Anis_Bahnam"لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا... وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ... سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ" (عبرانيين 24:9-28).
نتعلم من هذه الآيات ثلاث حقائق:

المسيح أُظهر مرة ليبطل الخطية بذبيحة نفسه
المسيح يظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا
المسيح سيظهر ثانية للخلاص للذين ينتظرونه
سنتحدث في هذه المرة بعون الله عن ظهور المسيح في الماضي، أي عن تجسده.
قال إشعياء قديمًا: "حَقًّا أَنْتَ إِلهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِّصَ" (إشعياء 15:45). وعبّر عن رغبة شديدة في قلوب المؤمنين إذ قال: "ليتك تشقّ السماوات وتنزل" (10:14). وموسى النبي قال للرب: "أرني مجدك"، ولكن الرب قال له: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خروج 20:33)، لأنه ساكن في نور لا يُدنى منه، لذلك لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه (انظر 1تيموثاوس 16:6).
ولكن لما جاء ملء الزمان وأراد الله أن يعرفه الإنسان معرفة أعمق مما في الماضي، جاء إلى هذا العالم في شخص ربنا يسوع المسيح الذي هو "صورة الله غير المنظور". يقول الكتاب المقدس بكل وضوح: "عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد" (1تيموثاوس 16:3). افتتح الرسول يوحنا، التلميذ الذي كان يسوع يحبه والذي اتّكأ على صدر يسوع، الإنجيل الرابع بالقول: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يوحنا 1:1). وفي عدد 14-18 "والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا، ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا... الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر". يقف المؤمن إزاء هذه الحقائق بخشوع بل يجثو ساجدًا أمام هذا الإله الجليل الذي "أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي 7:2-8).

لماذا جاء المسيح إلى هذه الأرض؟

سنتكلم عن بعض الأسباب التي يذكرها الكتاب المقدس، الذي هو كلام الله الموحى به، بخصوص تجسّد المسيح ومجيئه في الماضي.


أولاً: جاء ليمجد الله

لذلك عند ولادته هتف جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: "المجد لله في الأعالي" (لوقا 14:2). لما دخلت الخطيئة إلى العالم انحرف جنسنا البشري انحرافًا مريعًا وصل إلى عبادة الأوثان وحياة الشر والفجور، وكأن الشيطان قد ربح المعركة. إنك تجد وصفًا لِما وصل إليه العالم من شر وفساد في رسالة رومية 18:1-32. خطايا الإنسان هي إهانة لمجد الإله القدوس الذي عيناه أطهر من أن تنظرا إلى الشر. يقول الوحي المقدس أنه بإنسان واحد، وهو آدم "دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رومية 12:5). كان آدم هو الإنسان الأول، ولكن جاء المسيح الإنسان الثاني. "الإنسان الأول من الأرض ترابي، الإنسان الثاني الرب من السماء" (1كورنثوس 47:15). الإنسان الأول عصى أمر الرب وكذلك نسله. أما الإنسان الثاني، الرب يسوع المسيح فقال: "هئنذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني: أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت، وشريعتك في وسط أحشائي" (مزمور 7:40-8). من يدرس رومية 12:5-19 يجد أن الذين في آدم، أي لم ينالوا حياة جديدة في المسيح فإنهم يرثون من آدم الخطيئة والدينونة أي المذنوبية والموت. أما الذين في المسيح فيرثون البر والتبرير والحياة الأبدية.
نعم، جاء المسيح ليمجد الله. وقال في صلاته للآب: "أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ" (يوحنا 4:17). تجسد المسيح لكي يمجد الله ويهزم الشيطان الذي في جنة عدن، أغوى أبوينا الأولين واتهم الله بأنه لا يحب الإنسان، وأنه عليهما أن لا يصدقا الله. "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ (أي المؤمنون) فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ" (عبرانيين 14:2-15). ويعلمنا سفر الرؤيا عن نهاية الشيطان إذ يقول: "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (رؤيا 10:20).

ثانيًا: أُظهر المسيح ليبطل الخطية بذبيحة نفسه

جاء عند انقضاء الدهور. فقد مرّ دهرٌ بعد دهر والجنس البشري غارق في الذنوب. وقع الإنسان في الخطيئة وهو في جنة عدن، وبعد أن طُرد من الجنة تكاثر الجنس البشري "وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ" (تكوين 5:6). فأرسل الرب الطوفان فانقضى ذلك الدهر وجاء دهر آخر وجاءت معه عبادة الأوثان. فدعا الرب إبراهيم وأعطاه وعدًا له ولنسله. ثم جاء عصر الناموس. وثبت أنه بأعمال الناموس لن يتبرر كل ذي جسد أمام الله. عند انقضاء هذه الدهور، أي لما جاء ملء الزمان جاء النسل الموعود به، نسل المرأة الذي يسحق رأس الشيطان، الحية القديمة أي إبليس. جاء المسيح من نسل إبراهيم الذي فيه تتبارك جميع أمم الأرض. جاء ابن الله ليبطل الخطية بذبيحة نفسه. قُدّمت في العهد القديم آلاف الذبائح ولكنها كانت كلها رموزًا لذبيحة المسيح. "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا" (عبرانيين 4:10). أما المسيح فبموته أكمل عمل الفداء "لأنه بقربان واحد أكمل إلى الأبد المقدسين" (عدد 14). لولا موت المسيح لسادت الخطيئة على الجنس البشري كله، ولما أمكن لأحد أن ينجو من عقابها الأبدي وهو الطرح في جهنم، البحيرة المتقدة بنار وكبريت. فبالرغم من كل الذبائح التي قُدّمت في العهد القديم، ولكن عندما جاء المسيح ورآه يوحنا المعمدان قال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 29:1). لقد تجسد المسيح لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (عبرانيين 9:2). قال الرسول بولس لتيموثاوس: "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا" (1تيموثاوس 15:1). وقال الرب يسوع نفسه أنه "لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ" (متى 28:20). وأنه "قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لوقا 10:19). ويعلن الروح القدس بكل وضوح أنه ليس بأحد غيره الخلاص (أعمال 12:4)، وأنه "لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أعمال 43:10).

ثالثًا: جاء المسيح ليترك لنا مثالاً نحن المؤمنين لكي نتبع خطواته

وهذا موضوع واسع وطويل. وسنتكلم عنه في مرات قادمة إن شاء الرب وعشنا. سنتكلم عن كماله المطلق وعن تعاليمه الجميلة وأعماله الجليلة، كما عن معجزاته والدروس الثمينة التي لنا فيها. وختامًا نقول: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ".

المجموعة: شباط (فبراير) 2015