Dr. Labib Mikhailنشرنا في العدد الماضي القسم الأول من هذه الرسالة، وها نحن نوالي نشر بقية الصفحات.

لقد طعن نفسه بسبب محبة المال بأوجاع كثيرة.
هذا يذكرنا أيضًا بعاخان بن كرمي الذي دخلت محبة المال إلى قلبه، فأخذ من الحرام واعترف ليشوع قائلاً: "رَأَيْتُ فِي الْغَنِيمَةِ رِدَاءً شِنْعَارِيًّا نَفِيسًا، وَمِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ، وَلِسَانَ ذَهَبٍ وَزْنُهُ خَمْسُونَ شَاقِلاً، فَاشْتَهَيْتُهَا وَأَخَذْتُهَا. وَهَا هِيَ مَطْمُورَةٌ فِي الأَرْضِ فِي وَسَطِ خَيْمَتِي، وَالْفِضَّةُ تَحْتَهَا." (يشوع 25:7)
لقد كدّر الرب عاخان وبيته بسبب محبة المال، وكم من أناس كدّروا أنفسهم، وبيوتهم، وأولادهم، وزوجاتهم بسبب المال، كما قال كاتب سفر الأمثال: "اَلْمُولَعُ بِالْكَسْبِ يُكَدِِّّرُ بَيْتَهُ، وَالْكَارِهُ الْهَدَايَا يَعِيشُ." (الأمثال 27:15)
هل أتاكم خبر الأطباء الذين أنفق والديهم على تعليمهم دماء قلوبهم، ثم أحبوا المال، فتاجروا في حقن المورفين، وحوكموا وسُجنوا، وهكذا طعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة.
ادرسوا قضية القنابل المشهورة، وقضية الخوذات المقلّدة، وكل قضايا السرقات والاختلاسات وأنتم ترون صدق الكلمات "محبة المال أصل لكل الشرور."
4) شر الحرمان الشخصي: عندما يقع الإنسان تحت سلطان محبة المال، يصاب بمرض البخل، فيبخل حتى على نفسه، ويصبح كالثور يدرس الحنطة لتوضع في المخازن وهو نفسه لا يأكل منها كما قال كاتب سفر الأمثال "ثروة الخاطئ تُذخر للصدّيق." (أمثال 22:13) وكما قال في سفر الجامعة: "أَمَّا الْخَاطِئُ فَيُعْطِيهِ شُغْلَ الْجَمْعِ وَالتَّكْوِيمِ." (الجامعة 26:2)
كتب بولس الرسول لتيموثاوس قائلاً: "أوصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يُلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتّع." (1تيموثاوس 17:6)
5) شر الخيانة: كم من أشخاص باعوا أخلص أصدقائهم، وأقرب المقرّبين إليهم من أجل محبة المال، تمامًا كما فعل يهوذا حين "ذهب... إلى رؤساء الكهنة وقال: ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلّمه إليكم؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلّمه." (متى 14:26-16)
لقد باع يهوذا سيده بالمال... باع المعلم الصالح... باع من رافقه أكثر من ثلاث سنين، وأمثال يهوذا اليوم يعدّون بالملايين.
6) شر التعرّض للهلاك الأبدي: عندما طلب الرب من الشاب الغني قائلاً: "بِعْ كل ما لك وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني حاملاً الصليب." فاغتمّ على القول ومضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة." (مرقس 21:10-22) قال يسوع: "يا بني، ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله. مرور جملٍ من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيّ إلى ملكوت الله." (مرقس 24:10-25)
إن الاتكال على الأموال، ومحبة المال قد تعرّض الإنسان للهلاك الأبدي.

الكلمة الثالثة: الاستخدام السليم للمال
يخطئ من يعتقد أن المال شر في ذاته، فالمسيح – له المجد – لم يقل إن المال شر، بل قال إن الاتكال على المال ومحبته هو الشر.
