واستجاب صلاتهم وقَبِل توبتهم. فالله يسمع ويستجيب للتائبين توبة حقيقية، فينالون الخلاص.

2. يسمع ويستجيب للمتضايقين

رقم النجدة والإسعاف المعروف في أميركا هو 911، وفي مصر 122، ورقم النجدة السماوية هو 15:50 أي مزمور 15:50 "وَادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي."
نقرأ في سفر الخروج 23:2-25 "وَحَدَثَ... أَنَّ مَلِكَ مِصْرَ مَاتَ. وَتَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِ الْعُبُودِيَّةِ. فَسَمِعَ اللهُ أَنِينَهُمْ، فَتَذَكَّرَ اللهُ مِيثَاقَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ..." ويؤكد الوحي المقدس استجابة الرب لهم في خلاصهم وإنقاذهم من العبودية وخروجهم من أرض مصر بيد قوية وذراع ممدودة فنقرأ: "فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنْ شَدَائِدِهِمْ." (مزمور 6:107) نعم، الله يسمع ويستجيب للمتضايقين. صرخ بارتيماوس الأعمى "فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، ابْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!» ... فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى... فَأَجَابَ يَسُوعُ... «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي الطَّرِيقِ." (مرقس 46:10-52)
إن الله يسمع ويستجيب للمتضايقين بسبب مرض، أو اضطهاد، أو ظروف صعبة، أو مشاكل، أو تجارب متنوّعة إلخ... في حياة السيد المسيح على الأرض لم نقرأ عن أي شخص صرخ إلى يسوع أو جاء إليه بطلب ورفضه يسوع، إذ في جميع حالات المرض والضيق والعوز استجاب لهم المسيح، "من يقبل إليّ لا أخرجه خارجًا."
يحضرني هذا الاختبار الذي شهد به أحد الإخوة في مصر: أرسل له أحد الأصدقاء في ألمانيا عقد عمل في السبعينيات، فسافر لأول مرة إلى ألمانيا، وكان من المتوقّع أن ينتظره صديقه في المطار، لكن حدث عند وصوله أنه لم يجد صديقه ينتظره. ويقول الأخ: مكثت عدة ساعات وأنا في انتظاره، ولكنه لم يأتِ، ولم أتحرّك من مكاني، أو أذهب إلى هنا أو هناك، لكني سكبت قلبي أمام الله، وقلت للرب: أنت وعدتنا: "ادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني." وطلبت من الله أن يحوّل هذه الضيقة إلى فرج ويتدخّل بصورة واضحة وجلية. ويضيف الأخ قائلاً: بعد أن صرفت وقتًا طويلاً في الصلاة حدث أنه في الساعة الثانية بعد منتصف الليل أنه أقبل إليّ شخص وقال لي: هل أنت في حاجة إلى مساعدة؟ وقبل أن يجيب الأخ، أكمل هذا الرجل حديثه قائلاً: لقد رجعت إلى منزلي وخلعت ملابسي ودخلت لأنام، ولكن صوتًا كان يناديني قائلاً: قم الآن لأنه يوجد شخص في حاجة إلى مساعدتك، وأنا لا أعرف كيف اتّجه حتى جئت إليك، ولم يجب الأخ بكلمات، بل بدموع عينيه. أجل، الله يسمع ويستجيب صلاة المتألمين والمتضايقين.

3. يسمع ويستجيب للمظلومين

"مِنِ اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ فِي وُسْعٍ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ." (مزمور 5:12) "الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين." (مزمور 6:103) وفي مثل قاضي الظلم والأرملة في لوقا 6:18-8 نقرأ: "وَقَالَ الرَّبُّ: «اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا!]"
قد يكون قد وقع عليك ظلم وأنت بريء مثل دانيآل ويوسف والفتية الثلاثة، فاصرخ إلى الرب فهو يسمع ويستجيب للمظلومين. يقول الرب: "فإني أسمع من السماء." أسمع للتائبين، أسمع للمتضايقين، وأسمع للمظلومين. فلنصرخ إلى الرب فإنه يسمع لنا في ظل ظروف حياتنا، ويستجيب لنا سواء بنعم أو بـلا أو انتظر، ففي جميع الحالات يستجيب لنا ولخيرنا.

المجموعة: آب (أغسطس) 2015