هو حوار مشروع نعرضه على من يهمه الأمر، والبحث فيه يتعلق بهوية المسيح ومن ترى يكون،

فارتأينا أن نطرح للحوار تساؤلات ثمانية، ويمكن لمن يشاء أن يتحاور بها مع نفسه في خلوة هادئة لعله يصل إلى كشف النقاب عن غموض يراود الكثيرين حول من ترى يكون هذا الكائن العجيب الذي تحيط به أسرار وأسرار تذهل العقول.

التساؤل الأول
"لماذا تميّز المسيح عن غيره بولادته من عذراء لم يمسسها رجل"؟
ألم يكن في زمانه رجال ونساء ليولد المسيح من أي زوجين منهم؟! ما الحاجة لمثل هذا الاستثناء في وجود عناصر طبيعية بوفرة للقيام بالمهمة؟!
وهل يحتاج العطشان إلى معجزة فوق العادة لإرواء ظماءه وهو يجلس عند نبع من الماء الصافي ولا يعيقه شيء للوصول إليه؟
وهل يُعقل أن الله يصنع معجزة بلا هدف يرمي إليه؟ ولا سيما أن المعجزة بقيت في سر الكتمان لأكثر من نصف قرن، دون أن يعلم بها العامة، ولم تكن مثار جدل بين الناس من معارف العذراء، ولم يتساءل عنها أحد طوال حياة المسيح على الأرض، وبقي الأمر خفيًّا إلى أن نطق الوحي وكشف عن السر على أفواه رسل المسيح عندما كتبوا الإنجيل بعد نصف قرن من ميلاده!
والدليل موثّق يجده القارئ في إنجيل لوقا الأصحاح الرابع، حين دخل المسيح إلى مجمع اليهود فأعطوه فصلًا بأوضح ما في كلمة الله ليقرأها على الحضور، فقرأ وعلّق عليها بشروحات أذهلت الحضور فقالوا: من أين لهذا هذه الحكمة! أليس هذا هو ابن يوسف؟! هذا يعني أن أهل مدينته حتى بعد ثلاثين عامًا من ميلاده ما زالوا يفهمون أن يسوع هو ابن يوسف وأمه مريم، دون علمٍ بمعجزة الولادة من عذراء (إنجيل لوقا أصحاح 4؛ وإنجيل يوحنا أصحاح 6).

التساؤل الثاني
لماذا تميز المسيح بأن أشار إليه جميع سابقيه من أنبياء قبل ميلاده بقرون عديدة فذكروا اسمه الصريح: "المسيح" وأنبأوا عن حتمية ولادته من عذراء، وأكدوا أنه سيولد في بيت لحم، وتحدثوا عن هويته بأوضح تعبير، وأنه سيُصلب مثقوب اليدين والرجلين لفداء البشرية؟
فما سر اهتمام سابقيه من أنبياء بكل هذا الزخم من نبوءات واضحات قبل ميلاده بزمن طويل؟

التساؤل الثالث
لماذا تميز المسيح بصنع المعجزات بهذا الزخم الهائل؟
ومن هذه المعجزات: معرفة الغيب، وإحياء الموتى، وانتهار الأرواح الشريرة التي كانت تندحر مولولة، وشفاء أمراض مستعصية لا علاج لها كالبرص والخرس، والصمم، والشلل، والعمى، حتى أنه خلق البصر لرجل وُلد أعمى بغير بصر... ومنها إطعام خمسة آلاف إنسان من خمسة أرغفة وسمكتين كانت بحوزة صبي بين الجموع – جاء بها لقوت يومه - فباركها وأعطى تلاميذه فوزعوا على الجموع، فشبع الجميع وفضل عنهم اثنتا عشر قفة من كسر الطعام! أليست هذه عملية خلق؟ وإلا فمن أين جاءت هذه الكميات من الطعام؟