والمال ككل عطايا الله، يمكن استخدامه استخدامًا سليمًا، فهو كالجمال إما أن يكون لعنة أو بركة، وكالعقل الذكي، إما أن نستخدمه للخير أو لابتكار الشرور، وكالصوت الموسيقي، إما أن نستعمله في الغناء الضار، أو في تسبيح الله البار.
وإذا وضعنا المال عند قدمَي المسيح المصلوب يمكننا أن نستخدمه استخدامًا صالحًا. فكيف يمكن استخدام المال استخدامًا صالحًا؟
1- صنع الأصدقاء: قال الرب، له المجد: وأنا أقول لكم: اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية." (لوقا 9:16) وقد يسأل أحدهم: لماذا أطلق المسيح على المال اسم "مال الظلم؟" والسبب هو أن الناس في الدنيا قسمان: قسم مظلوم في ما يصل إليه من المال، وقسم ظالم فيما يأخذه من المال. والمال هو "القاسم المشترك الأعظم" في هذا الظلم. ولذلك أسماه المسيح "مال الظلم"، لا لأننا نحصل عليه بطريق الظلم، بل لأنه في ذاته "القاسم المشترك الأعظم" بين الظالم والمظلوم، وواجبنا أن نصنع أصدقاء بهذا المال، لا أصدقاء نشتريهم هنا بالهدايا والعطايا، بل أصدقاء نجدهم هناك في المظال الأبدية، ولا يمكن صناعة مثل هؤلاء الأصدقاء إلا بتوصيل رسالة الإنجيل إليهم عن طريق عطايانا في سبيل انتشار الإنجيل، وبعدئذ سوف نجد هؤلاء الذين تجددوا بالإنجيل خير أصدقاء لنا في المظال الأبدية.
2- كنز في السماء: "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا." (متى 19:6-21)
أين تكنز مالك؟ هل تكنزه حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون؟ (عدد ١٩-٢١) أو تكنزه في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون؟ وأين هو قلبك؟ هل هو في الأرضيات أو في السماويات؟
كتب بولس لتيموثاوس قائلاً: "أوصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن... يصنعوا صلاحًا وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة وأن يكونوا أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع. مدّخرين لأنفسهم أساسًا حسنًا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الأبدية." (1تيموثاوس 17:6-19)
3- التعبير عن عواطف الحب والنقاء
الله "صَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ." (أعمال 26:17) فاحذر كبرياء الغنى. "إن زاد الغنى فلا تضعوا عليه قلبًا." (مزمور 10:62) لأنه "لا ينفع الغنى في يوم السخط." (أمثال 4:11) و "لأن الغنى ليس بدائم." (أمثال 24:27) "لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا. كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ. هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَلَيْسَ هُوَ؟ لأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْنَعُ لِنَفْسِهِ أَجْنِحَةً. كَالنَّسْرِ يَطِيرُ نَحْوَ السَّمَاءِ." (أمثال 4:23-5)
في قصة لعازر والغني، أرانا المسيح رجلاً غنيًا كان يلبس الأرجوان والبزّ، وأمام بيته جلس رجل لم يعطه الله مالاً ولا صحة ولا بيتًا، وضع الله هذا الرجل المسكين أمام بيت الغني ليعطيه فرصة لتحويل أمواله إلى بنك السماء، لكن الغني أهمل العناية بأخيه الإنسان المريض الفقير... كان جامد القلب، وجامد الشعور، فلم يعبّر بماله عن أسمى وأنقى العواطف الإنسانية عاطفة الحب، والرحمة و"طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون."
