القس باقي صدقةولمّا كانتْ عشيّة ذلك الْيوْم، وهو أوّل الأسْبوع، وكانت الأبْواب مغلّقةً حيْث كان التّلاميذ مجْتمعين لسبب الْخوْف من الْيهود، جاء يسوع ووقف في الْوسْط، وقال لهمْ: «سلامٌ لكمْ!» ولمّا قال هذا أراهمْ يديْه وجنْبه، ففرح التّلاميذ إذْ رأوْا الرّبّ. فقال لهمْ يسوع أيْضًا: «سلامٌ لكمْ! كما أرْسلني الآب أرْسلكمْ أنا.» (يوحنا 19:20-21)

عندما نتأمل في هذه العبارات نجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام أعظم معجزة حدثت في التاريخ. إنها الحادثة الخالدة التي تستطيع أن تنقذ العالم من عبادته للأوثان، والتي تستطيع أن تخلصنا من التيارات الهدامة التي تهددنا – إذ أننا نستخلص من هذا الحدث أن القوة الوحيدة التي لا منازع لها في هذا الكون، والتي تفوق في عظمتها قوة القنبلة الهيدروجينية هي قوة الله فوق الطبيعية.
فالقيامة إذًا، التي كان يستحيل حدوثها لولا قوة الله فوق الطبيعية، تحمل إلينا الرجاء والثقة أكثر من أي حدث آخر. ولنعد بأذهاننا وتصوراتنا إلى المشهد الذي تصفه العبارات السابقة.
في الصباح الباكر ذهبت السيدات إلى قبر المسيح لكي يمسحن جسده بالطيب، ولكنهن، على غير توقّعهن، وجدن الحجر الضخم الذي كان يسدّ باب القبر قد دحرج من مكانه... وكان القبر خاليًا وانبعث صوت من الداخل يقول لهنّ: "ليس هو ههنا، لكنه قام!" ولا بد أن السيدات أسرعن بالعودة وأخبرن التلاميذ. فأسرع بطرس ويوحنا إلى القبر ولكنهما أيضًا وجداه خاليًا. واجتمع التلاميذ في ذلك المساء يحدوهم أمل جديد بعد أن كانوا قد تفرّقوا في اليومين السابقين وتشتتوا في يأس وألم وقنوط.
وظهر المسيح لهم في ذلك الاجتماع ورآه الأحد عشر. ولا يمكن أن يكون الأحد عشر قد خُدعوا جميعًا وفي وقت واحد؛ فقد سمعوه جميعًا عندما قال لهم بصوته الذي عرفوه: "سلام لكم." ومع ذلك فإننا عندما نلاحظ أنه في مناسبات أخرى ظهر لبعضهم ولم يعرفوه ندرك أنه كان إلى حدّ ما في صورة متغيّرة. فهل كان مجرد شبح أو خيال؟ لقد كان دائمًا يعرف أفكارهم، لذلك أراهم يديه وجنبه.
وكم كانت دهشتهم عظيمة عندما وجدوا أنفسهم أمام المسيح نفسه في جسده الإنساني فقد كان جسده المقام يحمل نفس الجروح وآثار المسامير ومكان الحربة. ومن ثم فإن جسده أيضًا قام، وليس روحه فحسب، ومع ذلك فقد كان ذلك الجسد متغيّرًا... ولم يكن توما معهم في ذلك المساء. ولما سمع بذلك بعدئذ قال إنه لا يمكن أن يصدِّق إلا إذا رأى بعينيه ووضع أصابعه في مكان الجروح. وفي الأسبوع التالي أعطيت له هذه الفرصة فصاح قائلاً: "ربي وإلهي."
ثم نعود فنسمع صيحة السعادة والطمأنينة في هذه العبارة: "ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب." لا شك أننا نستطيع أن نتصور فرحنا عندما ينقذ صديق لنا من الموت في آخر لحظة، أو عندما يعلن خبر موته، ثم يظهر لنا أنه حيّ بعد. وهذا نفس ما حدث، فإن قيامة المسيح أشرقت بالرجاء والأمل في قلوب التلاميذ بعد أن كانت قلوبهم قد تثقلت بالحزن على مأساة موته.
إن معظمنا اختبر الأفراح البشرية، فكم بالأولى تكون الأفراح الروحية التي تستمدّ نبعها من الإيمان العميق بشخص المسيح. ذلك لأنه ليس ما يُنقِص من قدر هذه الأفراح سوى سحابة الشك التي هي وليدة الفكر المتردد والقلب غير الثابت. يقول الدكتور ثيودور فيرس: "تستطيع أن تقتدي بيسوع المسيح، وتستطيع أن تقرأ عنه وأن تتحدث عنه، وأن تعبده وأن تصلي له، ولكنك إذا لم تستمتع به وتتلذّذ بعشرته فإن علاقتك به ما زالت ناقصة."
ويكرر المسيح في الأسبوع الثاني نفس الرسالة الأساسية التي تنفذ مباشرة إلى قلب الإنسان بقوله: "سلام لكم." وكان ذلك تأكيدًا منه أن كل الأشياء تسير على ما يرام إذا كنا نؤمن به. فإن سلامه لا يتأثر بالظروف، بل إنه يغمرنا سواء أكانت الحياة هادئة ساكنة أم كانت زاخرة بالمتاعب والضيقات. إن الإيمان المسيحي ليس معناه رفع الضيقات والتجارب، بل معناه إعطاء القوة اللازمة لمواجهتها والتغلب عليها. وحالما ملأ المسيح قلوب تلاميذه بالسلام واليقين، وجّه أنظارهم إلى رسالتهم والمسؤولية الملقاة على عاتقهم: "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا." فقد كان عليهم أن يواصلوا حمل الرسالة التي بدأها هو. حقًا إنهم لن يتمتعوا بحضوره شخصيًا معهم، ولكن شخصًا آخر سوف يرافقهم ويملأ قلوبهم بالتعزية والتشجيع، ألا وهو الروح القدس.
وهذا معناه أن يكون لنا في هذه الحياة نفس الهدف الذي كان له، وهو أن يأتي ملكوته وأن تكون مشيئته كما في السماء كذلك على الأرض. فإن كل مؤمن يعرف المسيح لا يهدأ أبدًا إلا إذا جذب الآخرين إلى شخصه المبارك. فهو يعرف أن العالم المليء بالاضطراب والبؤس لا يمكن أن يجد راحته إلا إذا كان له نفس الإيمان بالمسيح والتمتّع به، بل هو أيضًا محبة الآخرين وخدمتهم وجذبهم إلى نفس الإيمان الذي يتمتّع هو به.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2017