تناول القسم الأول من العظة تزامن وباء الكورونا مع وباءً من نوع آخر، هو وباء الهمّ والهلع والخوف الذي اجتاح كل أنحاء العالم...

لكننا نسمع صوت الرب الحنون يقول: "لا تقلقوا... اطلبوا ملكوتَ الله، وهذه كلُّها تُزاد لكم. لا تخف، أيها القطيع الصغير، لأنَّ أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت." (لوقا 29:12-32) هناك أربعةُ أسباب وثوابت في هذا العدد وحده، الذي يعطيكَ الطمأنينة لغَدِك ومستقبلك: أولاً، الرعاية الربانية الإلهية. وثانيًا، المحبّة الأبوية... وإليك فيما يلي بقية العظة:

ثالثًا: الحصانة الملوكية
لا تخف أيها القطيع الصغير لأنَّ أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت. حصانتُك ليست هي أميركا! التقيتُ بطبيبٍ لبناني هو صديق لي في مستشفى أندرسون وكان يلبس الكِمَامة. حيَّيته وتمشَّينا سويًا وسألته: هل كلُّ شيء على ما يُرام؟ قال هربنا من لبنان لأنَّ الدولة فشِلَت وأصبحت الدُّنيا فوضى وحرب وأتينا إلى هنا. لكن الآن إلى أين سنهرب؟ قلت له: إلى فوق إلى ملكوت الله الذي لا يتزعزع. أين هي ضمانتُك أنت؟ هل هي أميركا؟ الصين؟ الأردن؟ روسيا؟ لبنان؟ فلسطين؟ مصر؟ إنما هو ملكوتٌ ثابت لا يتزعزع وملِكٌ غيرُ قابلٍ للطَّعن أو المحاكمة. بل هو لا يتغيّر كلَّ أربع سنوات أو يُعاد انتخابُه! فمرحى لكَ إذا كنت جزءًا من هذا الملكوت حتى ولو اعترضوا عليه. فالكلُّ سيركع يومًا ما وكلُّ ركبة ستنحني وكلُّ لسانٍ سيعترف بأنَّ الرب يسوع المسيح هو ملكُ الملوك وربُّ الأرباب. القضية جديَّة وليست هَزْلًا. احتقروه وأذلّوه لكن سيأتي ملكُ الملوك ورب الأرباب! "فقوله [مرة أيضًا] يدلُّ على تغيير الأشياء المتزعزعة كمصنوعة، لكي تبقى التي لا تتزعزع. لذلك ونحن قابلون ملكوتًا لا يتزعزع ليكن عندنَا شكرٌ به نخدم الله خدمةً مرضية، بخشوعٍ وتقوى." (عبرانيين 27:12-28) إذن، مصيرُنا لا يتوقَّف على مَن يكون رئيسًا في البلاد التي نعيش فيها، لأنَّ مملكتَنا ليست من هذا العالم. عندَنا حصانةٌ ملوكية. "وأما عن الابن: كرسيُّك يا الله إلى دهر الدهور. قضيبُ استقامةٍ قضيبُ مُلْكِك." (عبرانيين 8:1) ويقول: "الذي أحبَّنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه." (رؤيا 5:1-6) ولكي تختبرَ إذن هذه الحصانة الملوكية عليكَ أن تقبلَه كملِك وكَرَبّ على حياتك.
يفكّر البعض بأنَّنا نستطيع أن نقبلَ الرَّب ونعيش حسب ذوقنا، لا أبدًا! إذا كنتَ لا تعيش باعتبارك أن الله ليس هو الأول والأخير يملكُ على حياتك وتقول أنا عندي حصانة... فإن هذا العيش غيرُ صحيح. إذا كنتَ تريد أن تعيشَ بالخطية لا تقول عندي حصانة. يقول: "هناك شدةٌ وضيق على كل نفس إنسان يفعلُ الشر اليهودي أولًا ثم اليوناني." (رومية 9:2) فدَعْ المسيح يكونُ الأوّلَ ويملِك فعلًا على حياتك ويسيطر عليها. من هنا تأتي أهميةُ الامتلاك والامتلاء بالروح القدس، أي روح الله، روح المسيح فيكون لديه سلطانٌ على حياتك. يقول الرب يسوع: "دُفع إليَّ كلُّ سلطان" (متى 28:18). "وأما كلُّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولادَ الله." (يوحنا 12:1) فإذا كنتَ تريد أن تشارك بهذا السلطان يجب أن تكونَ خاضعًا للسلطان الإلهي في كل وقت، والدعوة هي لكلِّ واحد منا.
