تعلّمت لغة الحوار من الله الذي نادى آدم في الجنة "آدم! أين أنت؟" طالبًا له الودّ والحب وهذا أساس كل حوار بناء. ودعا الله الإنسان مرارًا وتكرارًا "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ" (إشعياء 18:1)، إنها دعوة للمصالحة.

 

وفي خاتمة سفر الرؤيا يعلو الصوت: "وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: تَعَالَ! وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ! وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا" (رؤيا17:22). إنها بشارة الأبدية للنفس الشقية.

تأمل في حوار المسيح مع السامرية في إنجيل يوحنا والأصحاح الرابع، حوارًا يبدأ من حضيض البشرية ليرتقي الى سماء الحرية. وأيضًا حواره مع المجدلية في الأصحاح الثامن حيث يطلق نفسًا حكم عليها رجال الدين بالموت بوعد أبدي: "يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ! فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا".

وتأمل في حواره مع بطرس في الأصحاح الحادي والعشرين بعد أن تنكّر له وأنكره: "يا بطرس أتحبني... ارع خرافي... ارع غنمي". الحوار أسلوب، وتعقّل، ومرونة، وتواصل، ووسيلة نحو غايات سامية مشتركة.

أولاً: الحوار العائلي

قالت زوجة لزوجها: "أنا مستعدة أن أموت من أجلك يا عزيزي". أجاب: "أشكرك يا عزيزتي، لكني أطلب منك أن تعيشي من أجلي. إن الحياة من أجلي هي تضحية لا تقل عن تضحية الموت".

يذكرني هذا بما نشرته إحدى الجرائد وهو: مطلوب والدون. فقد كثر الفساد، وساد الظلم، وانحطّت الأخلاق، ومطلوب والدون لعلاج الأحوال المزرية وإصلاح الأجيال الصاعدة.

إن الإيمان بالله كنز يجمع في طياته أعمق مقادس البيت وأسمى كنوز المسيح. حلّله فلسفيًا تقف مذهولاً أمام روعته وعمقه وبساطته "لاَ يَنْبَغِي أَنَّ الأَوْلاَدَ يَذْخَرُونَ لِلْوَالِدِينَ، بَلِ الْوَالِدُونَ لِلأَوْلاَدِ" (2كورنثوس 14:12). وقد قال أحدهم: إذا لم يحكم الوالدون أولادهم، يأتي يوم فيه يحكم الأولاد والديهم.

إن فن التربية يفيد الجسم والعقل، ويقوّم السلوك والأهداف. فالحياة تربط العقل بالجسم، والأدب بالدين، واللعب بالجدّ، والقابلية بالتفكير، والتقليد بالعمل، والمسيحية بالسلوك. إن الطعام المغذي، والنوم الكافي، واللعب المشترك، والهواء الطلق يربي أجسامًا قوية وسليمة "والطعام القوي للبالغين". لكن الله "يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء"، وجهل الأمهات في تربية الأولاد وإهمال الكبار في أيام الشيخوخة.

دخل أحدهم حديقة وأدهشته رؤية تفاحة كبيرة في زجاجة فتحة رقبتها صغيرة، فسأل البستاني عن كيف دخلت هذه التفاحة الزجاجة. أجابه: أدخلتها وهي صغيرة فنمت ولا تستطيع الخروج منها. "رَبِّ الْوَلَدَ فِي طَرِيقِهِ، فَمَتَى شَاخَ أَيْضًا لاَ يَحِيدُ عَنْهُ". إن تربية الأولاد في خوف الرب وإنذاره لا يعني التعامل بالقسوة لئلا يفشلوا أو التساهل والتسيب لئلا يفسدوا. من هذا المنطلق تخرّج أعظم وأعقل ساسة العالم وقادة الشعوب.

كتب "جورج هربرت ميد" كلمة بعنوان "الذات مرآة"، فيها يصف مفهوم الطفل لنفسه، وكيفية تكوين صورته الذاتية التي يحصل عليها من انعكاس انفعالات الأشخاص الآخرين المهمين في حياته. إن فكرته صدى لمبدأ الرسول بولس في 1كورنثوس 9:13-12 حيث يشرح معرفته كطفل لنفسه أنها مرآة أو انعكاسات في لغز لن تكتمل إلا برؤية الرب يسوع المسيح الفادي والمخلص.

ليتنا نحذر انفعالات الاكتئاب وهي التردد، والغضب، والشعور بالظلم، والتهوّر، والتعصّب، وإعلاء الذات.

