في سفر أخبار الأيام الثاني الأصحاح 32، نجد قصة معزية لنا جميعًا كمؤمنين ونحن نعيش في عالم غريب عنا ونحن غريبون عنه. في هذا الجزء من التاريخ نجد أن ملك أشور واسمه سنحاريب، يهدد حزقيا ملك يهوذا وأورشليم بأنه سيحاربهم ويستعبدهم. كان يعيّرهم بالرب إلههم: "وَتَكَلَّمَ عَبِيدُهُ أَكْثَرَ ضِدَّ الرَّبِّ الإِلهِ وَضِدَّ حَزَقِيَّا عَبْدِهِ. وَكَتَبَ رَسَائِلَ لِتَعْيِيرِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ وَلِلتَّكَلُّمِ ضِدَّهُ قَائِلاً: كَمَا أَنَّ آلِهَةَ أُمَمِ الأَرَاضِي لَمْ تُنْقِذْ شُعُوبَهَا مِنْ يَدِي، كَذلِكَ لاَ يُنْقِذُ إِلهُ حَزَقِيَّا شَعْبَهُ مِنْ يَدِي" (2أخبار 16:32-17)، وكان هو وعبيده وجيشه يستهزئون بالرب الإله.

 

هذا يشبه تمامًا ما يحدث فى عالمنا الحالي. إن العالم وإبليس يحاولان أن يقتحما حياة المؤمنين ويستعبداها استعبادا. فإبليس من خلال العالم يحاول أن يغرينا بإغراءات مختلفة ليوقعنا في شراكه، ويفقدنا سلامنا، وسعادتنا التى حصلنا عليها بالإيمان، وشركة الروح القدس الذي في قلوبنا.

وهناك ثلاث نقاط نستخلصها من هذه القصة التاريخية:

أولاً: استعداد شعب الرب لمواجهة العدو

1– طمر ما يروي ظمأ العدو: في العددين 3 و4، طمر شعب الرب آبار المياه حتى لا يستفيد منها العدو لإرواء ظمئه فيخور ويتعب ويعطش. هذا ما يتوقعه الرب منا أن لا نعطي إبليس مكانًا أو فرصة للتدخل في حياتنا حين نرتكب الإثم في حق الله، أو نتيجة للفتورالروحي الذي هو من أخطر الحالات التي تؤدي إلى خلق ثغرة يتسلّل منها إبليس إلى نفوسنا. وإذا دخل، فسيملك ويفقدنا سلامنا وحريتنا التي حصلنا عليها في المسيح يسوع.

2– بناء حصن مضاعف: لقد بنى الملك حصنًا مضاعفًا حول المدينة وأعدّ سلاحًا بكثرة. يقول عدد 5 "وَتَشَدَّدَ وَبَنَى كُلَّ السُّورِ الْمُنْهَدِمِ وَأَعْلاَهُ إِلَى الأَبْرَاجِ، وَسُورًا آخَرَ خَارِجًا، وَحَصَّنَ الْقَلْعَةَ، مَدِينَةَ دَاوُدَ".

3- التكثير من الأسلحة: "وَعَمِلَ سِلاَحًا بِكَِثْرَةٍ وَأَتْرَاسًا". وسلاحنا هو سلاح الروح الذى يقاوم ويهزم قوات العدو، كما قال الرسول بولس في رسالة أفسس 10:6 "أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ".

4- شجع الملك الشعب: ذكّرهم بأقوال الرب ووعوده لهم في عدد 7 و8 قائلاً: تَشَدَّدُوا وَتَشَجَّعُوا. لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ وَمِنْ كُلِّ الْجُمْهُورِ الَّذِي مَعَهُ، لأَنَّ مَعَنَا أَكْثَرَ مِمَّا مَعَهُ. مَعَهُ ذِرَاعُ بَشَرٍ، وَمَعَنَا الرَّبُّ إِلهُنَا". لا بد أن نذكِّر أنفسنا دائمًا بوعود الرب لنا، وهذا يعطينا ضمانًا واطمئنانًا في غربتنا حيث أننا "غرباء ونزلاء".

ثانيًا: الصراخ إلى الرب

عدد 20، "فَصَلَّى حَزَقِيَّا الْمَلِكُ وَإِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ لِذلِكَ وَصَرَخَا إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرْسَلَ الرَّبُّ مَلاَكًا فَأَبَادَ كُلَّ جَبَّارِ بَأْسٍ وَرَئِيسٍ وَقَائِدٍ فِي مَحَلَّةِ مَلِكِ أَشُّورَ. فَرَجَعَ بِخِزْيِ الْوَجْهِ إِلَى أَرْضِهِ". هذا ما يحدث تمامًا عندما نطلب الرب ونصرخ إليه فيعيننا. إنه كأب محب وحنون يسرع لإنقاذ أبنائه عندما يطلبونه، فقد قال: "لأَنَّهُ مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ". كما قال داود في مزمور 6:18 "فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ، وَإِلَى إِلهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ". ويقول عدد 14 "أَرْسَلَ سِهَامَهُ فَشَتَّتَهُمْ، وَبُرُوقًا كَثِيرَةً فَأَزْعَجَهُمْ".

ثالثـًا: النصرة دائمًا للرب

"وَخَلَّصَ الرَّبُّ حَزَقِيَّا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ مِنْ سِنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ وَمِنْ يَدِ الْجَمِيعِ، وَحَمَاهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ" (عدد 22). لأنه قال لشعبه في سفر إشعياء 1:62 "مِنْ أَجْلِ صِهْيَوْنَ لاَ أَسْكُتُ..." وعدد 6 "عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا".

إشعياء 11:62 "هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ".

قال الرب يسوع في إنجيل يوحنا الأصحاح 14 "فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ... آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ".

أخى العزيز، إن إلهنا إله قادر أن يحمي ويخلص أبناءه، ولا يوجد أحسن من الاحتماء به. لكن علينا أن نعيش داخل دائرة محبته، ونحمل دائمًا سلاح الروح، ونحيط أنفسنا بأسوار مضاعفة من الإيمان والثقة بالرب القادر أن يعين المجربين، وأن نعيش أمناء له، نحيط أنفسنا دائمًا بالمؤمنين، ونواظب على حضور اجتماعات الكنيسة، ودراسة كلمة الله الحية التي هي نافعة للتأديب والتوبيخ الذي للبر، وأن نبتعد عن كل شر وشبه شر، وبذلك نعيش آمنين في سلام مع الرب إلهنا ومخلصنا وحامينا الذي قال: "الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ".

المجموعة: 201106