مقدمة: الرسالة إلى مؤمني كولوسي هي إحدى الرسائل التي كتبها الرسول بولس بوحيٍ إلهيٍّ وهو في سجنه الأول في روما.

وهي ثلاثة رسائل للكنائس في أفسس وفيلبي وكولوسي، كما كتب رسالةً إلى فليمون. من المهمّ أن نفهم أن كل رسالة لها هدفها الخاص. فالرسالة إلى أفسس موضوعها الكنيسة التي هي جسد المسيح، "ملءُ الذي يملأ الكلّ في الكلّ." (أفسس 23:1) الأصحاح الثالث منها يثبت أن الرب اختار بولس لتوضيح هذه الحقيقة. والرسالة إلى فيلبي هي رسالة شكر للمؤمنين في فيلبي على عنايتهم بتسديد احتياجات الرسول بولس، وهي مليئة بالمشاعر الطيِّبة والفرح في الرب. أما الرسالة إلى كولوسي، التي هي موضوعنا الآن، فهي تثبت لنا أن الرب يسوع هو رأس الكنيسة، وأنه فيه الكفاية، فهي لا تحتاج إلى فلسفات بشرية أو إلى حياة التقشّف وإذلال الجسد، كما أنها - أي الكنيسة - ليست تحت الناموس بل تحت النعمة.
علاقة الرسول بولس بكنيسة كولوسي:
لم يكن الرسول بولس هو الذي بشّر في كولوسي بالإيمان بالرب يسوع المسيح، بل قد سمع عنهم من أبفراس - الذي هو من كولوسي "عبدٌ للمسيح، مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات، لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله." (كولوسي 12:4) وهنا نرى أنه لم تكن هناك منافسة بين بولس والخدام الآخرين، بل تعاون ومحبة كما يجب.

المواضيع التي تتناولها هذه الرسالة
الأصحاح الأول: بعد التحية يذكر الرسول أنه هو وتيموثاوس يواظبان على الصلاة والشكر لله من أجل المؤمنين الذين في كولوسي (وهي مدينة في آسيا الصغرى التي هي الآن تركيا) وهم ثمار خدمات أبفراس، الذي هو خادم أمين للمسيح، ويرجو لهم أن يكونوا أقوياء روحيًا ومثمرين في كل عمل صالح. كما كانا يشكران الآب الذي نقلنا إلى ملكوت ابن محبته، أي ربنا يسوع المسيح. وإذ ذكر المسيح أكّد لنا لاهوت ربنا وفادينا يسوع المسيح "الذي هو صورة الله غير المنظور." وكلمة "صورة" لا تعني تشابهًا بل أنه تمامًا مثل الآب. إن أردت أن تعرف عن محبة الآب ادرسْ حياة المسيح. وكذلك بخصوص قوته وحكمته وكل صفاته، كما قال الرب يسوع "من رآني فقد رأى الآب". وأيضًا "أنا والآب واحد". وهنا نقول إن الكتاب المقدس يشهد مرارًا عن لاهوت المسيح، ولا سيما في هذه الفصول الثلاثة: يوحنا 1، وكولوسي 1 وعبرانيين 1. إن التأمل في هذه الفصول الثلاثة يملأ القلب بالسجود للرب يسوع. في عدد 24 يقول: "الذي الآن أفرح في آلامي لأجلكم، وأكمّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة." لكي نفهم معنى هذه العبارة يجب أن نتذكر أن الرب قال عن بولس: "لأني سأريه كم ينبغي أن يتألّم من أجل اسمي." فكان بولس وهو في سجن روما يعلمُ يقينًا أنه هناك آلام أخرى لا بدّ أن يحتملها من أجل الكنيسة. فكان خاضعًا لإرادة الله وواثقًا في محبته.

الأصحاح الثاني: ولعلّه السبب الأساسي في كتابة هذه الرسالة إذ فيه إنذارات خطيرة ضدّ أخطاء بل ضلالات كان الشيطان يحاول إدخالها في المؤمنين. هذه الأخطاء تشمل:
1- الفلسفات البشرية
2- وضع المؤمنين تحت الناموس
3- الأسرار الغامضة (mysticism)
4- التقشّف وإذلال الجسد، والعلاج بل الوقاية من هذا كله هو في كفاية المسيح مخلصنا.