هل تعرف أنَّ مَلكَةَ إنكلترا تملِكُ لكنَّها لا تحكم، لأنَّ رئيس الوزراء هو الذي يحكم. وكثيرون يظنُّون أنَّهم سيعيشونَ هكذا مع الرب. يا رب أنت هو الملكُ لكنَّني أنا الذي أحكُم وأقرر كل شيء. كلّا، فنحن لا نعيش في إنكلترا ولا يمكنُنا أن نتمتَّع بهذه الحصانة العظيمة على هذا الأساس.
في عام 1936 بإنكلترا وعلى زمن الملك إدوارد الثامن، وقعَ الملك الشاب بغرام امرأةٍ أميركية اسمُها السيدة سيمبسون. وأصرَّ مجلسُ اللوردات عليه بأنَّه لا يمكن أن يقترنَ بامرأة متزوّجة. إذ كانت إنكلترا آنذاك فيها شيءٌ من التُّراث المسيحي الكتابي. أجابهم: سوف تطلِّقُ زوجَها. قالوا: أنت تمثّل الكنيسة الأنجليكانية ولا يمكن أن تتزوَّج بمطلَّقة. استقِلْ من منصبك إذن. فاستقال وصار كالمزدرى وغير الموجود. لأنَّه لم يستطعِ العيشَ مع المستوى الأخلاقي المفروض عليه كمَلِك. وبكى الناسُ عليه، وأطلقوا عليه لقبَ "ملكُ الحب". وتزوَّج بمَن أحب وفَقدَ العرش. لا أتكلَّم هنا عن خلاصك، بل عن حياتك هنا على الأرض. لا تقدرْ أـن تتوقَّع بركاتِ الرب عليك إذا كنتَ تعيشُ كما تريد، ولا تسلكُ كما يجب في المسيح. لذلك، لن تختبر فعلًا سلطان المسيح وحصانةَ هذا الملك العظيم.

رابعًا: العطايا السخيَّة
"لأنَّ أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم." هل تعلم أنَّ لديك ملِكًا تبنّاك وشهوةُ قلبِه لا بل مسرّتُه أن يعطيكَ ويدلّلَكَ لأنه يعطي بسخاء ولا يعيِّر؟ "كلُّ عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عندهُ تغيير ولا ظلُّ دوران." (يعقوب 17:1) فهو يهتمُّ بك ويستجيب صلواتك ويحمِلُك على أكتافه، هو يحبُّ أن يباركَكَ ويعطيَك ويحميَك. فلا تخفْ لأنَّ أباكَ يحبُّ أن يؤمّنَ لك مستقبلًا جيِّدًا.
كان والدي الطّيب الذِّكْر ذا شخصيةٍ حلوة ومرموقة. كنتُ وحيدًا له من حيثُ الأبناء وكان رجلًا سياسيًا، مؤلِّفا وصحافيًا عريقًا ورجلَ ضمير. كنتُ أحبّه جدًا، وهو يحبّني. وعلى الرغم من مركزه كان رجلًا صادقًا نظيفًا وقد ربَّته جدّتي المؤمنة على الإيمان الصحيح. كان يناديني ويقول: "عصام، هل معك نقود في جيبك؟" كنتُ عندها طالبًا وكنت أعلم أن وضعه المادي صعب جدًّا - خذْ يا ابني هذهِ لك." كنتُ أقول: "لا يا أبي أنا غير محتاج. لكنَّه كان يصرُّ ويقول: خذْها، يومًا ما سيكون عندَك أولاد وستختبرُ كم يحبُّ الأب أن يعطي أولادَه." لم أفهمْها إلاَّ حين صارَ لديّ أولاد. فاللهُ الآبُ في السماء، سخيٌّ جدًّا. يقول الربُّ يسوع: "اسألوا تُعطَوْا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم. لأنَّ كلَّ من يسألُ يأخذُ، ومن يطلبُ يجدُ، ومن يقرعُ يُفتحْ له. فمَن منكم، وهو أبٌ، يسأله ابنه خبزًا أفيُعطِيهِ حجرًا؟ أو سمكةً، أفيعطِيهِ حيَّةً بدلَ السمكة؟ أو إذا سأله بيضةً أفيعطِيهِ عقربًا؟ فإن كنتم وأنتم أشرارٌ تعرفون أن تُعطوا أولادكم عطايا جيِّدة، فكم بالحريِّ الآب الذي من السماء، يعطي الروح القدس للَّذين يسألونه؟" (لوقا 9:11-13) في إنجيل متى يقول: "يهَبُ خيراتٍ للذين يسألونه!" أنا وأنتَ نضيِّع الكثير على حياتنا لأننا لسنا نطلب حسب إرادته إذ يقول: "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا، ليكونَ فرحُكم كاملًا." (يوحنا 24:16)
اطلبْ من قلب طاهر: "تطلبون ولستم تأخذون، لأنّكم تطلبون رديًا..." (يعقوب 3:4) أي أنَّ الطلب يجب أن يكونَ بحسب إرادة الله.
