"لا تَضلّوا: لا زناة ولا عبدة أوثانٍ ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجِعو ذكورٍ، ولا سارقون ولا طمّاعون ولا سكّيرون ولا شتّامون ولا خاطفون يرِثون ملكوت الله.

وهكذا كان أناس منكم. لكنِ اغتسلتمْ، بلْ تقدّستم، بل تبرّرتم بِاسم الرّبّ يسوع وبروح إلهنا." (1كورنثوس 9:6-11)
كان لأهل كورنثوس شهرة رديئة بسبب فساد أخلاقهم، حتى أن الآخرين كانوا يصفون الشخص القبيح الأخلاق بأنه كورنثي. ولكن الرب يسوع كان يُعرف بأنه "محب للعشارين والخطاة." (متى 19:11) قال عن نفسه: "لم آتِ لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلى التوبة." (مرقس 17:2) كما قال أيضًا: "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك." (لوقا 10:19) أرسل الرب الرسول بولس إلى كورنثوس حيث انتشر الشر والفساد. ويبدو أن الرسول بولس أراد أن يغادر كورنثوس، "فقال الرب لبولس برؤيا في الليل:
[لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك، لأن لي شعبًا كثيرًا في هذه المدينة.]
فأقام سنة وستة أشهر يعلّم بينهم بكلمة الله." (أعمال 9:18-11) فكانت النتيجة أن كثيرين آمنوا وتأسست هناك كنيسة كبيرة كتب لها الرسول بولس رسالتين. في رسالته الأولى عالج مشاكل كثيرة، منها التهاون في حياة القداسة لدرجة أنها أصبحت واضحة حتى قال لهم: "يُسمع مطلقًا أن بينكم زنى!" (1كورنثوس 1:5) أي كان هذا معروفًا عند الكثيرين. وكذلك كانت بينهم خلافات وخصومات، ومحاكمات لدى المحاكم الوثنية، إذ لم يكن بينهم مَنْ عنده الحالة الروحية التي تمكّنه من حلّ هذه المشاكل بدون اللجوء إلى القضاة الوثنيين. قال لهم الرسول بولس أنه أفضل للمؤمن أن يضحّي ويتنازل عن حقوقه نحو مؤمن آخر، أي يحتمل الظلم بدل أن يَظلِم. والحقيقة أن ما جاء في رسالة كورنثوس الأولى هو نافع، بل لازم لنا نحن في هذه الأيام التي يسود فيها الضعف الروحي بيننا نحن المؤمنين، حتى أن كثيرين لا يبالون بالقداسة "التي بدونها لن يرى أحد الرب." ليتنا نصغي إلى ما جاء عن الكنيسة التي في لاودكية في رؤيا 14:3-22، لأن لنا فيها إنذارات خطيرة – لا سيما أن مجيء الرب قد اقترب جدًا. إلا أن الهدف الأساسي من هذا المقال هو التأمل في نعمة الله. هذه النعمة التي تصل إلى أشرّ الناس وتحوّلهم إلى قديسين مهيّئين إلى الوجود في السماء مع الرب يسوع المسيح. فهو يتكلم عن الظالمين، والزناة، وذوي الشذوذ الجنسي (الأمر الذي انتشر في أيامنا هذه)، وعن اللصوص، والخاطفين، وغيرهم من الأشرار والمجرمين، إذ يقول: "وهكذا كان أناس منكم!" وهنا نقف لحظة لنتأمل في هذه النعمة العجيبة التي تقبل مثل هؤلاء، بل تدعوهم وترحب بهم. ونتساءل: ماذا حدث حتى أمكن لهؤلاء أن يكونوا في كنيسة كورنثوس، الذين يخاطبهم الرسول في افتتاحية الرسالة بالقول: "كنيسة الله التي في كورنثوس المدعوّين قديسين"؟ الجواب هو في قوله: "لكن اغتسلتم، بل تقدّستم، بل تبرّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا."
والآن لنتأمل باختصار في هذه الكلمات الجميلة:

