القس رسمي إسحاقيدور المقال حول الشواهد التالية: لوقا 28:15؛ إرميا 15:37؛ يونان 1:4
يذكر الكتاب نوعين من الغضب: الغضب المقدس والغضب الشرير. وشتّان ما بين هذين النوعين من الغضب. الغضب الشرير غضب متسرّع مفاجئ يظهر تأثيره على تقاسيم الوجه؛ يقطب الجبين ويتحوّل منظر حاجبي العينين إلى شكل رقم 8 في العربية ويتحوّل لون العينين إلى اللون الأحمر. يصرّ الغاضب على أسنانه ويحدث صوتًا مثل زئير الأسود، ثم تزداد سرعة ضربات القلب ويرتفع الضغط.


أما الغضب المقدس فيحدث بتأنٍّ يتحكم فيه الدين والعقل والمنطق ولا يقود إلى الخطأ اتباعًا لقول الوحي المقدس "اغضبوا ولا تخطئوا." وسأتحدث بناء على الشواهد الكتابية عمّا أشرت إليه أعلاه في ثلاث كلمات:

أولاً: غضب جرح كرامة الأب

يقول الشاهد الأول: "فغضب ولم يرد أن يدخل." عندما رجع الابن الأصغر من ضلاله في الكورة البعيدة لم يكن أخوه الأكبر في البيت بل كان يعمل في الحقل. ولدى عودته سمع أصوات مزمار ورقص في البيت فاستدعى واحدًا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا؟ فقال له: جاء أخوك فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالمًا. وهنا احتدّ الابن الأكبر وغضب، أرغى وأزبد ولم يرد أن يدخل. عندما علم الأب بذلك خرج يطلب إليه الدخول. وكم تأثرت بكلمات "خرج يطلب إليه". فابتدأ الابن الأكبر، في ثورته العارمة، يتحدث بكلمات جارحة لكرامة الأب: "أنا أخدمك سنين هذه عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك، وجديًا لم تعطني لأفرح مع أصدقائي، ولما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن." انظروا كيف جرح هذا الابن في غضبه كرامة أبيه: "أنا أخدمك"، رأى نفسه كخادم، وأن أبيه لم يعامله قط كابن بل كخادم، وافتخر على أبيه بقوله: "وقط لم أتجاوز وصيتك"، كأنه يعلن أنه صنع ما لم يصنعه غيره، ثم أنكر عطايا أبيه: "وجديًا لم تعطني قط." ثم أعلن أنه يعيش في بيت أبيه في حزن وشقاء وبؤس، ولم يفرح أبدًا: ولما جاء ابنك هذا... وهنا تنكر لإخوّته لأخيه... أكل معيشتك - مع أنه أكل جزءًا من معيشة أبيه وليس كلها – مع الزواني. ما أدراه كيف تصرف الابن في نصيبه؟ وبدأ يلقي التهم جزافًا على أخيه.
مرات كثيرة نغضب ونتفوّه بكلام يجرح مشاعر أبينا السماوي. كان شعب الرب قديمًا ينطق كثيرًا بكلمات جارحة لمشاعر الله سأذكر منها واحدة فقط: "وارتحلوا من جبل هور في طريق بحر سوف ليدوروا في أرض أدوم. فضاقت نفس الشعب في الطريق وتكلم الشعب على الله وعلى موسى قائلين: لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية لأنه لا خبز ولا ماء وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف." جرح الشعب مشاعر الرب عندما ساووا بين الرب وموسى "اصعدتمانا." ثم أنكروا العناية الإلهية: "لا خبز ولا ماء." قالوا عن الطعام الذي أعطاه الله لهم واصفين إياه بالسخيف.
أيها الأحباء، ليتنا نصمت ونفكر في كلماتنا قبل أن تخرج من أفواهنا حتى لا نتذمر فنجرح كرامة أبينا السماوي.