اطلُب بركة لمَنْ حولَك، أطلبْ من أجل خلاص النفوس، الربُّ يدعوكَ إلى هذه الحياةِ السخيَّة الغنية. يا ليتكَ تقفُ في الثَّغرةِ، ثغرةِ عدم الصلاة. ليتَ اللهَ يقيمُ منّا رجالًا ونساءً للصلاة خاصة في هذه الأزمة الصعبة والوباء الخطِر. حينذاك تتأكد أنَّ الشمسَ هي خلفَ الغيمة.
تعلَّمتُ شيئًا من جوناثان الصغير ابنِ القس نشأت جندي وعمرُه أقلّ من 5 سنوات. كان مع أهله يقضون معنا عطلةَ نهاية الأسبوع. استيقظ الولد باكرًا وحين تطلَّع من النافذة وجد غيمًا يملأُ السماء. فقال لوالده: "بابا، الشمس لا تشرق." أجابه الأبُ: "ستشرق الشمسُ، لا تخفْ!" ثم قال جوناثان: "لكنهَّا ليست هناك يا بابا فهي غيرُ موجودة." نعم، خاف جوناثان أنَّ الشمس لن تشرق إذ لم يستطعْ رؤيتها من كثرةِ الغيوم. تذكَّرتُ حينَها القس الفاضل جريس دلّه في لبنان الذي كان دائمًا يقول لنا في اجتماع الصلاة أثناءَ الحرب الأهلية والأوضاع الصعبة: "أحبائي ثِقوا ولا تخافوا أنَّ شمسَ الرب - أي شمس البر - خلفَ الغيمة." ورُغمًا عن الدخان المتصاعد والنار والقنابل كان يكرِّر:" يا حبيبي، لا تخفْ! فمعَ الرب الشمسُ هي دائمًا خلفَ الغيمة." أما جوناثان فعادَ إلى والده في الثامنة صباحًا وقال: "الشمس رجِعتْ يا بابا، أشرقت!"
نحن مثل جوناثان في بعض الأوقات. ألاَ يقول الرب: "لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات، فإنَّه يشرقُ شمسَه على الأشرار والصالحين، ويمطرُ على الأبرار والظالمين." (متى 45:5) فكم بالحري عليكم أنتم؟ وأخيرًا، يقول إشعياء: "إنْ أنفقتَ نفسَك للجائع وأشبعْتَ النفسَ الذليلة، يُشرقُ في الظلمة نورُك، ويكونُ ظلامُك الدامس مثلَ الظُّهر." (8:58-10) نعم أحبائي ستشرقُ الشمسُ دائمًا من خلفِ الغيمةِ.
لذلك تعال إلى الرب... سلّمه قلبك، لأنك لن تجد من يحبّك مثله. قل له:
"أيها الآب السماوي، أعترف لك بخطاياي وأقبل ذبيحة المسيح وموته لأجلي. غسلني... طهرني، حررني، وبررني إذ أقبل المسيح مخلصًا وسيدًا وربًّا. تربّع على عرش قلبي وأعطني أن أكون واحدًا من أولادك مع هبة الحياة الأبدية، وقوّني لأحيا طائعًا صوت الإنجيل.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2020