1- من جهة الفلسفات البشرية، يخبرنا أنه مذّخرٌ في المسيح جميع كنوز الحكمة والعلم. العلم هو معرفة الحقائق. والحكمة هي تطبيق هذه الحقائق في حياتنا اليومية. حذّرهم الرسول من أن ينخدعوا بهذه الفلسفات الباطلة.
2- وضع المؤمنين تحت الناموس. هذه الضلالة انتشرت كثيرًا في أيامنا هذه بالرغم من الإنذارات الكثيرة ضدّها. يكفي أن يقرأ المؤمن الرسالة إلى غلاطية ليعرف الحق. يعلّمنا كتاب الله أنه "إن كان بالناموس برّ، فالمسيح إذًا مات بلا سبب!" وأن الخطية لن تسودنا لأننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة. (رومية 14:6)
3- الأسرار الغامضة، وهي التي تنكر كفاية المسيح، وتزعم أننا نحتاج إلى أن نتقدّم في العلم فأضافوا أفكارًا باطلة وهرطقات خطيرة جعلت البعض ينحرفون إلى البوذية والهندوسية والاعتقاد بالنرفانا، أمور لا يسعنا المجال أن نتكلّم عنها بالتفصيل، وإنما ننذر بخطورتها لأنها تؤدي إلى الهلاك.
4- التقشّف وإذلال الجسد. هذه دخلت في مجتمعات مسيحية إسميًّا منذ زمن طويل. فهناك من ينامون على التراب ويقبّلونه أو يسمحون لآخرين أن يدوسوهم وأشياء أخرى عجيبة ظنًّا منهم أن هذا يحصِّل لهم على قبول لدى الله. ولكن الكتاب المقدس يعلّمنا أن الإنسان العاقل لا يبغض جسده بل يقوّيه ويربّيه كما الرب أيضًا للكنيسة (أفسس 29:5). أما إذلال الجسد وتعذيبه فليس بقيمة ما.

الأصحاح الثالث: انتهى الأصحاح الثاني بكوننا مُتنا مع المسيح، ويفتتح الأصحاح الثالث بأننا قُمنا معه. وهذا هو ما ترمز إليه المعمودية المسيحية الصحيحة وعلينا أن نطبِّق هذه الحقائق عمليًا فيُصبح اهتمامنا بما فوق لا بما على الأرض (2:3)، فلا نقع في الخطايا والنجاسات والطمع والكلام القبيح (أعداد 5-11). ما أجمل ما جاء في الأعداد 12-17، وهي لا تحتاج إلى شرح أو تفسير، بل إلى الصلاة لكي يعيننا الرب فنطبقها عمليًّا. اقرأها مرارًا أيها المؤمن. بل حاول أن تحفظها في ذاكرتك وتحيا طبقًا لها. "لكي تسكن فينا كلمة المسيح بغنى." فيكون حديثنا مع المؤمنين الآخرين للمنفعة لا للانتقاد وجرح الشعور بل للبنيان. "وكل ما عملتم بقولٍ أو فعلٍ فاعملوا الكل باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به." (عدد 17) لو طبّقنا هذه المبادئ الإلهية الثمينة في حياتنا لامتلأت قلوبنا وبيوتنا بالفرح الروحي الحقيقي – فرح الرب الذي هو قوتنا.

الأصحاح الرابع: العدد الأول فيه هو بقية الأصحاح الثالث. بعد ذلك لنا نصائح ثمينة ولازمة مثل الصلاة المصحوبة بالشكر، والصلاة لأجل عمل الرب. في هذا الفصل يذكر أسماء مؤمنين آخرين سنتكلم عن بعضهم:
أولاً، يذكر تيخيكس، وهو أخ حبيب وخادم أمين.
ثانيًا، أنسيمس وهو الذي كان عبدًا عند فليمون، ويبدو أنه اختلس مما لفليمون وهرب. ولكنه قُبض عليه ووُضع في سجن روما حيث تقابل مع الرسول بولس الذي قاده إلى الخلاص بالإيمان بالرب يسوع. قال عنه بولس في الرسالة إلى فليمون أنه "كان قبلاً غيرَ نافعٍ لك، ولكنه الآن نافع لك ولي." (فليمون 11) يا لعظم نعمة الله! (اقرأ فليمون 10-16)
ثالثًا: أرسترخس الذي رضي أن يصاحب بولس في السجن ليعتني به.
رابعًا: مرقس (أي يوحنا الملقب مرقس) الذي فارق بولس وبرنابا بعد زيارة قبرص (أعمال 13:13)، ولكن النعمة عملت فيه فأصبح نافعًا للخدمة (2تيموثاوس 11:4).
ويقول الرسول عن هؤلاء والآخرين "العاملون معي لملكوت الله، الذين صاروا لي تسلية." (11:4)
قبل أن نختم هذه الدراسة المختصرة يجب أن نعلّق على ما جاء في 17:4 "وقولوا لأرخِبُّس: [انظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتمّمها." هذه نصيحة ثمينة لكلّ من يخدم الرب، إذ تحميه من الفشل أو التكاسل، أو الرغبة في مديح الآخرين. والحقيقة أن هذا الثبات في خدمة الرب كان من أجمل صفات الرسول بولس. إذ قال في أعمال الرسل 24:20 "ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمّم بفرحٍ سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله." في هذا كان الرسول متمثّلاً بسيده الذي قال للآب: "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته." (يوحنا 4:17) ليتنا نتمثّل بسيدنا وبخدّامه الأمناء.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2022