لو نظرنا إلى حياة بطرس الرسول سنجد أن فيها الكثير من الصعود والهبوط. فبعد أن تفاخر بطرس بأنه لن يترك الرّب نهائيًا وبأنه سيضع حياته عن الرّب،

كما نقرأ في يوحنا 37:13 "يا سيِّد، لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن؟ إنِّي أضع نفسي عنك." نجد بطرس قد تبع الرّب من بعيد لكي يرى الرّب ولكيلا يراه الرّب، وأثناء محاكمة الرّب يسوع في بيت رئيس الكهنة، وقف بطرس في الخارج يستدفئ، وهناك تعرَّف عليه النّاس ثلاث مرات، أي أُتيحت له الفرصة ليشهد عن علاقته بالرّب يسوع ثلاث مرّات، ولكنه أضاع الفرص الثلاث، بل أنه سقط في خطيّة إنكار الرّب ثلاث مرات. وعندما صاح الديك نقرأ أن بطرس: "بكى بكاءً مرًّا" وهذا أكبر دليل على الفشل والسّقوط في الخطيّة.
وبعد ثلاثة أيام، قام الرّب يسوع من بين الأموات، وظهر لبطرس ولبقية التلاميذ...
بعد أن تغدّوا، استدار الرّب يسوع مواجهًا بطرس أمام بقية التلاميذ. وهنا لا بدّ لنا من قراءة أعماق بطرس: فلا بدّ وأنه كان قلقًا من موقفه مع سيده. وبالتأكيد أنّه كان يتحاشى مثل هذا الموقف، أي أن يخاطبه الرّب وجهًا لوجه، وخصوصًا بعد أن أنكر الرّب ثلاث مرّاتٍ. لا بدّ وأن بطرس توقّع أن يسأله الرّب يسوع: [لماذا أنكرت أنك تعرفني؟!]
ولكن الرّب لم يفعل ذلك لأنه وضع خطيّة بطرس في بحر النسيان وغفر لبطرس. كان الموضوع المهم بالنسبة للرب هو حالة بطرس الروحية: أراد الرّب أن يشجع بطرس ويتخلص من سلبيات الماضي حتى لا تؤثر على حياته الحاضرة والمستقبليّة.
كان السؤال الذي طرحه الرّب يسوع: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ"؟ قال له: يا "سمعان"، ولم يقل له يا "بطرس". ونلاحظ أيضًا أن الرّب قال له "أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ"؟ أي أكثر من بقية التلاميذ، وهذه إشارة إلى جملة الافتخار والكبرياء التي نطق بها بطرس في العلية أثناء العشاء الأخير: "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا."
لم يكن بطرس في موقف القوة، ولم يعد باستطاعته المبالغة من جديد، لذلك أجاب بكلّ تواضع: "نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ". نلاحظ هنا أنه لم يدَّعِ أبدًا أنه يحب الرّب أكثر من بقية التلاميذ.
كان بطرس على ثقة زائدة بنفسه، فلقد ظنَّ بأنه لن يفعل أبدًا ما فعله. ونحن اليوم نستطيع أن ندَّعي بأننا لن نرتكب نفس الخطايا والحماقات التي يرتكبها الآخرون. ولكن من يعرف؟ لذلك علينا أن نكون حذرين باستمرار وأن نطلب العون من الله حتى لا نسقط في تجربة. فمثلًا: لم يفكّر داود أبدًا بأن يرتكب خطيّة الزنى، ولكن فعلها. ولم يفكر سليمان أبدًا بالعبادة الوثنية، ولكنه فعلها. ولم يفكّر بطرس أبدًا في إنكار الرّب، ولكنه فعلها ثلاث مرات. لذلك نقرأ في 1كورنثوس 12:10 "إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ". لقد كان بطرس على ثقة زائدة بنفسه، لكنه تعلم درسًا مؤلمًا، وأدرك بأنه ليس قويًّا كما تصوّر نفسه. وبسبب خطئه الشنيع، تعلم بطرس التواضع، وأصبح أمينًا مع نفسه بخصوص وضعه الروحي.
عندما سأل الرّب يسوع بطرس: "أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ"؟ فإننا نجد في ترجمتنا العربية كلمة "أتحبّني" مكررة ثلاث مرات، وكذلك نجد في إجابة بطرس كلمة "أحبّك" مكررة ثلاث مرات، وبذلك نخرج بانطباع وكأن الرّب يسوع وبطرس نطقا بنفس الكلمة. ولكن عند العودة إلى الأصل اليوناني، نجد أنه توجد ثلاث كلمات تترجم باللغة العربية بكلمة واحدة وهي الحب:
1. الكلمة اليونانية "أجابي" وتشير إلى المحبّة غير المشروطة، أي المحبّة المضحِّية التي تعطي. إنها المحبّة التي تشير إلى التكريس الكامل والعطاء بلا حدود للشخص الذي تحبه.
