القس منير سليمانلا يختلف اثنان من المؤمنين على أنه لا شيء مستحيل عند الله، ولا يقف أمامه أي أمر صعب مهما كان، لأن "عند الله كل شيء مستطاع." (متى 26:19)

لما ضحكت سارة قائلة: "أفبالحقيقة ألد وأنا قد شخت؟" قال الله لإبراهيم: "هل يستحيل على الرب شيء؟ في الميعاد أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة ابن." (تكوين 14:18) وصار كما قال. وبعد اختبار أيوب الطويل مع الرب قال: "قد علمت أنك تستطيع كل شيء، ولا يعسر عليك أمر." (أيوب 2:42)
وقد تبرهنت هذه الحقيقة أمام عيون البشرية بطرق كثيرة، فنرى الله القادر على كل شيء في الخليقة. "السماوات تحدِّث بمجد الله، والفلك يُخبر بعمل يديه." (مزمور 1:19) و"اَلَّذِي صَنَعَ الثُّرَيَّا وَالْجَبَّارَ، وَيُحَوِّلُ ظِلَّ الْمَوْتِ صُبْحًا، وَيُظْلِمُ النَّهَارَ كَاللَّيْلِ. الَّذِي يَدْعُو مِيَاهَ الْبَحْرِ وَيَصُبُّهَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، يَهْوَهُ اسْمُهُ." (عاموس 8:5) وأيضًا نلمس هذه الحقيقة في معجزات السيد المسيح الكثيرة والمتنوعة، وكذلك معاملات الرب مع البشرية عامة والمؤمنين خاصة، وفى إتمام مواعيده في حياتنا كل يوم، وتحقيق النبوات التي جاءت على فم أنبيائه في الكتاب المقدس. نعم، فهو الصادق والأمين القادر على كل شيء.
لكن عندما نقول: "غير مستحيل عند المؤمن" حسب قول المسيح: "كل شيء مستطاع للمؤمن،" (مرقس 23:9) يعترضنا الكثير من الصعوبات، وتقفز في أذهاننا عدة تساؤلات؛ على سبيل المثال، فنحن لسنا الله ولا مثله، الذي كل شيء مستطاع عنده، وفى حياتنا نواجه يوميًّا مشاكل لا نجد لها حلًّا، أمراضًا مستعصية لا علاج لها، اضطهادات وقطع الرقاب، وحرق الكنائس، والظلم، والقهر، وجبالًا من الصعاب للصعود عليها، إلخ... فكيف نقول لا شيء مستحيل عند المؤمن؟
الجواب يأتي من الله شخصيًا، فهو القادر على كل شيء والذي يعرف كل شيء، هو الذي أجاب بفمه الطاهر الرجل الذي كان ابنه مصروعًا ويعاني الألم، عندما سأل المسيح قائلًا: "[إن كنت تستطيع شيئًا فتحنّن علينا وأعنّا.] فقال له يسوع: [إن كنت تستطيع أن تؤمن. كل شيء مستطاع للمؤمن.] فللوقت صرخ أبو الولد بدموع وقال: [أؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني.]" (مرقس 22:9-24) عندئذ شفى يسوع الولد.
ويؤكد المسيح هذه الحقيقة مرات عديدة. على سبيل المثال، وعدنا قائلًا: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا لأَنِّي مَاضٍ إِلَى أَبِي. وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذَلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالاِبْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ." (يوحنا 12:14-14)
ولقد اختبر الرسول بولس هذه الحقيقة فقال: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني." (فيلبي 13:4) إن اختبارات رجال الله في العهدين القديم والجديد، واختباراتنا أيضًا تؤكد هذه الحقيقة، فما أكثر المعجزات التي يجريها الله في حياتنا كل يوم.
بالإضافة إلى كل هذه، نستطيع أن نقول: لا شيء مستحيل للمؤمن، لأن سلطانه مستمدٌّ من سلطان الله القادر على كل شيء.
قال الراحل الدكتور القس إبراهيم سعيد: "هناك ثلاثة أمور إذا اقترنت معًا، محت بأناملها الرقيقة كلمة [مستحيل] من الوجود وهي: شدة الله القادر، صلاة الإنسان المضطرّ، وقوة الإيمان المقـتدر."
في إنجيل يوحنا، والآيات التي ذكرناها آنفًا (12:14–15) يذكر لنا هذه الأمور الثلاثة: أن نسأل باسم الرب يسوع المسيح، الله القادر. وأن نسأل بإيمان. وأن نسأل ونطلب في الصلاة. وعندما تتّحد هذه فمهما سألنا يكون لنا.