أولاً: اغتسلتم
وهذا يدلّ على أن الإنسان في ذاته نجس يحتاج إلى الاغتسال.
يقول الروح القدس: "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، من يعرفه؟" (إرميا 9:17)
بماذا يغتسل الإنسان؟
أولاً، وقبل كل شيء يغتسل بدم المسيح. "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية." (1يوحنا 7:1) فنحن المؤمنون جميعًا قد اغتسلنا بغسل الميلاد الثاني (انظر تيطس 4:3-5). بدون الاغتسال على أساس دم المسيح لا يمكننا أن نقترب إلى الله.
لماذا غسل المسيح أقدام تلاميذه؟ (انظر يوحنا 13) "قال له سمعان بطرس: [يا سيد، ليس رجليّ فقط بل أيضًا يديّ ورأسي.] قال له يسوع: "الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كله.]" وقوله: "الذي قد اغتسل" يشير إلى غسل الميلاد الثاني الذي هو على أساس دم المسيح. أما غسل الأرجل فيشير إلى سلوكنا الذي يحتاج إلى الغسل اليومي، وهو بالماء الذي هو كلمة الله.

ثانياً: تقدستم
التقديس هو الانفصال عن شيء والتخصيص لشيء أو شخص آخر. مثل قول الرب لموسى: "قدّس لي كل بكر، كل فاتح رحم من بني إسرائيل، من الناس ومن البهائم. إنه لي." (خروج 1:13) فكل مؤمن حقيقي قد تقدّس إذ أصبح ملكًا للرب، لا لنفسه. ولكن هناك طبعًا التطبيق العملي إذ يصبح السلوك مناسبًا لهذا الانتساب الجديد. وعلى أساس هذا التقديس – أي الانتساب الجديد يخاطب الرسول المؤمنين في رسائله بأنهم القديسون أو المقدسون في المسيح يسوع.
ونكرر القول بأنه يجب على المؤمن أن يسلك السلوك اللائق بهذه النسبة الجديدة، لكيلا يجلب العار على اسم مخلصه، الرب يسوع المسيح.

ثالثًا: تبررتم
أي أصبحتم أبرارًا بعد أن كنتم أشرارًا، فصرتم كأنكم لم تذنبوا أبدًا. التبرير هو الموضوع الأساسي في الرسالة إلى رومية من الأصحاح الأول إلى الثامن. ومنها نتعلم عدة حقائق أساسية:
نتعلم أن جميع الناس يحتاجون إلى التبرير: "لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله." (رومية 22:3-23)
وأن هذا التبرير هو على أساس الفداء، إذ يقول: "متبرّرين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع بالمسيح." (عدد 24) وفي رومية 1:5 "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح."
هذا البرّ يُمنح لنا، أي يُحسب لنا "الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات، الذي أُسلم (أي للموت) من أجل خطايانا، وأُقيم لأجل تبريرنا." (رومية 24:4-25)
ليت القارئ العزيز يتأمل بتمعّن فيما جاء في رومية 1:5-11 فيمتلئ قلبه بفرح "لا يُنطق به ومجيد."
وأخيرًا، يقول: "باسم الرب يسوع وبروح إلهنا." نعم، باسم الرب يسوع، "لأن ليس اسمٌ آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص." (أعمال 12:4)
"وبروح إلهنا" – أي الروح القدس، فهو الذي أيقظ ضمائرنا وقادنا إلى التوبة وأوجد فينا الولادة الثانية، أي الولادة الجديدة – كما جاء في يوحنا 16:3.

تعليق:
أولاً، التغيير العجيب الذي ينتج عن الإيمان بالمسيح هو أقوى دليل على صحة البشارة. فليس هناك تغيير مثل هذا بأي طريقة أخرى.
ثانيًا، هذه الآيات تشجّع حتى أشرّ الخطاة على التوبة والإيمان بالمسيح. لذلك قال الرب يسوع: "من يُقبل إليّ (مهما كانت خطاياه) لا أخرجه خارجًا."
ثالثًا، كما أنه يشجّع المؤمن بتقديم بشارة الخلاص حتى لأشرّ الناس.
ليتنا جميعًا نحمد الرب على هذه النعمة العجيبة. آمين!

المجموعة: آب (أغسطس) 2019