لماذا نُبشر بالمسيح المصلوب؟ لأنه فوق الصليب انتصر يسوع على العدو إبليس (قارن لوقا 21:11-٢٢ مع يوحنا ٣١:12).

شكرًا لربنا يسوع الذي نزع سلاح العدو الكامل في الصليب، وذلك السلاح هو: القتل، الكذب، الجهل، الضلال، التشكيك، التشويش، والظلام. وأصبح يسوع قائدنا نفسه هو سلاحنا فهو: رئيس الحياة، الحق، الحكمة، الطريق، الآمين، السلام، والنور.
ولكي نُدرك جيدًا لماذا تمت هزيمة الشيطان في صليب الجلجثة، علينا أن نعود للكتاب المقدس ونجد أن الله خلق الملائكة ونظّمها بمراتب ولكن الذي كان في المرتبة العليا رئيس الملائكة والذي يسميه الكتاب "زهرة بنت الصبح" أُعجِبَ بنفسه وتكبّر وأراد أن يصير مثل الله العليّ، فأخذ معه ثلث الملائكة وقام بمحاولة انقلاب فاشلة ضدّ الله، وأصدر الله قضاءه بأن يُلقى إبليس وملائكته في بحيرة النار والكبريت، ولكن تنفيذ القضاء مؤجّل بحكمة الإله الأزلي.
وعندما خلق الله آدم وحواء في جنة عدن، أعطى الله آدم سلطانًا على الخليقة وأوصاه وصية وحيدة (تكوين ١٧:2) ولكن الشيطان المُقاوم كان يتربّص بآدم ليوقعه بنفس نوع خطيئته، أي العصيان والتمرّد والكبرياء ولكنه إن ظهر بشخصيته المكروهة فلن يسمعه أحد، ولهذا كان يبحث عن الإناء المناسب لِيُقدِّم سمومه.
لقد وجد الشيطان الحيّة لأنها بمواصفات تلائمه، فهي جميلة فيستر فيها أفكاره القبيحة. ولأنها لا تتكلّم إذ ليس لها حبال صوتيّة أي سيكون هو الناطق الرسمي من خلالها، كما أنها ليس لها آذان، أي صماء، أي إنه متأكد أنها لن تسمع حوار الحق، ولا حوار الأكاذيب بين حواء والحيّة. والحيّة من ذوات الدم البارد، أي أنه سيقضي على حلم بقاء آدم وحواء في الجنة بدم بارد، أي أنّ الشيطان لن يندم على جريمته أبدًا كما أنّ الشيطان لم يغوِ آدم بل حواء لأنها الإناء الأضعف، أي من السهل أن يتلاعب بمشاعرها، واستغل الشيطان ذهن حواء الغير ممنطق بالحق، لأنّ الوصية لم تكن موجّهة لها مباشرة، فتقدّم إليها بسؤال استفزازي تشكيكي "أحقًّا قال الله؟" كان ذلك أول سهم مسموم يوجهه العدو العنيف إلى ذهن حواء البسيط.
عزيزي القارئ، إذا تفحّصنا كلام الحية "أحقًّا قال الله؟" (تكوين ٤:3) وقارناه مع أجزاء أخرى من الكتاب المقدس، على سبيل المثال (١يوحنا ٢١:2-٢٣) حيث نقرأ عن التنكر لهوية المسيح، وتجاهل عقوبة الخطيّة (رؤيا يوحنا ٢٠:2-٢٢) وانتقلنا لنرى وضع البشرية الحالي، لوجدنا أن إبليس يستخدم نفس الأسلوب في يومنا هذا وهو هجوم ضد شخصية الله (أحقًا يسوع ابن الله؟) ومناهضة أقواله الصادقة (٢تيموثاوس ٨:3).
إنّ غزوة إبليس على مشاعر حواء كانت سمومًا... وما زال العدو يستخدمها ضدّ من لا يعرف حق الإنجيل، مثلًا:
"الله لا يحبّكما"، لأنه حرمكما من التمتّع بشجرةٍ تعادل كل أشجار الجنة، فعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر أصبح كأنه المنع من الأكل من كل أشجار الجنة. لاحظ عزيزي القارئ، الشيطان يريد أن يجذب الأنظار نحو كل أشجار الجنة عدا شجرة الحياة التي ترمز للرب يسوع المسيح. الشيطان لا يريد للإنسان أن يعرف يسوع ولا صليب الجلجثة.
"الله وضع قيودًا عليكما..." أين الحرية؟! وكأنّ الشيطان أصبح المدافع عن حقوق الإنسان.
