الدكتور أنيس بهناملماذا جاء المسيح؟
رأينا في المرات السابقة أن الرب يسوع المسيح – تبارك اسمه - جاء إلى هذا العالم
أولاً: ليمجد الله بعد أن أهانه الإنسان إذ تعدّى وصاياه. لذلك قال الرب يسوع للآب قبل نهاية خدمته على هذه الأرض: "أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته." (يوحنا 2:17)

ثانيًا: جاء لأجل خلاص الإنسان. "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلّص الخطاة الذين أولهم أنا." (1تيموثاوس 15:1) فالمسيح أُظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه (عبرانيين 26:9) وقد تكلمنا عن هذا في مرة سابقة.
ثالثًا: جاء ليترك مثالاً لكي نتمثّل به. فهو المثال الكامل. في العدد الماضي تكلمنا عن كماله وجماله الخلقي. فهو الوحيد الكامل، الذي لم يخطئ أبدًا. لذلك قال عنه الآب مرتين: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت."
وسنتكلم في هذه المرة بعون الله عن تعاليمه
إن يسوع المسيح بلا شك هو أعظم معلم في التاريخ كله. وقد علّمنا المسيح حقائق مهمة وجليلة بخصوص الله، وبخصوص مصير الإنسان وطريق النجاة. كما علّم المبادئ السامية. وكان تعليمه يتّصف بالبساطة والوضوح مع السمو والجلال والطهارة. كان كلامه كلام الحق المطلق والنعمة والرحمة التي لا حدّ لها. والآن سنقتبس بعد التعاليم التي علمنا إياها يسوع المسيح.

أولاً: عن الله تعالى وتبارك اسمه

أولاً، علمنا المسيح أن الله يحبّ الإنسان محبة شديدة وأنه يريد له السعادة الحقيقية الدائمة. فالله لا يُسرّ بهلاك الإنسان، بل يريد أن يمنحه الحياة الأبدية، لذلك أرسل المسيح لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.
وعلمنا أيضًا أن الله يسمع صلاتنا، ويعلم كل احتياجاتنا، فقال بخصوص الأمور التي تلزمنا في هذه الحياة كالملابس والطعام "لأن أباكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها."
وعلمنا أن الله هو الآب السماوي الذي يحب كل خلائقه، ويعتني بالطيور ويقوتها. وأن شعرة واحدة لا تسقط من رأس المؤمن بدون إذن من الله. وأن الله يرحب بالخاطئ التائب كما يرحب الآب برجوع ابنه الضال، وأنه يكون فرح عظيم في السماء بخاطئ واحد يتوب (اقرأ لوقا 15). فمع أنه علمنا أن الله قدوس يكره الخطية، إلا أنه محب شفوق يدعو الخاطئ إليه ليغفر له خطاياه وليمنحه طبيعة جديدة تقدر على حياة البر.

ثانيًا: عن الإنسان

علمنا أن للإنسان قيمة عظيمة عند الله. ولكنه قال أيضًا للناس "إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون." (لوقا 3:13) وأن من لا يتوب ويؤمن به فمصيره جهنم النار "هناك يكون البكاء وصرير الأسنان." أي الندم الشديد، حيث لن ينفعهم الندم. وأما من يتوب ويؤمن بالمسيح وأن الله أرسله لأجل خلاص الإنسان، فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة (يوحنا 24:5).
وتكلم المسيح عن الصفات والمبادئ التي يجب أن يتّصف بها المؤمن، فقال: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟ أليس العشارون (أي جباة الجزية الذين كانوا معروفين بالشر والظلم) أيضًا يفعلون ذلك؟ وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا؟ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل." (متى 44:5-48)
وكذلك علّم المؤمنين حياة الطهارة والقداسة، حياة الأمانة والصدق، وحياة المحبة والتضحية في سبيل الآخرين.