ثانيًا: الحوار العلمي

إن الطفل يتعلم أولاً بالمشاعر، والإحساس، واللمسات، والدفء. كما يفتتن بالطبيعة بأشجارها، وأزهارها، وأنهارها، وطيورها، وأسماكها، وحيواناتها، وجوّها، وشمسها، وقمرها، ونجومها. والأم تلهمه التعبّد، وتجسّم له الفنّ، وتسمو بالعقل والعاطفة. لكننا بحاجة أن ننمي العقل، والذاكرة، والخيال، وقوة الملاحظة، والعادات الحسنة، والتعاون، والصدق، وأسلوب التفاهم مع الغير. على سبيل المثال، لو درسنا عن العلم والأخلاق نقصد بذلك العلوم الإنسانية والطبيعية لدراسة الظواهر الاجتماعية وعلاقة الإنسان بين نفسه وغيره، والهدف هو الإعداد الخلقي للشباب بواسطة إحياء الضمير والإدراك وتوجيه الإرادة نحو الخير الأعظم. ومن هنا يستمدّ الحوار العلمي مادته من الأسباب الباعثة، وفحص الدوافع والسيطرة على العواطف. إذا أردت أن تدخل في حوار مع غيرك، ادرس علم النفس، وطرق ومشاكل البحث الإكلينيكي، ومقاييس الذكاء وطبيعته، والاضطرابات النفسية وعلاجها.

العلم يبني بيوتًا لا عماد لها

والجهل يهدم بيوت العز والكرم

في سنة 1976 كتبت كلمات في ظروف خاصة بعنوان "العلم مصباح":

يا من لدينك كنت خير مدافع،

ليس التدين بالقسر والإجبار.

إن الصلاة بالإيمان ترتفع

لدى الإله وتأتي بالأثمار

إياك تفتك بالغير وتغدرهم

هل قد تناسيت الرفق بالأخيار؟

ليس الشباب بحاجة إلى العصا

بل أن يرى فيك مشاعر الإيثار

إن الرسالة للأجيال قاطبة

أن تعلن الله في طهر وإكبار.

العلم مصباح للذهن والعقل

لكن في الدين نعمة الإبصار

ثالثـًا: الحوار الديني

لم يكن الدين يومًا من الأيام وسيلة للقمع والإجبار حتى في أيام شعب الله القديم. فإن رجال الدين لم يمارسوا خدمتهم إلا في الهيكل. وكانت الأحكام القضائية من حق الملك كمن ينفذ الأحكام القضائية. كان الختان ضروري لفرزهم لله "فإن الختان ينفع إن عملت بالناموس" (رومية 25:2). "لَيْسَ الْخِتَانُ شَيْئًا، وَلَيْسَتِ الْغُرْلَةُ شَيْئًا، بَلْ حِفْظُ وَصَايَا اللهِ"

(1كورنثوس 19:7)، "وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ" (رومية 29:2)، ولذلك كان أخذ علامة الختان ختمًا لبر الإيمان، "فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا" (رومية 3:4).

إن المسيحية عقائديًا ديانة توحيد لأنه "ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله" (متى 17:19). "لأن الله واحد" (رومية 30:3)، "فإن ليس إله آخر إلا واحد" (1كورنثوس 4:8). إن إله الكتاب المقدس إله واحد (يوحنا 44:5)، لهذا يصر الوحي قائلاً: "ولكن الله واحد" (غلاطية 20:3). إن الكتاب المقدس كتاب كاف في حدّ ذاته للخلاص الذي في المسيح، وصليبه، قيامته، ومجيئه الثاني للدينونة. إنه لا يحتوي التفاصيل الفرعية المتفرقة عن الشعوب والأسر والأصول ككتب الحساب التي لا تبحث في علم الأحياء مثلاً.

هذه هي أسمى مبادئ الحوار الديني الذي كان وراء هذه الكلمات:

اكتبْ في قلبي سلامك وسط الحرب،
ارسم في خلجاتي أعظم قصة صلب،
على أرض على صخر على لحم يا أعظم أب
اكتب على أرض الثرى كلمة تزيل الكرب
  خطاياي وصوت ضمير يريح القلب
بدموع قطرات آهات تداوي وأقول يا رب
اكتب قراري وندمي وعهدي يوم القرب
اكتب بدمك غفراني في سفر الحب
أخدم، أنادي في بلادي مسيحي رب
خلص خطاة ويخلص ويضمن عبور الشعب

قال الرب يسوع:

"أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يوحنا 11:8).

المجموعة: 201106