"الله غير لطيف..." كيف يمنعكما ويحرمكما؟ أليس هذا حرمان؟
"لن تموتا،" الله كذب عليكما، الله لا يريد لكما الرفعة السامية "تكونان كالله."
"أنتما في حالة جهل"، تفضّلا بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر لكي تكونا حكيمان!
"أنتما أعميان" مثل الخفاش، تفضلا بالأكل من الشجرة لكي تنفتح أعينكما!
عزيزي القارئ، أليس هذا ما يُلقّنه الشيطان لحدّ الآن لبعض من اتباعه ليخدع به غير العارفين في محبة الحق أي الكتاب المقدس؟ ألا نسمع أحدهم يقول: أنا سأجعل المُخدرات قانونية، لكي تتمتّع بها ولكي تشعر بالارتفاع! وأنا كاتب هذه المقال رأيت أشخاصًا طاروا من الفرح عندما علموا أن المخدرات أصبحت مسموحة في المدينة الفلانية، وهم لا يعلمون أنه بعد ذلك تأتي القيود والمذلَّة والعبودية القاسية ويصبحون في الشوارع يستعطون، هذا ما يريده الشيطان: أن الإنسان يخرب نفسه بنفسه وبذلك يهين الله خالقه. والمتحوّلون جنسيًا يتّصفون بالحرية وحقوق إنسان! ولكن لا يقولون لهم خذوا أيضًا القلق وزيادة الكآبة والانتحار!
لقد فسد ذهن حواء عندما صدّقت أكاذيب الشيطان وهي لا تعلم، إذ كانت تظن أنّ الحيّة الجميلة تُقدِّم لها نصائح وحقائق، وكان كلام الشيطان فاتحًا للشهية، شهية التعدّي على وصية الله، ولم تكن حواء تدرك مثلما نعرف نحن من رسالة يعقوب أنّ من يكذب على الحق فهذه "ليست هذه الحكمة النازلة من فوق بل هي أرضية نفسانية شيطانية"!
وبعد السقوط بالخطيّة يبدو للوهلة الأولى أنّ العدو انتصر. ولكن شكرًا لله الذي أعدّ الفداء للإنسان قبل تأسيس العالم (١بطرس ١٩:١-٢٠). وفي الجنة تفاجأ الشيطان المملوء بالحقد والكراهية بأنّ الرب الإله الرؤوف له خطة عظيمة لإنقاذ الجنس البشري، فقد رأى كيف ألبس الله آدم وحواء أقمصة من جلد... وعندما نتقدَّم في دراسة سفر التكوين ونعود مرة أخرى للأصحاح الثالث نستنتج أن الأقمصة كان الله قد أخذها من ذبيح طاهر يرمز إلى حمل الله الذي صار كفارة ليستر الخزي الذي أدخلته الخطيّة.
ومن الأصحاح الرابع في سفر التكوين حاول القتّال والكذّاب (يوحنا 44:8) أي إبليس أن يمنع الله من تحقيق خطته لفداء الخاطئ الساقط في فخ إبليس - على سبيل المثال لا الحصر، قايين ابن روحي لإبليس (قارن تكوين ٤ مع ١يوحنا 4:3-١٢). وبعد ذلك كانت أيضًا محاولات من الشيطان لعرقلة ومنع تلك النبوّة من التنفيذ "هو يسحق رأسكِ وأنتِ تسحقين عقبه." (تكوين ١٥:3) تأمّل أيضًا (٢أخبار الأيام ١٠:22) ولكن هيهات، فقد جاء حمل الله يسوع ابن الله الذي رفع خطية العالم فوق الصليب واندحر الشيطان في الصليب وقد كشف الروح القدس لنا بأن هناك معركة حدثت فوق الصليب بين يسوع المرموز له قديمًا في سفر يشوع برئيس جند الرب وبين الشيطان وكل قواته إذ أصبحوا كجيش مهزوم ومخلوع الرتب "إذ جرّد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم فيه." (كولوسي ١٥:2) إنها حقيقة مُفرّحة لقلوبنا وإتمام لوعد الله الصادق الأمين لتلك النبوّة أن "نسل المرأة يسحق رأس الحية."
عزيزي القارئ، إنّ ابن الله الذي أحبنا ومات عنا حسم المعركة في الصليب، فهو المنتصر ونحن نمشي في موكب نصرته، وإلى أن أتكلم معك مرة أخرى لنستعرض انتصارات يسوع التي تحققت في الصليب، الآن لنفرح ولنرنم هذه الترنيمة:
في موكب جيش الغالبين
سوف أسير مع يسوع
فادي حياتي على الصليب
قائد الجيش العظيم

المجموعة: أيلول (سبتمبر) 2021