القس رسمي إسحاق"اطْلبْ: ماذا أفْعل لك قبْل أنْ أوخذ منْك!" (2ملوك 9:2)
كانت الجلجال نقطة انطلاق لكل من إيليا وأليشع: بالنسبة لإيليا هي ليصعد إلى السماء، ولأليشع أن يكون نبيًا للرب. وقبل أن يصعد إيليا، قال لأليشع: "اطْلبْ: ماذا أفْعل لك قبْل أنْ أوخذ منْك!" حسم أليشع الأمر سريعًا وقال: "ليكن نصيب اثنين من روحك عليّ." فقال إيليا: "صعّبت السؤال." ولسنا ندري ماذا يقصد إيليا بهذه الكلمات. قال البعض، إنه قصد أن هذا الأمر صعب على إيليا أن يفعله ويتمّمه.

وقال البعض الآخر، إنه تألم لأن أليشع سيلاقي من الآلام ضعف ما لاقاه إيليا، وليس فقط ضعف المعجزات التي أجراها. فقال إيليا: "إن رأيتني أوخذ منك يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون." وفجأة جاءت مركبة واختطفت إيليا، فتيقّن أليشع أنه سينال مطلبه. ولي معكم ثلاث كلمات:

أولاً: دلالات قوية

علام يدل الطلب الذي طلبه أليشع؟ أذكر أمرين:
1- شعوره بخطورة المسؤولية: كان يعرف أليشع أن مسؤولية النبوّة مهمة خطيرة، وقد لمس خطورتها من الفرصة التي قضاها في خدمة إيليا. واختيار الرب له أن يكون نبيًا، فهذا امتياز وشرف عظيمان، إلا أن هذا العمل بالذات هو مسؤولية خطيرة!
لو رجعنا إلى هدايا المجوس التي قدموها للرب يسوع: ذهبًا للمسيح الملك، دلالة المجد الإلهي، واللبان للمسيح الكاهن دلالة على مجده الإنساني، ولكن المرّ دلالة على الآلام التي سيواجهها المسيح النبي.
سيقابل النبي ملوكًا أشرارًا، ومؤمنين، وسيحمل لهم رسائل خطيرة لا بد أن يوجّهها بدون محاباة. وفي نفس الوقت يؤديها بكل شجاعة دون خوف أو وجل. ما أخطر الرسالة التي حملها الرب ليونان: "قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ عليها، لأنه قد صعد شرهم أمامي." ثم نادى وقال: "بعد أربعين يومًا تنقلب المدينة."
2- شعوره بعدم الكفاءة الشخصية: شعر أليشع في قرارة نفسه أنه ليس كفؤًا لأن يحمل مسؤولية النبوّة. لا شك أنه قال في نفسه "من هو كفؤ لهذه الأمور؟!"
عندما دعا الرب موسى وكلّفه بالمسؤولية، قال للرب: "لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس، ولا من حين كلمت عبدك، بل أنا ثقيل الفم واللسان." ولما عالج الرب هذه المشكلة، استمر موسى في الاعتذار وقال: "استمع أيها السيد، أرسل بيد من ترسل."
وعندما دعا الرب إرميا، قال: "إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد."

ثانياً: شروط حيوية

وضع إيليا شرطًا، كما وضع أليشع شرطًا:
1- اختطاف وصعود
قال إيليا لأليشع: "فإن رأيتني أؤخذ منك سيكون لك كذلك، وإلا فلا يكون." لكي يتحقق طلب أليشع وأمنيته، يجب أن يُختطف إيليا. تصوّرت أليشع وكأنه أصبح بين نارين: فهو يريد نوال طلبته، وفي نفس الوقت لا يريد أن يؤخذ منه إيليا. سيدفع الثمن غاليًا وهو حرمانه من بركة وجود إيليا معه.
أحبائي، لتتحقق أمنياتنا يجب أن ندفع الثمن، وقد أُخذ فعلاً سيده منه.
2- تخطّى الحواجز والسدود
في طريق عودته، كان هناك أمر آخر يجب أن يتم وهو أن يتخطّى نهر الأردن. أمسك برداء إيليا الذي سقط عنه عند صعوده، ولفّه كما فعل إيليا عند النهر وضرب النهر وقال: أين هو الرب إله إيليا؟ فلم يحدث شيء. لا شك أن الشيطان جاءه وقال: أظن هذا، لا روح إيليا ولا غيره! ولكن أليشع لم يتجاوب مع الشيطان، وعاود الكرّة مرة أخرى، وضرب النهر فانفلق وعبر، وبذلك تم الشرط الثاني، فتيقّن أن الرب استجاب طلبته.

ثالثًا: دروس روحية

الدرس الأول هو ألا نحقق أمانينا على حساب الآخرين. يعجبني أليشع أنه لم يفرح عندما اختُطف سيده، لأن أمنيته ستتحقق بصعود سيده، ولكنه بدأ يصرخ ويبكي ويقول: "يا أبي، يا أبي، مركبة إسرائيل وفرسانها." وحزن حزنًا عظيمًا لأن سيده اختُطف، وأكثر من ذلك، إنه أمسك ثيابه ومزقها قطعتين حزنًا على سيده.
الدرس الثاني، ألا نجد في نفوسنا الاستحقاق بامتلاك الله. لم يجرؤ أليشع أن يقول: إن الرب إلهي، فعندما وصل إلى نهر الأردن لف رداء إيليا الذي كان قد سقط عندما صعد وقال: أين هو الرب إله إيليا؟
البعض ينتقدونه لأنه استخدم هذه العبارة، ولكن يمكن أن نقول إنه لم يجد نفسه مستحقًا لامتلاك هذا الإله العظيم. يا له من إحساس رائع! إن مشكلة البعض هي في رؤيتهم لأنفسهم أنهم يستحقون كل البركات مع أننا في الحقيقة لا نستحق شيئًا، لكن نعمة الله هي التي منحتنا كل البركات.
الدرس الثالث هو عدم اليأس عندما نفشل في تحقيق أمر ما. فأليشع لف رداء إيليا وضرب نهر الأردن، فلم يحدث شيء. ولا شك أن الشيطان حاول أن يُدخل اليأس إلى قلبه، ولكنه لم ينجح في ذلك. ثم عاود أليشع وضرب النهر ثانية فانفلق إلى هنا وهناك.
إخوتي، انتبهوا لأن الشيطان خصمكم يحاول أن يُدخل اليأس إلى قلوبكم. يقول الرسول بولس: "متحيرين، لكن غير يائسين."
أختم كلماتي قائلاً: ماذا تطلب لو أُتيحت لك الفرصة أن تطلب؟ أقول يا أحبائي: "اطلبوا ملكوت الله وبره." اطلبوا كل ما يبني حياتكم بناء روحيًا على إيمانكم الأقدس.

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2017