ثالثًا: عن نفسه

أخبرنا المسيح بكل وضوح أنه جاء من السماء، وأنه جاء لكي يطلب ويخلص الإنسان الهالك بسبب خطاياه (لوقا 10:16). وأن الله أرسله ليكون مخلصًا للعالم. جاء لكي ينقذ الإنسان الهالك ويجعل منه ابنًا روحيًا لله. قال: "أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." (يوحنا 12:8)
وقال أيضًا: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 6:14) وأيضًا "كل من يشرب من هذا الماء (أي الأمور الدنيوية) يعطش أيضًا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد." (يوحنا 13:4-14) وقال المسيح أيضًا للمستمعين: "إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم." (يوحنا 21:18-22) وكان يدعو الخطاة إليه ويقول لهم: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم." (متى 28:11) وكان لا يرفض أي شخص تائب وراجع إليه، فقال: "من يُقبل إليّ لا أخرجه خارجًا." (يوحنا 27:6) فمع أنه القدوس البار الذي لم يرتكب ذنبًا واحدًا، لا بالفكر ولا بالقول ولا بالعمل، إلا أنه جاء لخلاص الخطاة وليبذل نفسه من أجل المذنبين. وإذ أساؤوا إليه قال لله: "اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون." (لوقا 34:23) في هذا كله يختلف المسيح عن باقي الناس، ويسمو فوق الجنس البشري كله، حتى الرسل والأنبياء. ولا يسعنا المجال أن نتكلم بالتفصيل عن تعاليم المسيح، ولكننا نشجع القراء الأعزاء على دراستها في الأناجيل الأربعة، وسيجد القارئ فيها لنفسه فائدة عظمى وبركة روحية وفيرة. ومن الملاحظ أن المسيح كان يوضح تعاليمه السامية بضرب أمثال تجعل المعنى واضحًا، والأسلوب بسيطًا وسهلًا. فحين علّم الناس عن ترحيب الله بعودة الخاطئ التائب أعطاهم مثل الابن الضال، فقال لهم أنه كان لرجل ابنان، طلب الابن الأصغر من أبيه أن يعطيه نصيبه من المال فأعطاه له. فذهب الابن الأصغر إلى مدينة بعيدة وبذّر أمواله في حياة الشرّ والاستهتار. وازدادت حاله سوءًا، فقرر أن يرجع لأبيه ويعترف له بخطئه. ففرح أبوه ورحّب به وسامحه، وقبّله، بل أكرمه. قال المسيح أنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب (ليتك تقرأ لوقا 15).
وكذلك حين أراد المسيح أن يعلمنا عن محبة الأعداء أعطانا مثلًا آخر. فقال إن رجلًا مسافرًا وقع بين أيدي اللصوص فجرّحوه وعرّوه وتركوه بين حيٍّ وميت. ولم يبالِ أحد من الناس بهذا الرجل المسكين. ولكن شخص من جنس له عداء مع جنس هذا المسكين، رآه وتحنن عليه. فضمّد جراحه وأركبه على حصانه، وذهب به إلى فندق، واعتنى به، وأوصى صاحب الفندق أيضًا أن يعتني به، وقام هو بدفع كل التكاليف. قال المسيح هكذا ينبغي أن نعمل نحن نحو الجميع (انظر لوقا 30:10-37). وحين أراد أن يعلّم الناس أهمية قبول كلام الله في القلب والعمل به ضرب لهم مثل الزارع: أي خرج الزارع ليزرع فوقعت بعض البذور على الطريق فاختطفتها الطيور وداستها الأقدام، ووقع البعض على أرض محجرة فلم تنتج ثمرًا، والبعض بين الأشواك فاختنق النبات. ولكن وقع البعض على تربة جيدة فأتى بثمار كثيرة. كذلك من يسمع كلام الله ويفتح قلبه له فإنه يثمر ثمارًا جيدة. (انظر مرقس 4)
وأخيرًا نقول إن المسيح أيضًا تكلم عن حوادث مستقبلية، تم بعضها حرفيًّا، وسيتم البعض الآخر في وقته. وقد أعطانا المسيح علامات كثيرة عن أشياء ستحدث قبل مجيئه مرة أخرى. وها نحن نرى الكثير منها ابتدأ يتحقق، مثل كثرة الزلازل، وانتشار الأوبئة. فمن الواضح أن مجيئه مرة أخرى أصبح قريبًا جدًا.
في المرة القادمة سنتكلم بإذن الله عن أعماله ومعجزاته.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2015