لا شكّ أنّ البحث التكنولوجي والهندسية الميكانيكية في مجتمعاتنا الحديثة تركت أثرًا كبيرًا في مجال برمجة الذكاء الاصطناعي المعروف حديثًا Artificial Intelligence وتطويره.

ومن بين هذه الاكتشافات المذهلة الروبوتات التي تعمل بشكلٍ آليّ وتُسيّر بواسطة الألياف الكهربائية التي تعمل كدماغ الإنسان.
أما الهدف الأساس من وراء هذه الاكتشافات فهو خَلق أو تطوير برامج [السيطرة عن بُعد] وتحريك الآلات أو حتى الأشياء من خلال الفكر والعقل، ما عُرف حديثًا بالأنظمة المسيطرة، أو Engineered Control Systems.
إن هندسة وتطوير الآلات الميكانيكية مثل السيّارات والطائرات والروبوتات تتطلّب تطوير أنظمة شديدة التعقيد. قد تختلف هذه الأنظمة فيما بينها، إلا أن الأمر الثابت هو أنها تعمل على مستوى من الذكاء يحاكي إلى حدٍّ بعيد ذكاء عقل الإنسان. لنأخذ مثالاً على ذلك الطائرات بدون طيّار والتي تعمل ضمن أنظمةٍ هندسية تتحكّم بالمشغّلات والأجنحة وأجهزة الكومبيوتر التابعة لها. وعلى نحو مماثل، إلا أنه يفوق هذه التقنيات بتعقيداتها أشواطًا كبيرة، نرى غاية الدقّة في تكوين جسم الإنسان الذي يتألّف من أنظمة هندسية أتوماتيكية وبيولوجية معقّدة سبقت عصر التطوّر التكنولوجيّ الحديث العهد وذلك منذ خَلْق الإنسان الأول قبل آلاف السنين. وإذا أخذنا أجهزة الجسم البشريّ كلٌّ على حدة وهندسناها من جديد، يُدرك الباحث تعقيداتها ودور الأجهزة العصبية والهرمونية في تشغيل آلة الجسم بذكاءٍ استثنائي.
لنأخذ دور هرمونات النموّ Growth Hormones، ودورها البيولوجي الذكيّ الهام. يعرف الكثيرون أهمية هذه الهرمونات في التأثير على كيفية تفاعل الإنسان مع محيطه وأيضًا على وظائف الجسم المختلفة وذلك من خلال شبكة من الاتّصالات العصبية والدموية المعقّدة. وعندما نتكلّم عن جهاز الغدد الصمّاء المسؤول عن إفراز هذا الكمّ والتنوّع من الهرمونات البشرية، نتساءل بدهشة عن كيفية عملها المنسّق هذا. إن أحد أهم وظائف الهرمونات هي تحديد كيفية نموّ جسم الإنسان وأنسجته منذ ما قبل الولادة وحتى خلال حياة الإنسان. إن تركيبة الهرمونات الكيميائية مهمّةٌ جدًا من ناحية التأثير على مختلف أنسجة الجسم وخلاياه وبالتالي تحفيزها للعمل والتواصل ضمن شبكة من التفاعلات البيولوجية التي تُظهر هندسة رائدة في علم التكوين. ومن أوجهٍ كثيرة، نرى أن الهرمونات تُشكّل مركز الثقل الكيميائي في الأنظمة التي تتحكّم بمفاصل العمل الفيزيولوجي لجسم الإنسان. سنأخذ على سبيل المثال لا الحصر بعض النماذج في هذا الإطار:
 بدايةً، تتأثّر الغدد الصمّاء والهرمونات التي تُفرزها، بعوامل خارجية تتفاعل مع كيميائيات الخلايا بشكلٍ تنسيقيٍّ رائع.
 ثم بناءً على هذه التفاعلات، يبدأ تكوين المنطق البيولوجيّ الذي من خلاله تتجاوب الخلايا والأنسجة مع إفراز الهرمونات المتنوعة وتتفاعل بانسجامٍ معها.
 أخيرًا، نرى تأثير هذه الهرمونات في شتّى الميادين البيولوجية مما يساهم في تنظيم تجاوبها مع الأنظمة الكيميائية وأداء وظائفها في تطوير جسم الإنسان على أكمل وجه.
هذه الأنظمة البيولوجية الأتوماتيكية تكشف عمقًا ذكيًا لآلة الجسم البشري الخاضع لتفاعلاتٍ كيميائية منظّمة. وكأني بهذه الروبوتات الهرمونية تعمل بدون توقّف لضمان استمرارية العمل الفيزيولوجي بشكلٍ دقيق. والجدير بالذكر أيضًا أنّ جهاز الغدد الصمّاء هذا يعمل بالتنسيق الوثيق مع الجهاز العصبيّ وإن كانا جهازين منفصلين. وفي بحثنا عن الرابط بين الاثنين، تبيّن للعلماء وجود نسيج خلويّ في دماغ الإنسان يُعرف بالغدّة النخامية، أو Hypothalamus، يقع في القسم الأوسط من الدماغ ويعمل كجهازٍ هرموني - عصبيّ للتواصل مع الغدد والهرمونات الكثيرة الموجودة في خلايا الجسم. إن دور الغدّة النخامية يساهم في التحديد الأتوماتيكي للتفاعلات الكيميائية التي من شأنها ضمان المهمّات الفيزيولوجية كافّةً وبالتالي استمرارية الحياة وروعتها البيولوجية اللاّمتناهية. ومما يلفت النظر في الموضوع أنّ الإنسان لا يعرف بحدوث هذه التفاعلات داخل خلاياه ولا يُدرك أن الهرمونات تعمل أوتوماتيكيًا كروبوتاتٍ حيّة تضمن سلامة وظائف الجسم.
مَن يقف إذًا خلف هذه الدقّة اللاّمتناهية في الإبداع؟
لا شكّ أنّ أصل هذه الأنظمة وتعقيداتها الهندسية المتشابكة بل المتناسقة هو إنتاجٌ إلهيّ فائق الذكاء. إنه ليس منطقيٌ على الإطلاق الادّعاء الكاذب أنّ هذه الهندسة هي وليدة الصدفة كما تدّعي نظرية داروين في النشوء والارتقاء. فمَن هندس هذه الروبوتات الخلوية يُدرك إدراكًا وثيقًا بكيفية عملها وتنظيمها، حيث أن تعقيداتها البيولوجية تنسجم انسجامًا كاملاً مع عظمة الفكر الإلهي في الخَلق والتنظيم؛ وأستطيع أن أرى هذا التكوين في فكر الربّ يسوع المسيح الخالق العظيم – "الذي، وهو بهاءُ مجدِهِ، ورسمُ جوهرِهِ، وحاملٌ كلّ الأشياءِ بكلمةِ قدرتهِ، بعد ما صنع بنفسهِ تطهيرًا لخطايانا، جلس في يمينِ العظمة في الْأعالي." (عبرانيين 3:1)
وبناءً على ذلك، فإن ردّة فعلنا تجاه هذا الإبداع هو الدهشة والتسبيح والخضوع!
"لِأنّك فرّحتني يا ربّ بصنائعك. بأعمال يديك أبتهج. ما أعظم أعمالك يا ربّ! وأعمق جدًّا أفكارك." (مزمور 4:92-5)

المجموعة: آب (أغسطس) 2019