الدكتور القس ميلاد فيلبستأملت في تاريخ وحياة المسيح لكي أربط بين حقيقة الميلاد وعظمة القيامة، ودهشت من أن إشعياء النبي حصر هذه القضية في سطور معدودة في الأصحاحين السابع والتاسع مستخدمًا كلمات وعبارات غريبة أحيانًا مشتقة من جذور اللغة. نعم!

لقد ربط العهد القديم والعهد الجديد في اسمَي يسوع: "يسوع المسيح" أي مخلص الخطاة و"عمانوئيل" أي الله معنا، و"إن كان الله معنا فمن علينا". إن في الآية السابقة في اليونانية والعربية "إن" حرف توكيد ونصب وتعني "ما دام الله معنا". لذلك فالإعلان هنا متعلّق بأسماء الرب يسوع المسيح وتجسده وألوهيته وقيامته:

أولاً: بشرًا سويًّا
تم في تجسد المسيح قول الوحي الإلهي "زبدًا وعسلاً يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير." (إشعياء 15:7) هذا يؤكد أن المسيح شاركنا في بشريتنا "تجسدًا حقيقيًا". إنه الإله الإنسان. لقد أدرك المؤمنون معنى "الكلمة صار جسدًا" وقوة اسم يسوع في كرازتهم وشفائهم المرضى وإخراج الشياطين وإبراء الأبرص وإقامة الموتى وغلبة الشر، ورأوا نور السماء في وجه يسوع، وفرح السماء في حضور يسوع، وموسيقى السماء في اسم يسوع، ودوام السماء في أبدية يسوع، وسماء السماء في يسوع نفسه. زار أحدهم فنانًا في مرسمه، ولاحظ أنه يضع مجوهراته النادرة على حامل الرسم فسأله عن السبب؟ أجابه: إنني أنظر إليها دائمًا حتى تتعوّد عيناي على الألوان الأصيلة فلا تخدع بغيرها "ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع."

ثانيًا: متجسدًا سماويًا
إن هذا الابن المسيح لم يأت ليعلن لنا أنه الله، بل أن الله هو مثله وفيه. سأل فيلبس يسوع قائلا: "أرنا الآب وكفانا، فأجابه: أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب... ألست تعلم أني أنا في الآب والآب فيّ." (يوحنا 9:14-10) إنه الكلمة الذي جاء كوسيط تفاهم بين الله والناس كما جاء في 1تيموثاوس 5:2 "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح." رُسمت ثلاث لوحات في أحد معارض الفنانين تمثل نفس الإنسان وأدواره بإزاء صليب ابن الله:
"وتكون الرياسة على كتفه": أولها إنسان واقف أمام المصلوب منذهلاً ولا يفهم سر الفداء، والثاني إنسان راكع أمام المصلوب متأملاً "مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا." أما الثالث الذي عرف المخلص، فكان ساجدًا ليكرس حياته.

ثالثًا: عجيبًا مشيرًا
تقابل أحد المؤمنين بصديق يشك في حدوث المعجزات في عصرنا لأنه ينافي سير النواميس الطبيعية في مجراها الاعتيادي وتخالفه. عندئذ أحضر له عصفورًا مقيدًا متضايقًا، وفشل العصفور في الانطلاق. أخيرًا أمسك به المسيحي وقطع قيده فطار فرحًا. ثم سأل المسيحي صديقه: هل يقضي ناموس الجاذبية بسقوط الأشياء إلى الأرض أم ارتفاعها في الجو؟ هنا فهم صديقه بأن الخالق الذي خلق النظام الطبيعي يستطيع أن يوقف نظامًا أو ناموسًا من النواميس. عبَّر عن هذا بولس بقوله: "أن تدركوا مع جميع القديسين، ما هو العرض والطول والعمق والعلو،" فلاهوت المسيح هو العلو وتجسده هو العمق وعرضه هو العالم وطوله هو الزمن. لذلك قال العلامة كِنتْ: إنك تفعل حسنًا إذا كنت تؤسس سلامك على الإنجيل، وتستمد تقواك منه لأن الإنجيل والإنجيل وحده هو منبع الحقائق الروحية العميقة. تلك الحقائق التي تعب العقل في قياسها بلا جدوى. ما أعجب هذه الشخصية! رنمت له السماء في مولده "والشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا"، وعم السلام في رسالته "أكثرت الأمة وعظمت الفرح"، وصارت "اليد ممدودة" (إشعياء 44:10) للحماية والخلاص والرعاية. "عجيبًا فوق التصور البشري (مزمور 139: 6)، و "مشيرا" للخلاص.