حدثتنا السيدة "فلورنس تاون" مديرة ملجأ "بيت قريبي" في شيكاغو عن امرأة زارت "البيت" كانت تقيم في قرية قريبة من شيكاغو، لم يكن لها فستان جديد مناسب منذ عشر سنوات، ورأى زوجها وأولادها أنها يجب أن تشتري فستانًا، واقتصدت المرأة خمسة دولارات من بيع البيض، وقبلما زارت "البيت"، كانت قد مرّت بمحلّ بيع الفساتين واختارت ثوبًا ثمنه أربعة دولارات ونصف، وعزمت على أخذه بعد الزيارة. ولكنها عندما رأت عمل "مس تاون" في الملجأ، تأثرت كثيرًا، وأعلنت أنها ترغب كثيرًا في أن تتبرّع بالدولارات الخمسة، قائلة أنها ليست في حاجة شديدة إلى الفستان، ولم تشأ "مس تاون" أن تقبل المال في أول الأمر، ولكنها إذ رأت وجه المرأة وهو يتألّق بضياء الفرح لتقديم شيء لسيدها لم تستطع أن تحرمها ذلك الفرح.
والذين اختبروا نعمة العطاء يعرفون جيدًا أنه "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ."
في إحدى ضواحي باريس تعيش أرملة ورثت عن زوجها ثروة طائلة، فاحتارت في ثروتها، ولم ترد أن تجمدها أو تضاعفها... فراحت تفكر بعقلها وفؤادها، فهداها التفكير إلى أن الوسيلة المثلى لإنفاق ثروتها هي النهوض المادي والمعنوي بعدد من أبناء العمال الفقراء أثناء عطلاتهم الدراسية بحيث تجمع بين التربية الروحية والترفيه الرياضي.
فاستأجرت فيلا فخمة على ساحل "الكوت دازور" في نيس، أثثتها بكل المعدات اللازمة لعدد كبير من الطلاب والطالبات، وبنت في حديقتها ملاعب للرياضة كالتنس والجولف وكرة القدم، ووجهت الدعوة، وظلت في كل عطلة تستضيف حوالي مائة من التلاميذ، ممن لا تتيح لهم مواردهم المحدودة أن يستمتعوا بعطلة شيّقة على شاطئ البحر، وعينت الأرملة الجليلة مشرفين ومشرفات يقومون بخدمة ضيوفها الصغار أثناء إقامتهم، كما عينت لهم طبيبًا مقيمًا في الفيلا يسهر على صحتهم الجسدية، وقسيسًا يسهر على صحتهم الروحية. ونجحت هذه الفكرة الإنسانية نجاحًا عظيمًا... فرأت السيدة الجليلة أن تتوسّع فيها إلى حدّ إنشاء مدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط لاستضافة أكبر عدد من الشباب لحفظه من التعرّض للشرّ الذي يتولّد عن الفراغ.
فليتنا نتعلم أن نجعل من أموالنا وسيلة تعبير عن عواطفنا الإنسانية.
عرض تاجر على غنيّ أن يشتري سجادة بثلاثة آلاف جنيه، فقال الغني: "كلا، لأنني كلما دست على هذه السجادة أحسّ أن أدوس على حقّ كثير من الفقراء الذين يمكن أن أعطيهم هذا المبلغ.
4- المناداة بإنجيل الفداء: أجل يجب أن ننفق المال لإبلاغ رسالة الإنجيل للمحتاجين إليها. قال بولس الرسول: "وأما أنا فبكل سرور أنفق وأُنفق لأجل أنفسكم." (2كورنثوس 15:12)
اعرفْ كيف تحصل على المال، ولتكن وسائلك شريفة نظيفة... واعرف كيف تقتصد في المال، وليكن اقتصادك معقولاً لأنه "يوجد من يفرّق فيزداد ومن يمسك أكثر قد يزداد تعرُّضُه إلى الفقر. النَّفْسُ السَّخِيَّةُ تُسَمَّنُ، وَالْمُرْوِي هُوَ أَيْضًا يُرْوَى." (أمثال 24:11-25)
أنفِقْ في سبيل ملكوت الله...
استخدم مالك لتبليغ الإنجيل للنفوس المحتاجة، واحذر من عبادة المال، فإنه في عالم اليوم "معبود الملايين."

المجموعة: تشرين الثاني (نوفمبر) 2019