2. الكلمة اليونانية الثانية هي كلمة (فيلوس) والتي تعني المحبّة الأخوية.
في النص الذي بين أيدينا، سأل الرّب يسوع بطرس مستخدمًا فعل "أجابوس" وتعني: "أتحبني محبّة مقدّسة ومضحّية؟" فالرّب سأل بطرس إن كان يحبّه بلا حدود. ولكن في إجابة بطرس نجده يستخدم الفعل "فيليو" أي أنه يحب الرّب محبّة أخوية عادية. وهكذا فإننا على الأقل نجد هنا أمانة في إجابة بطرس، فهو يعرف أن أعماله لا تُظْهِر أي تكريس كامل للرب، وبأنه لم يصل في محبته للرب إلى مستوىً أعلى، لذلك أجاب الرّب بأنه يحبه حبًا أخويًا عاديًا وليس حبًا عظيمًا ينمّ عن تكريسٍ مُطلق لشخص الرّب.
سأل الرّب يسوع بطرس ثلاث مرات: أتحبني؟ وفي الحالتين الأولى والثانية، استخدم الرّب كلمة "المحبّة المضحّية والمكرَّسة"، وكان جواب بطرس بكلمة "المحبّة الأخويّة". لذلك استخدم الرّب يسوع في المرة الثالثة كلمة المحبّة الأخوية وكان جواب بطرس للمرة الثالثة على التوالي بكلمة المحبّة الأخويّة. لقد كان جواب الرّسول بطرس في الحالات الثلاث صادقًا وصريحًا، وهذه إشارة إلى بداية صحيحة وجديدة مع الرّب. فهو لم يدَّعِ ما ليس فيه، بل قال الصدق. ونحن نعرف أن قول الصدق والاعتراف هو الخطوة الأولى نحو الشفاء، ونحو إعادة العلاقات المقطوعة مع الآخرين.
سقط بطرس ثلاث مرات في خطيّة إنكار الرّب، ولذلك عمل الرّب على عودته ورجوعه إلى شركته مع الرّب ومع الإخوة. وفي ضوء معرفتنا لسقوط بطرس، وما عمله الرّب معه، فإننا نحتاج إلى ملاحظة ثلاثة أمور أساسية:
1. لا يهم كيف كانت حياتك في الماضي أو حياتك الآن، فالرّب يسوع يريد الآن أن يغفر لك ويعيدك بقوة إلى حظيرته. يستطيع الرّب أن يستخدمك بقوة من أجل مجده. فالرّب قادر أن يخلِّص أشقى وأعتى الخطاة، ويعطيهم فرصة جديدة لحياة الغلبة والانتصار الروحي.
2. إذا أردنا أن نعيد علاقتنا مع الرّب، فيجب أولًا أن نكون صريحين مع أنفسنا. قد تقول أنك على علاقة ممتازة مع الرّب، مع أنك تعلم في أعماق نفسك أنك لا تصلي كما يجب، ولا تقرأ الكتاب المقدّس نهائيًا، ولا تشجع الآخرين، بل وترتكب خطايا كثيرة وخصوصًا الكسل والغضب والحديث ضد الآخرين. لذلك كن صريحًا واعترف بضعفك وبحاجتك لله وللكنيسة من أجل التشجيع والقوة والبداية من جديد.
3. عليك أن تدرك أنك عندما تكون أمينًا مع الرّب، فإنك بحاجة إلى أن تكون مستعدًا لصراحة الله معك. عندما تقول للرب: "أنا لم أكن صادقًا وأمينًا معك"، فإن جواب الرّب لك سيكون: "أنا أعرف ذلك تمامًا، ومع ذلك فإنني كنت بانتظار عودتك طوال الوقت. أنا أحبك ومستعد أن أقبلك من جديد". هذا هو جواب الرّب، فهل أنت مستعد لمثل هذا الجواب؟ هل أنت مستعد أن يقبلك الرّب من جديد لتسير معه بقية مشوار حياتك؟ أم أنك تخاف من فشلك من جديد، وبالتالي فأنت لست مستعدًا للعودة إلى الرّب؟!
كيف هي حالتك الروحية اليومية؟ كيف ترى حياتك وعلاقتك مع الرّب؟
اسألْ نفسك: هل أنا صريح مع الرّب؟ هل أنا صادق مع نفسي؟ هل وضعي الروحي بحاجة إلى علاج؟ أم أنك مريض بالجسد والنفس والروح، وترفض الاعتراف بسبب عنادك الروحي.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2022