رابعًا: إلهًا قديرًا
تتضمن أسماء الله سبع صفات معنوية متباينة ومتغايرة وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والتكلم، لأن الله عقل وعاقل ومعقول أي ثلاثة أقانيم في الذات الإلهية. إنه القدوس، والحق، والبار، والعدل، والضار المنتقم، والغافر، والغفور، والرؤوف، والحكم، والقوي والكريم، لكن كيف يكون الله منتقمًا غافرًا؟ إن حكمته اقتضت الفداء فوفّق بين عدله ورحمته. لذلك يصح القول إن الثالوث هو مجرد ثلاث خواص متميزة في الله، والإنسان صورة مصغّرة له تعالى ظاهرة في مرآة الخليقة. بمعنى آخر، في الخليقة تنازل الله في حيز الحوادث والطوارئ. سأل أحدهم عالم عن كيفية اشتعال الشمعة، فأجابه: إن الشحم والفتيل والهواء اتحدت فأوجدت هذا النور المنظور. إن علاقتنا بالله إذن هي علاقة عبادة وكالة وشركة، وبكلمة واحدة هي علاقة محبة. إنه بالحق "إلها قديرًا" يدعمنا بقوة الله وضمان الأبدية.

خامسا: أبًا أبديًا
إن دارسي الكتاب المقدس يدركون أن أسماء الجلالة تزيد عن 900 في التوراة والإنجيل، وتصنف بحسب العبرانية والآرامية واليونانية، ومنها ما له علاقة بالخليقة، أو البداية والنهاية، أو قديم الأيام، أو شخص المسيح، أو إيل، أو الآب، أو الله، والقدوس، والمتعالي، و"أنا هو"، ويهوه، ويسوع، والرب، والسيد، أو مع سابقة لاسم الله أو مع باء الملكية كإلهي، والغيور، والمعلم، والرأس والطريق، والحق، والحياة. إن أبا الدهور والأجيال يسره أن يقدم لأولاده إعلانًا عن محبته "أكون لكم أبًا"، والمسيح يسوع يحيي ويرد، بل ويخلق من جديد الإرادة الضائعة. يدعى اسمه "أبًا أبديًا"، وكأن الرب يعلمنا بأن نَصِفَ الله كالأب إثباتًا للعلاقة الجديدة الأمر الذي لم يسبق التلاميذ أن مارسوه. هذه الأبوة لها جانبان: الجانب الإنساني فيه يتكلمون مع الله، والجانب الإلهي أن الله بذاته يتكلم إلينا.
إن المسيح كأب أبديٍ "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات." (أفسس 6:2-8) إن هذه الكلمات تصف المقام الروحي نتيجة اتحادنا بالمسيح فهو لم يكن ممثلا لنا فقط، بل كنا نحن فيه. عندما مات متنا معه وعندما أقيم قمنا معه لنتمتع بعمل صليبه. لذلك نفس القوة التي أقامت الرب يسوع وهبتنا الحياة أيضًا "بالنعمة أنتم مخلصون".

سادسًا: رئيس السلام
إن يسوع رئيس السلام، وملك السلام، ومعطي السلام. "لا يكون لسلامه وملكه نهاية". سلامه يفوق كل عقل وينقلنا من العداوة مع الله لنصير أبناء بروحه وبإنجيله (كلمته) وبقبول شخصه (أفسس 2: 14). سلامه يحفظ الفكر والقلب وسط التجارب وفترات اليأس والعلاقات والشهادة. أجل! إنه رسول الشهادة العظيمة. فيه يقوم الكل "أهيه الذي أهيه."
في القرن الخامس عشر كتب متأملٌ حوارًا بين مؤمن والمصلوب، وسأل المؤمن سيده:
لماذا تجرّدت من ثيابك؟ فأجابه: لكي تكتسي بثوب بري.
ثم لماذا تحمل اللعنة؟ لكي تنال البركة.
ولماذا تلبس إكليلا من شوك؟ لكي تنال الحياة الأبدية.
لماذا إذا فردت ذراعيك على الصليب؟ لكي أقدم قبلة المحبة والمصالحة. "الذي هو سلامنا".

سابعًا: ملك البر (الحق والعدل)
يا له من مجيء رهيب! يوم يأتي يسوع بالقوة والمجد والبهاء في سحابة مع الملائكة والقديسين في مظاهر الغنى والعظمة والقوة والجلال! "قبّلوا الابن لئلا يغضب... لأنه عن قليل يتقد غضبه." سيقيم الراقدين، ويغير الأحياء، ويعاني اليهود "ضيقة يعقوب"، ثم يتمتع المؤمنون بوليمة الهناء. هذا هو ملكوت الله الذي أشار فيه المسيح بالزرع والحصاد. الآن وقت الربيع، وقت التمتع بثمار النعمة حيث أن الشتاء مرّ وسُمع "صوت اليمامة في أرضنا".
قالت الملكة فيكتوريا "ملكة بريطانيا العظمى": كم أود لو أن مجيء السيد المسيح يأتي في حياتي لأني أحب أن أضع تاجي عند قدميه. نعم، إن مجيء المسيح يتحقق فيه السلام والمحبة والقداسة والبر والعدل ومعرفة الله وكثرة الخير وحلول البركة. إنه "أزمنة رد كل شيء". هل تقبله وتسبحه معي:
اذكروا لي اسم يسوع باطل كل سواه
اسمه حلو لذيذ لست أسلو ما عداه

المجموعة: نيسان (إبريل) 2017