ولا تدخلنا في تجربة... (متى 13:6)
في الصلاة الربانية يحثّنا يسوع على طلب العون منه للنجاة من السقوط في الخطيئة.

والسؤال المهم هو، لماذا يمكن أن يسقط المؤمن في الخطيئة؟ وما هي العواقب، والعلاج، والوقاية من السقوط في الخطيئة؟
أسباب سقوط المؤمن
لقد كان يسوع نفسه، رئيس كهنتنا، مجرَّبًا "في كل شيء مثلنا بلا خطيئة." (عبرانيين 15:4) فالتجربة في حدِّ ذاتها ليست خطيئة، ولكن الوقوع فيها هو ما يؤدّي إلى ارتكاب الخطيئة. هناك العديد من الأسباب التي تؤدّي إلى سقوط المؤمن، أهمها أننا أولًا كمؤمنين، بشرٌ تحت الآلام، نسكن في جسدٍ محاط بالضعف، وما زلنا نحمل طبيعة قديمة، موروثة من آدم، أو "إنسان عتيق": أي لدينا ميل فطري للاستقلال عن الله وارتكاب الخطيئة، وفوق ذلك، فنحن نحيا في عالمٍ ساقط متمرد على الله، ومحاطون بأعداء هم إبليس وأجناد الشر الروحية. فنحن معرّضون للسقوط في كل حين. يقول أحدهم: "أنا لا أستطيع أن أمنع الطيور من التحليق فوق رأسي، ولكنني أستطيع منعها أن تعشِّش في رأسي." إن القول: "إبليس جعلني أخطئ" ليس صحيحًا، فإبليس يجربنا، ويغوينا، ولكنه لا يستطيع إجبارنا على ارتكاب الخطيئة.
لا يتمّ سقوط المؤمن في يوم وليلة، بل يبدأ بخطوات، ومواقف صغيرة، أهمها الكبرياء، والغرور والتساهل مع الخطيئة، والشعور بالاكتفاء الذاتي، وإهمال الصلاة وكلمة الله، فتتراكم هذه الأمور بحيث تضعف مناعته الروحية فيسقط أمام التجربة. يحذرنا سفر الأمثال بقوله: "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح." (أمثال 18:16) يعرِّف معجم اللغة العربية كلمة "الغرور" بأنها: خداع المرء لنفسه، وإعجابه بقيمته وأهميته، ورضاه عن نفسه. يقول بولس: "إذًا من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط." (1كورنثوس 12:10)

عواقب سقوط المؤمن
قد يرتكب المؤمن زلات، أو هفوات صغيرة يمكن إصلاحها ومحو آثارها، ولكن سقوطه في خطايا شنيعة مثل الزنا، والفساد الإداري، أي استغلال منصبه كخادم، لتحقيق الشهرة، والإثراء غير المشروع (الربح القبيح)، فعواقبه وخيمة، حيث تنقطع شركته مع الله، ويفقد سلامه، ويعيش في مرارة تحت تأديب الله. وتكسر شهادته أمام المؤمنين، وغير المؤمنين، ويجلب عارًا على اسم المسيح. يقول الرسول بولس: "وليتجنّب الإثم كل من يسمّي اسم المسيح." (2تيموثاوس 19:2) تلك هي العثرات التي حذّر منها يسوع: "ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلَّق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجّة البحر. ويل للعالم من العثرات! فلا بد أن تأتي العثرات، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة!" (متى 6:18-7) في حال سقوطنا يوبّخنا الرب، ويبكت ضمائرنا بروحه بطول أناة، كأب لبنيه، وإن لم نتجاوب مع صوت محبته، فإنه يكشف خطايانا علنًا. يقول آساف في مزمور 21:50 "هذه صنعتَ وسكتُّ. ظننتَ أني مثلكَ. أوبّخكَ وأصفُّ خطاياك أمام عينيك." وفي حال رفض التوبة وتمادى في حياة الخطيئة، فإن الله يرفع درجة التأديب إلى حدٍّ قد يصل إلى إنهاء حياة المؤمن على الأرض قبل أوانها: "إن رأى أحد أخاه يخطئ خطيئة ليست للموت، يطلب، فيعطيه حياة للذين يخطئون ليس للموت. توجد خطيئة للموت. ليس لأجل هذه أقول أن يُطلَب." (1يوحنا 16:5-21) يؤكد ذلك بولس بقوله: "لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا، ولكن إذ قد حكم علينا، نؤدَّب من الرب لكي لا ندان مع العالم." (1كورنثوس 31:11)

العلاج
إن أول خطوة في علاج أي خطيئة يرتكبها المؤمن صغيرة كانت، أم كبيرة هي الاعتراف الفوري والتوبة. "إن قلنا: إنه ليس لنا خطيئة نضلّ أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادلٌ، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم." (1يوحنا 8:1) يحثّنا ميخا النبي على التصميم على النهوض من سقوطنا، والسلوك في النور بقوله: "لا تشمتي بي يا عدوتي، إذا سقطت أقوم. إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي." (ميخا 8:7) يقول أحد رجال الله: يستخدم إبليس كذبتين كبيرتين:
الأولى، قبل سقوط المؤمن، يقول له إبليس: إن خطيئة صغيرة لا تقدِّم ولا تؤخِّر.
والثانية، بعد سقوط المؤمن، يقول له: انتهى أمرك والله تخلّى عنك." فيشعر المؤمن بالعجز، واليأس، ويستسلم أكثر ويغرق في مزيد من الخطايا.

الوقاية
تتم الوقاية من الوقوع في التجارب:
بالخضوع لله، ومقاومة إبليس: "فاخضعوا لله. قاوموا إبليس فيهرب منكم." (يعقوب 7:4)
والاستعداد الدائم لمواجهة العدو: "اصحوا واسهروا. لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين في الإيمان..." (1بطرس 8:5)
نقاوم إبليس في كل تجاربه، باستثناء تجربة الشهوات، التي ينبغي أن نهرب منها: "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها، واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي." (2تيموثاوس 22:2)
ويحذّرنا بولس أيضًا من الوقوع في فخّ الطمع ومحبة المال: "وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطون في تجربةٍ وفخٍّ وشهواتٍ كثيرة غبيّة ومضرّة، تغرِّق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكلِّ الشرور، الذي إذِ ابتغاه قوم ضلّوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاعٍ كثيرة." (1تيموثاوس 9:6-10)

الخلاصة
طالما نحن في هذا الجسد البشري الضعيف، نبقى معرّضين للوقوع في التجارب وارتكاب الخطايا، لذلك يجب أن نخضع لله، ونصحوا، ونقاوم عدونا، وفي حال عثرنا، وسقطنا، علينا الاعتراف الفوري بخطايانا، والتوبة عنها واستعادة شركتنا مع الله، والنهوض من جديد، ومتابعة تقدُّمنا الروحي.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2022