"وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ." (1كورنثوس 4:10)

الصخرة لها مدلولان، حرفي وروحي. المدلول الحرفي هو الجماد الذي لا يتحرك وله أضرار ومنافع. من أضرار الصخرة أنها تعطّل نموّ البذار وبقطَعٍ منها يقتلون المجرمين والأبرياء... المجرمون مثل عاخان والأبرياء مثل استفانوس وبولس. وهي تسبب آلامًا شديدة ويتعثَّر فيها كثيرون... وأكثر أضرارها أنه تُصنع منها الأصنام والتماثيل.
ومن ضمن منافعها أنها تُقام كتخوم وحدود بين الممتلكات، وتُقام شهادة على عهدٍ قُطِعَ بين أشخاص وتُستخدَم في طحنِ الحبوب.
أما مدلولها الروحي فهي ترمز إلى الرب يسوع. "أعطوا عظمةً لإلهنا. هو الصخر الكامل صنيعه." "لأنه من هو إلهٌ غيرُ الرب؟ ومن هو صخرةٌ غيرُ إلهنا؟" "صخرة قلبي ونصيبي الله إلى الدهر."
لنا في الرب يسوع صخر الدهور امتيازات كثيرة:

أولاً: ارتواء
وصل الشعب إلى رفيديم حيث لا ماء فتذمّر الشعب جدًا على موسى قائلين: "لماذا أصعدتنا من مصر لتميتنا وأولادنا ومواشينا بالعطش؟" فتوجّه موسى إلى الرب وشكا له عن تصرّف الشعب وسأل الرب: "[ماذا أفعل بهذا الشعب؟ بعد قليل يرجمونني.] فقال الرب لموسى: [مر قدّام الشعب، وخُدْ معك من شيوخ إسرائيل. وعصاك... خذها في يدك واذهب. ها أنا أقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب، فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب." وقد ذُكر تنويه عن هذه المعجزة "اخرج لك ماء من صخرة الصوَّان... وأخرجت لهم ماء من الصخرة لعطشهم... شقّ الصخرة فانفجرت المياه... المحوِّل الصخرة إلى غدران مياه، الصوَّان إلى ينابيع مياه." لن نجد ارتواء إلا في صخر الدهور ربنا يسوع المسيح. مساكين هم أولئك الذين يبحثون عن ارتواءٍ بعيدًا عن الرب يسوع. يقول الرب: "من يُقبل إليّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا." وفي آخر أصحاح من الكتاب المقدس يقول الرب: "ومن يعطش فليأتِ. ومن يُرِدْ فليأخذ ماءَ حياةٍ مجانًا."

ثانياً: احتماء
"وَيَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ، كَسَوَاقِي مَاءٍ فِي مَكَانٍ يَابِسٍ، كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ." في هذه الآية المباركة نجد ثلاث كلمات تدلّ على الحماية: مخبأ، وستارة وظلّ. في الرب يسوع نجد الحماية الكاملة.
تقول كلمة الرب: "الرب صخرتي... به أحتمي... ارحمني يا الله... لأنه بك احتمت نفسي... الاحتماء بالرب خير من التوكّل على إنسان." احتمى به الملك حزقيا عندما رأى أن خطة سنحاريب مُحكمَة أرسل الرب ملاكًا وقتل 185 ألفًا من جيشه... نحن نحتمي في الرب القوي الذي "لا يخزى منتظروه."

ثالثاً: ارتقاء
يقول كاتب المزمور: "لأنه تعلّق بي أنجيه. أُرفّعه لأنه عرف اسمي." وفي مزمور آخر يقول: "على صخرة يرفعني... أصعدني من جب الهلاك... وأقام على صخرة رجلي... المقيم المسكين من التراب، الرافع البائس من المزبلة... الرب يرفع الودعاء... فتواضعوا تحت يد الله القويَّة لكي يرفعكم في حينه."
ارتفع يوسف وارتقى حتى أصبح ثاني رجل في مملكة مصر. حتى قال عنه إخوته بأنه "سيد" الأرض. وارتقينا نحن فصرنا أولاده... "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه."
قرأ أحد الأشخاص الصلاة الربانية ولما وجد أنها تبدأ بكلمة أبانا قال: "الله! يِعني أنا.. لو تبعت المسيح أبقى ابن الله؟!" – لقد رفعنا وجعلنا إخوته – "المقدِّس والمقدسين جميعَهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة." وقال عن تلاميذه "إخوتي"؛ وفي رسالة رومية يقول بولس الرسول: "ليكون هو بِكرًا بين إخوة كثيرين." رفعنا فصرنا عروسه. يقول بولس: "... لأني خطبتكم لرجلٍ واحدٍ، لأقدِّم عذراء عفيفة للمسيح." والعروس ستُزَفّ للعريس بمجدٍ بهيٍّ - هللويا! - ولأننا عروسه فنحن "أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه." رفعنا "وجعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه."

رابعاً: بناء
سأل الرب يسوع تلاميذه: "[من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟] فقالوا: [قومٌ: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرميا أو واحدٌ من الأنبياء.]
قال لهم: [وأنتم، من تقولون إني أنا؟]
"فأجاب سمعان بطرس وقال: [أنت هو المسيح ابن الله الحي!]" فقال له الرب يسوع: "أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي..." الكلمة التي ترجمت صخرة هي "پْيِترا" أي الصخرة الكبيرة – أي الرب يسوع المسيح.
الكنيسة تُبنى على الرب يسوع – نلاحظ الرب يسوع كصخرة تؤسَّس عليها الكنيسة – والمسيح أيضًا هو حجر الزاوية - على الرب يسوع الصخرة القوية نبني نفوسنا وأسرتنا وكنيستنا. وعندما نفعل كذلك لن تؤثر فينا الرياح والزوابع والأمطار.
أختم بهذا القول: ما أجمل حرف الياء في كلمة صخرتي فهذا الحرف يفيد بالملكية – وهذا أغرب شيء أن الإنسان يمتلك الله... إنها النعمة التي أعطتنا هذا الامتياز!

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2022