ثانيًا: غضب أدّى إلى القسوة والإرهاب

يقول الشاهد الثاني: فغضب الرؤساء على إرميا وضربوه وجعلوه في بيت السجن. وترى، أي جريمة اقترفها إرميا؟ لنرجع إلى الأحداث كما ذُكرت في كلمة الله. أمر الملك صدقيا ملك يهوذا إرميا ليصلي إلى الرب حتى يرشده إلى ما يجب أن يفعله مع ملك بابل. وبكل أمانة نقل إرميا كلام الرب للملك صدقيا قائلاً: "ها إن جيش فرعون الخارج لمساعدتكم، يرجع إلى أرضه، إلى مصر. ويرجع الكلدانيون ويحاربون هذه المدينة ويأخذونها ويحرقونها بالنار. هكذا قال الرب: لا تخدعوا أنفسكم قائلين: إن الكلدانيين سيذهبون عنا، لأنهم لا يذهبون. لأنكم وإن ضربتم كل جيش الكلدانيين الذين يحاربونكم، وبقي منهم رجالاً قد طُعنوا، فإنهم يقومون كل واحد في خيمته ويحرقون هذه المدينة بالنار." ما أن سمع صدقيا هذا الكلام حتى ثارت ثائرته غضبًا وقبض على إرميا واتهمه بأنه في صف الكلدانيين وينحاز لهم، الأمر الذي أنكره إرميا تمامًا فسلّمه الملك إلى الرؤساء فغضبوا على إرميا غضبًا شديدًا وضربوه ووضعوه في بيت السجن يقدمون له رغيفًا واحدًا كل يوم. وبعد ذلك نقلوه إلى جب موحل، فغاص في الوحل. وهنا أتساءل: باي ذنب ضُرب وسُجن ووُضع في الجب؟
انظروا إلى الإرهاب المتفشي في هذه الأيام في العديد من دول العالم: كم قتلوا؟ وكم سجنوا؟ ينفث الإرهابيون تهددًا وقتلاً على أناس أبرياء لا ذنب لهم. غاضبون غضبًا يؤدي إلى القسوة والإرهاب.

ثالثًا: غضب أدت إليه أغرب الأسباب

يقول الشاهد الثالث: "فغمّ ذلك يونان غمًا شديدًا، فاغتاظ." لماذا اغتم يونان؟ تقول كلمة الرب: "من أجل ذلك"، وكلمة ذلك ترجع إلى آخر عدد من الأصحاح الثالث: "فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم، فلم يصنعه." يا للغرابة! هل رجوع الناس عن طريقهم الرديئة ونجاتهم من العقاب شيء يحزن الإنسان ويغضبه؟ ماذا قال في صلاته بعد غضبته الغريبة؟ "أليس هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضي؟ لذلك بادرت إلى الهرب إلى ترشيش، لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر." هل هذه الصفات تكون سببًا في غضب الإنسان أم أن تكون سببًا في سروره؟ ومن شدة غضب يونان وحزنه طلب لنفسه الموت "خذ نفسي لأن موتي خير من حياتي." ألقى الرب سؤالاً هامًا على يونان: "هل اغتظت بالصواب؟" بمعنى، هل لك حق في هذا الغضب؟
مرات كثيرة تغضبنا طول أناة الله وإمهاله. عندما أُحرقت الكنائس في مصر ونيجيريا والعراق غضبًا لأن الله صبر ولم يعاقب عقابًا فوريًا- ردَّدنا القول مع حبقوق: "عيناك أطهر من أن تنظرا الشر ولا تستطيع النظر إلى الجور فلِمَ تنظر إلى الناهبين وتصمت حين يبلع الشرير من هو أبر منه."
لا مبرّر لهؤلاء الغاضبين. أودّ أن أذكرهم بقول الكتاب: "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع... مبطئًا في الغضب." "لا تسرع بروحك إلى الغضب، لأن الغضب يستقر في حضن الجهال." ليكن غضبكم مقدسًا يتحكّم فيه الدين والعقل والمنطق الذي لا يقود للخطأ. اغضبوا ولا تخطئوا.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2016