التساؤل الرابع
لماذا تميز المسيح بأن عاش ثلاثًا وثلاثين سنة ولم يتزوّج أو يمتلك بيتًا يأوي إليه؟
ففي ميلاده لم يكن له مكانًا يولد فيه، فوُلد في مغارة كانت خانًا للمواشي... والجحش الذي امتطاه يومًا في احتفال الجموع به كان مُستعارًا... والأرغفة الخمسة التي أشبع بها الآلاف قدّمها له صبي صغير من بين الجموع... والقبر الذي دُفن فيه ومنه قام كان لغيره... فالسؤال هنا: لماذا لم يكن له من حطام الدنيا ولو بيتًا يأوي إليه كلما احتاج؟
ولماذا لم يتزوج بخلاف سائر الأنبياء؟ فبعضهم تزوّج أكثر من مرة، واقتنى أكثر من زوجة، علمًا بأن المسيح ما نادى يومًا بالعزوف عن الزواج، فما السر في ذلك؟

التساؤل الخامس
"إن كان المسيح مجرد مخلوق بشري، فما المصير الذي وصل إليه بعد أن انتهت المهمة التي جاء من أجلها؟ فالأنبياء يأتون ويقومون بمهامهم في خدمة الرسالة المكلفون بها ثم تنتهي ويرحلون وقبورهم بيننا، أما المسيح فعلى فرض أن مهمته انتهت ومات، إذن أين استقر جسده؟
وإن لم يمت، أين استقر به المطاف؟
في مدينة القدس معلم كنسي له قدسيته هو كنيسة القيامة، يزورها الحجاج من كل بلدان العالم، وفيها قبرٌ للمسيح بعد صلب وقيامة في ذات الموقع؛ القبر داخل الكنيسة محفور في الصخر... إنما القبر فارغ نظيف مُشرّع الأبواب، لا جثة فيه ولا عظام... فأين الجثة؟
وما مصير الذي انتهى إليه صاحبها؟

التساؤل السادس
عاش المسيح على الأرض ثلاثًا وثلاثين سنة، فعلّم وبشّر وصنع ما صنع من معجزات، ثم انتهت المهمّة التي جاء من أجلها وغاب، وسجل الوحي أنه سيعود، وهي حقيقة يؤمن بها مسلمون ومسيحيون. إنما السؤال: كيف سيعود المسيح إلى أرض غاب عنها منذ ألفي عام؟ فإن كان قد مات قبل رحيله، هل سيعود الموتى إلى هذه الأرض الفانية بعد أن تركوها؟ وإن عاد، فهذا دليل بأنه كان حيًّا خلال فترة غيابه الطويلة، فهذا الكائن الحي في مثل هذه الحالة، من ترى يكون؟

التساؤل السابـع
هناك تميّزٌ للمسيح عمّ البشرية كلها، فتقويم ميلاده أجمعت عليه كل شعوب الأرض ليكون تقويمًا عالميًا لجميع الشعوب. فالتساؤل الآن: ما الذي وجدوه في المسيح من تميُّزٍ استحقّ أن تتبنّى كل الشعوب تقويم ميلاده في كل دائرة الأرض؟
والشعوب عادة في خلاف دائم في كل ما يُطرح للبحث.

التساؤل الثامن
رسالة المسيح كانت وما زالت رسالة سلام، فهو أدان أدوات الحرب وأساليب القتال، ومن بين ما نادى به وعلم قوله: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم." (إنجيل متى أصحاح 5) وقال يومًا لأحدهم: "رد سيفك إلى غمده، لأن الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون." (إنجيل متى أصحاح 26) فالمسيح الذي نادى بهذا وعلّم، كيف انتشرت ديانته بهذا الاتساع حتى شملت قارات بكاملها دون حرب أو قتال يُرغم الناس في الدخول في دينه، ثم إن الشعوب التي دخلت المسيحية، دخلتها براحتها دون تهديد أو وعيد، ودون قتال أو إذلال! ألا يُشكل هذا مؤشرًا يدعو للتساؤل والبحث في "من ترى يكون هذا الكائن العجيب الذي يُدعى المسيح؟
بنعمة الرب، سنحاول أن نلقي الضوء على هذه التساؤلات الثمانية للتوضيح في أعداد قادمة بمشيئة الله.

المجموعة: آب (أغسطس) 2019