الدكتور القس لبيب ميخائيل"إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس." (1كورنثوس 19:15)
تقوم المسيحية على دعائم ثلاث هي:
1- موت المسيح على الصليب.
"أنّ الْمسيح مات منْ أجْل خطايانا حسب الْكتب."

2- دُفن المسيح. "وأنّه دُفن."
3- قيامة المسيح. "وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب."
فالصليب هو النور الساطع في تعاليم المسيحية، فلو حذفنا الصليب من المسيحية لأضحت دينًا ميتًا لا حياة فيه. ذلك لأن الصليب هو الطريق السلطاني لغفران الخطايا، وهو الوسيلة المنطقية التي يقدر الله بها أن يكون رحيمًا وعادلاً في وقت معًا!
لكن الصليب بدون القيامة لا ينفع شيئًا، ذلك لأن القيامة هي تأكيد السماء على قبول ذبيحة الجلجثة. ونحن نرى في شريعة البرص أن الكاهن كان يأخذ عصفورين "... ويذبح العصفور الواحد في إناء خزف على ماء حي، ويأخذ خشب الأرز والزوفا والقرمز والعصفور الحيّ ويغمسها في دم العصفور المذبوح وفي الماء الحي، وينضح البيت سبع مرات، ويطهّر البيت بدم العصفور... ثم يطلق العصفور الحي إلى خارج المدينة على وجه الصحراء." (لاويين 49:14-53) فالعصفور المذبوح يرمز إلى موت المسيح الفادي، والعصفور الحي المغموس بدم العصفور المذبوح يرمز إلى المسيح المُقام من الأموات وآثار الصليب في جسده لأنه "أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا."
وعلى هذا تكون القيامة هي الأساس المؤكد لقوة الصليب، وهذا ما دفع بولس أن ينبري للدفاع عن حقيقة قيامة المسيح، له المجد، من بين الأموات. وسنتأمل في هذه العجالة في عدة حقائق توحيها إلينا قيامة السيد، له المجد.

القيامة هي دافع التفكير في الأشياء السماوية
يقول بولس الرسول في رسالته إلى كولوسي: "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض، لأنكم قد متّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله." (كولوسي 1:3-3) والرسول هنا يذكّرنا بماضينا وبحاضرنا. فمن جهة الماضي يقول: "وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا، التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم، حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية، الذين نحن أيضًا جميعًا تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا، عاملين مشيئات الجسد والأفكار، وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضًا." هذا هو ماضينا الأسود: أموات، أبناء الغضب، تحت سلطان الشيطان...
ثم ينقلنا معه إلى حاضرنا البهيج الذي جهزته لنا النعمة فيقول: "الله الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح بالنعمة أنتم مخلصون وأقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع." (أفسس 1:2-6)
وإذا كنا اليوم في مسيحنا المقام نجلس في السماويات، يجب علينا أن نسلك بحسب هذه الدعوة كأناس سماويين، فنطلب ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله.
إنه من الخطأ، بل من الخطية أن نحتفل بعيد القيامة بشرب الخمر. إن عيد القيامة هو عيد الحياة في السماويات. إنه عيد الخروج من قبور الخطية والتمتّع بحرية مجد أولاد الله. إنه عيد الانتصار على قوات الظلام. فكيف نحتفل بعيد القيامة؟

القيامة هي أساس الكرازة بالإنجيل
يردد بولس الرسول هذه الكلمات: "وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم، ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله، لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه، إن كان الموتى لا يقومون." فأساس الكرازة بالإنجيل هو القيامة. إننا نردد للمؤمنين كلمات سيدنا: "إني أنا حي فأنتم ستحيون."
إن الذين يذهبون إلى فلسطين ويزورون القبر الموجود هناك، لا يجدون فيه رب المجد، ولا ينظرون فيه ذلك الجسد الذي رقد في القبر ثلاثة أيام، ذلك لأننا لا نكرز بمسيح ميت، بل نكرز بذاك الذي قال: "أنا الأول والآخر والحي. وكنت ميتًا، وها أنا حي إلى أبد الآبدين!"
لقد اهتم رب المجد بتأكيد حقيقة القيامة للتلاميذ، فظهر لهم مرة ولم يكن توما معهم وقال لهم: سلام لكم. "وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضًا داخلاً وتوما معهم. فجاء يسوع والأبواب مغلّقة، ووقف في الوسط وقال: ‘سلام لكم.’ ثم قال لتوما: ‘هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا.’" وأمام حقيقة القيامة، انحنى توما بل سجد على الأرض وهو يهتف: "ربي وإلهي." فالقيامة هي أساس كرازتنا بإنجيل المسيح، بل هي قوة هذا الإنجيل التي قال عنها بولس: "لأعرفه وقوة قيامته."

القيامة هي أساس الرجاء
إن عيد القيامة هو عيد الرجاء! وبولس يقول لنا: "إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس." أجل! هذا حق أكيد، لأنه لا نصيب لنا في هذا العالم سوى الاضطهاد، والألم، والحرمان؟ إن رجاءنا يرتفع من الأرض إلى ما وراء المنظور! ولذا فبولس يؤكد قيامة الأموات، ليعزي قلوب المؤمنين الذين فقدوا أحباءهم قائلاً: "لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع. ولكن كل واحد في رتبته: المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه." ثم يأتي دور القيامة العامة للأشرار بعد الحكم الألفي وهذه حقائق لامعة في هذا الأصحاح الثمين.
فلماذا تدمع عيوننا لأجل الذين سبقونا؟ "‘طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن.’ ‘نعم’ يقول الروح: ‘لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم.’"
ولماذا نبكي على أطفالنا الذين استراحوا من جهاد الحياة؟ ليملأ رجاء القيامة قلوبنا ولنفرح ونبتهج وننتظر قيامة أحبائنا يوم يأتي فادينا لاختطافنا.

القيامة هي دافع الخدمة الأمينة
لنصغ إلى كلمات الرسول بعد حديثه المستفيض عن القيامة، وهو يرينا كيف يقام الجسم البشري فيقول: "يُزرع في فساد ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان ويُقام في مجد. يُزرع جسمًا حيوانيًا ويُقام جسمًا روحانيًا." ثم يهمس في آذان الإخوة قائلاً: "هوذا سرّ أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكننا كلنا نتغيّر، في لحظة في طرفة عين، عند البوق الأخير. فإنه سيُبوَّق، فيُقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغيّر." ويأتي بنا إلى هذه النتيجة الهامة: "إذًا يا إخوتي الأحباء، كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب."
فهل تعمّقنا في معرفة معنى قيامة سيدنا، فعشنا في جوّ السماويات، وقمنا بالكرازة بالإنجيل، وامتلأنا بالرجاء، وسرنا في طريق الخدمة؟ هذا هو الطريق الكتابي لذكرى قيامة السيد، وفي كل أحدٍ نحن نذكر هذه القيامة.

المجموعة: أذار (مارس) 2018