الإيمان
أضيف هنا شاهد آخر معروف للكثيرين ونردّده كثيرًا. ولكن البعض لم يختبره في حياتهم العملية – "فقال لهم يسوع: [لعدم إيمانكم. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ." (متى 20:17) ومن الذين اختبروا فاعلية هذا الوعد كالب ابن يفنة ويشوع بن نون، فبعدما تجسّسوا الأرض وقف الرجال العشرة الذين ذهبوا معهم معترضين ومشكّكين، يقول الكتاب: "وَأَمَّا الرِّجَالُ الذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: «لا نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلى الشَّعْبِ لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا». فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ التِي تَجَسَّسُوهَا فِي بَنِي إِسْرَائِيل قَائِلِينَ: «الأَرْضُ التِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا. وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ القَامَةِ. وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الجَبَابِرَةَ (بَنِي عَنَاقٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ). فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالجَرَادِ وَهَكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ." (يشوع 31:13 و33) أما كالب ويشوع، فيذكر الكتاب عنهما: "لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلى مُوسَى وَقَال: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا.»" وامتلكوا الأرض بالرغم من كل الصعاب والحروب.
وماذا عن نازفة الدم التي تحدّاها المرض لاثنتي عشرة سنة، وأخفق الأطباء الذين أنفقت كل معيشتها عليهم وصارت إلى حال أردأ. لكنها قالت: "لو مسست هُدب ثوبه شُفيت." ومست هدب ثوب المسيح فنالت الشفاء، وقال لها المسيح: "يا ابنة، إيمانك قد شفاك. اذهبي بسلام وكوني صحيحة من دائك."
وماذا عن إبراهيم ورجال الإيمان في عبرانيين 11 وغيرهم؟
وماذا عن جورج موللر الذي عالَ آلاف الأيتام وهو لا يملك شيئًا إلا الإيمان؟ وهل زرت أيها القارئ الكريم - الصرح العظيم لملجأ لليان ترشر في مدينة أسيوط بمصر؟ الذي تخرج منه مئات الأيتام الذين تبوّؤوا وظائف ومناصب عظيمة! بدأت لليان ترشر هذا العمل الكبير بالإيمان فقط في أوائل القرن العشرين وهو مستمر حتى الآن! إذ يعتبر قرية أو مدينة متكاملة الخدمات. وقد أشاد بها المسؤولون في مصر وشهدوا لها فأطلقوا عليها اسم "الملجأ".

ما هو نوع الإيمان الذي يتحدّى المستحيلات؟

الإيمان الذي لا يشك قط في قدرة الله: "لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهَذَا الْجَبَلِ انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ." (مرقس 23:11)

الإيمان الذي يثق ويتيقن ويتوقع الاستجابة: لأن "الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا تُرى." (عبرانيين 1:11)

الإيمان الذي يحيا الحياة المقدسة: لأنه قال: "اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب." (عبرانيين 14:12)

الإيمان البسيط: قيل لأحد المؤمنين مرة: إيمانك عظيم! فأجاب قائلًا: إيماني صغير، ولكن إلهي عظيم!
أجل، الإيمان الذي يتحدّى المستحيلات هو الإيمان المتّحد بالصلاة.
هذا هو وعد المسيح لنا:
"ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجّد الآب بالابن."
ثم يؤكده مكررًا: "إن سألتم شيئًا باسمي فإني أفعله." وقد اختبر مؤمنون كثيرون فاعلية هذا الوعد الذي أكّده المسيح مرارًا كثيرة. أذكر على سبيل المثال صلاة يعقوب الذي قال للرب: "لا أطلقك إن لم تباركني." فنال البركة وتغيرت حياته تمامًا. وماذا عن حنة المرأة العاقر المتألمة التي سكبت نفسها أمام الرب، فأعطاها ابنًا، هو صموئيل النبي؟ وماذا عن إيليا النبي الذي صلّى فأغلق السماء فلم تمطر ثلاث سنين وستة أشهر، ثم صلى فأمطرت. والقائمة تطول عن رجال الله الذين تحدّوا المستحيل بالإيمان والصلاة.

لكن ما هي الصلاة التي تتحدّى المستحيلات؟

إنها صلاة المتواضع المنكسر أمام الرب. "القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره."
"قريب هو الرب من المنكسري القلوب، ويخلّص المنسحقي الروح." (مزمور 18:34)

إنها صلاة القلب النقي: "إن راعيت إثمًا في قلبي لا يستمع لي الرب."
(مزمور 18:66)

إنها صلاة الحاجة واللجاجة: "وادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني."
(مزمور 15:50)

ربما تقول مع الكثيرين:
من المستحيل تجديد شريك حياتي!
من المستحيل تغيّر الشباب وتجديدهم في هذا العصر، وكذلك تحوّل الملحدين والذين من خلفيات متشددة!
من المستحيل فتح الكنائس التي تغلقها السلطات بسبب التعصب والتشدّد!
من المستحيل أن يشفى الله ذوي الأمراض المستعصية كالسرطان...
ربما تقول: مستحيل! ولكن، غير المستطاع عند الناس، مستطاع عند الله! فعندما يتّحد الإيمان ويرتبط بالصلاة ومشيئة الله معًا، فكل شيء يكون مستطاعًا للمؤمن في المسيح يسوع.

المجموعة: آب (أغسطس) 2019