الدكتور أنيس بهنام"سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم." "اثبتوا في محبتي." "كلّمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم." (يوحنا 27:14؛ 9:15؛ 11:15)

في حديث الرب الأخير مع تلاميذه، المدوّن لنا في إنجيل يوحنا في الأصحاحات 13-17، أي إلى أن قبضوا عليه في البستان في أصحاح 18، كان كل كلامه موجّهٌ لتلاميذه، وليس للجماهير كما في الأصحاحات السابقة، وذلك ليجهّزهم لفراقه.
فابتدأ المسيح حديثه في أصحاح 13 حين غسل أقدامهم، لكي يعلمهم أوّلَ وأهمّ درس وهو التواضع والاهتمام بعضهم ببعض فلا يتساءلون عمن منهم سيكون الأعظم في ملكوت السماوات. ثم في أصحاح 14 أكّد لهم أنه لن يتركهم بل سيذهب إلى الآب ليعد لهم مكانًا، ثم يأتي ثانية ليأخذ المؤمنين به ليكونوا معه في بيت الآب حيث توجد منازل كثيرة. وفي أصحاح 15 حدّثهم عن الحياة المثمرة التي تمجّد وتفرّح الآب. ثم في أصحاح 16 أخبرهم عن الاضطهاد الذي سيجوزون فيه وأكّد لهم الانتصار. أما في أصحاح 17 فقد أدخلهم معه أمام عرش نعمة الله إذ أصغوا إلى صلاته للآب من أجلهم. وأما موضوعنا الآن فهو يدور حول ثلاث عبارات حول بركات يريد أن يشاركهم فيها، وهي: سلامه، ومحبته وفرحه.

أولاً: سلامه
قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب." (يوحنا 27:14) إنها عطية عظيمة لا يعرفها ولم يختبرها هذا العالم لأن "طريق السلام لم يعرفوه." (رومية 17:3) كم من المعاهدات التي كانت الدول تأمل أنها ستولِّد السلام في عالمنا هذا، ولكنها كلها قد فشلت. "ليس سلام، قال إلهي، للأشرار." (إشعياء 21:57) لكن الرب يسوع هو رئيس السلام (إشعياء 6:9) الذي صنع السلام بموته وصالحنا مع الله. يعلمنا الروح القدس في رسالة فيلبي 6:4 كيف نتمتع بهذا السلام حيث يقول: "لا تهتموا (أي لا تقلقوا) بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طِلباتُكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع." ليس ذلك فقط، بل إن إله السلام نفسه يكون معنا (اقرأ فيلبي 8:4-9). أيها الإخوة المؤمنين الأعزاء، إن الناس يلاحظوننا، فإن كنا نريد أن نجذبهم للرب يسوع المسيح يجب علينا أن نتّصف بسلامه في كل ظروف الحياة.

ثانيًا: محبته
"كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبّتي، كما أنّي أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته." (يوحنا 9:15-10)
يا للعجب! كما أحبّ الآب ابنه الوحيد يسوع المسيح هكذا أحبّنا هو. يا لها من كلمات جليلة تدعو إلى السجود. كلمات تؤثر على قلب المؤمن بل تأسره وتملأه بالفرح السماوي، وبالطمأنينة والسلام. تأملي يا نفسي في هذا واسجدي للآب وللابن بقوة الروح القدس. مرة أخرى دعنا نتأمل في هذه الكلمات: "كما أحبني الآب." لقد فتح الآب السماوات عند معمودية يسوع المسيح وقال: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت."
وكذلك على جبل التجلي حين رأى ثلاثة من تلاميذه لمحة من مجده وسمعوا صوت الآب يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا." (متى 1:17-8؛ مرقس 1:9-7؛ لوقا 28:9-35؛ وأيضًا 1بطرس 16:1-18) ولكن العجب، بل كل العجب هو أن هذا الابن الحبيب يسوع المسيح، كلمة الله، وموضوع محبته يؤكد لنا أنه كما أحبّه الآب هكذا أحبّنا هو. ليست هناك كلمات تعبّر عن جلال هذه النعمة. تأمل في هذا – أيها القارئ العزيز – واهتف مع الرسول بولس قائلاً: "ابن الله، الذي أحبّني وأسلم نفسه لأجلي." (غلاطية 20:2) وأيضًا "لأن محبّة المسيح تحصرنا." (2كورنثوس 14:5) بعد أن أعلن الرب يسوع المسيح لتلاميذه عن محبته لهم، قال لهم: "اثبتوا في محبتي." يا لها من نصيحة ثمينة ونافعة لكل مؤمن! فمهما كانت الظروف والصعوبات في هذه الحياة هناك امتياز ثمين لكل مؤمن إذ يمكنه ألا يتزعزع بل يثبت ثباتًا كاملاً، وذلك إذا ثبت في محبة المسيح. لقد أخبر الرب تلاميذه عما يجعلهم يثبتون في محبته. فقال لهم: "إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي. كما أني أنا حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته." (يوحنا 10:15) من يثبت في محبة المسيح لن يُغلب بالشهوات العالمية، ولن يحزن أو يضطرب بسبب الظروف الصعبة. ليتنا جميعًا نطلب من الرب أن يثبّتنا هو في محبته.

ثالثًا: فرحه
"كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويُكمل فرحكم." (يوحنا 11:15)
ما أعظم وما أعجب نعمة ربنا يسوع ومحبته! كما قال كاتب الترنيمة:
"حبّه حبّ عجيب فاق إدراك العقول"
فهو لا يغفر لنا خطايانا فقط بل يريد أن تمتلئ قلوبنا بفرحه وأن يثبت فرحه فينا، أي يكون فرحًا كاملاً ومستمرًّا. وهذا يتّفق مع ما قاله الرسول بولس للمؤمنين: "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا: افرحوا." (فيلبي 4:4)
إن فرح الرب هو قوتنا (نحميا 10:8) لقد أعطانا الرب دوافع كثيرة للفرح. "افرحوا وتهلّلوا، لأنَّ أجركم عظيم في السماوات." (متى 12:5) وهذا بالرغم من الاضطهاد. وقال الرب لتلاميذه: "بل افرحوا بالحريّ أن أسماءكم كُتبت في السماوات." (لوقا 20:10) يجب أن يكون هذا دافعًا مستمرًا يوميًّا للفرح الحقيقي. وقال إشعياء النبي: "فرحًا أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر..." (إشعياء 10:61)
وقال داود: "جعلت سرورًا في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم." (مزمور 7:4) وفي مزمور 4:92 يقول: "لأنك فرّحتني يا ربّ بصنائعك. بأعمال يديك أبتهج." ولنتأمل في كلمات حبقوق الأخيرة: "فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي. اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي." (حبقوق 17:3-19)
هذا هو انتصار الإيمان، يصحبه فرح لا يُنطق به ومجيد. والآن نختم بكلمات الرب يسوع في يوحنا 22:16 "ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبُكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم." هللويا! لنهتف قائلين: "عظّم الرب العمل معنا فصرنا فرحين."

المجموعة: حزيران (يونيو) 2019