"أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ. لاَ تَكُونُوا كَفَرَسٍ أَوْ بَغْل بِلاَ فَهْمٍ.

بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ يُكَمُّ لِئَلاَّ يَدْنُوَ إِلَيْكَ." (مزمور ٨:٣٢-٩)
يقف كل إنسان في حياته عند مفترق طرقٍ، يتفكّر ويبحث عن الطريق السليم ليسلكه، وكثيرًا ما يقف حائرًا لا يعرف وجهة المسير. في هذه الحالة يحتاج إلى من يعلّمه، ويرشده، وينصحه، ويرافقه في الطريق مراقبًا. ومن شدّة المصيبة وتعقيدات المشكلة، ومن حراجة الموقف والخوف من أخذ قرار جريء، وأحيانًا من كبريائنا والخوف من أن نكون صغارًا في عيون الآخرين، نأتي أمام الرب ونصرخ:
"عرّفني يا ربّ إرادتك. وضّح الطريق أمامي". لكن في حقيقة الطلب الكامن في أعماق نفوسنا، نقول: يا ليت الرب يأخذ القرار عنّي ويريحني من المواجهة. يا ليت الرب يغيّر الظروف والناس وتسير الأمور بسلاسة دون قرار جريء منّا. وهذا ما لن يحصل أبدًا. لأن الله خلق الإنسان حرَّ الفكر والإرادة، وهو ينسجم مع نفسه وخليقته. لكن الله في ذات الوقت لا يقف بعيدًا عنّا، بل قريبًا جدًّا. والرب يقدّم نفسه معلّمًا ومرشدًا وناصحًا ومرافقًا أيضًا. وهذا ما اختبره داود عندما كتب المزمور 32.
في الكتاب المقدّس مواعيد كثيرة تقول للمؤمن: "لا تخف. أنا معك". في هذه المواعيد يعلن الله ماذا سيعمل. في الآيتين ٨ و٩ من المزمور ٣٢ يعلن الله عن أربعة أمور يصنعها معنا عندما تداهمنا الأوقات الحرجة والحسّاسة:
الرب يعلّمنا، فنتعلّم الأمور التي نجهلها؛
والرب يرشدنا ويضيء أمامنا المستقبل؛
وهو ينصحنا إلى الطريق السليم والصحيح؛
ورابعًا الرب يبقى معنا ويسير أمامنا ويراقبنا. بعد كل هذه الأمور ينتظر الرب ليرى ما هو قرارنا. ولاحظ معي - عزيزي القارئ - أنه في كل هذه الأمور الأربعة لم يقل الله أنه سيأخذ القرار عنّا، وأيضًا لن يجبرنا أن نعمل بتعليمه وإرشاده ونصيحته، لكنّه ينتظر طاعتنا بالإيمان.

الرب ينتظر منّا أن نأخذ القرار بأنفسنا
هذه مسؤوليّة المؤمن أن يعرف التعليم، ويصغي إلى الإرشاد، ويأخذ بالنصيحة الإلهيّة ليأخذ القرار الصحيح والسليم الذي يريده الرب. وليس صدفة أن يطلب منا الرب مباشرة بعد كل ما يصنعه معنا ألّا نكون بلا فهم. الفرس يرمز إلى القوّة الجامحة والمتهوّرة والتي تحتاج إلى ترويض. والبغل يجمع قوّة الحصان وغباء الحمار. فإن انتبه المؤمن إلى تعليم الله الموجود في الكتاب المقدّس وسمع الإرشاد والنصيحة الإلهيّة فلا تعود الطريق ضبابيّة. لذلك فإن مسؤوليّة المؤمن هي أن يجلس عند الرب ليفهم ما يصنعه الرب معه ويطيع التعليم من تلقاء نفسه وبملء إرادة نابعة من محبّة شديدة للرب.
والعجيب في كلمة الله - العهد القديم والعهد الجديد - أنها متناغمة مع بعضها البعض في تعليمها. المسيح رب المجد، في ختام موعظته على الجبل، شبّه كل من يسمع أقواله ويعمل بها برجلٍ عاقلٍ (فاهمٍ) بنى بيته على الصخر. وشبّه كل من يسمع ولا يعمل برجل جاهل يبني بيته على الرمل. وفي هذا ارتباط وثيق بما قاله الروح القدس على لسان داود.
أمّا الرسول بولس فينبّه المؤمنين في أفسس ١٥:٥-١٧ قائلًا: "فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، (أي بحسب تعليم الرب وإرشاده ونصحه) لاَ كَجُهَلاَءَ (كالفرس والبغل) بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ... بَلْ فَاهِمِينَ (وليس بلا فهمٍ) مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ."
ويبقى السؤال:
كيف أعرف تعليم الرب وإرشاده ونصحه؟
عزيزي، إن الله الذي صنع للإنسان لسانًا وأذنًا وميّزه بالعقل، لا يقف حائرًا لا يعرف كيف يكلّمك، بل الله يعرفك بالتمام ويعرف كيف يجعلك تفهم ما يريده منك. هناك وسيلة متوافرة في كل وقت ولكل مؤمن: اجلس أمام الرب واسمع كلماته بانتظام وتركيز، والرب حيّ ليعرّفك كل شيء. الله ليس إلهًا صامتًا بل نحن مَنْ لا نصغي إليه.
قارئي العزيز، إن كنت تمرّ في وقت عصيب، محيّر، مؤلم؛ أو إن كنت تقف في حياتك على مفترق طرقٍ، خصّص وقتًا من يومك لتقف أمام الرب بكل تجرّد وصدق ونزاهة، ولا بدّ أنك ستسمع صوته. ولنا هذا الوعد في إشعياء ١٩:٣٠-٢١ "... لاَ تَبْكِي بُكَاءً. يَتَرَاءَفُ عَلَيْكَ عِنْدَ صَوْتِ صُرَاخِكَ. حِينَمَا يَسْمَعُ يَسْتَجِيبُ لَكَ. وَيُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ خُبْزًا فِي الضِّيقِ وَمَاءً فِي الشِّدَّةِ. لاَ يَخْتَبِئُ مُعَلِّمُوكَ بَعْدُ، بَلْ تَكُونُ عَيْنَاكَ تَرَيَانِ مُعَلِّمِيكَ، وَأُذُنَاكَ تَسْمَعَانِ كَلِمَةً خَلْفَكَ قَائِلَةً: «هذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ. اسْلُكُوا فِيهَا». حِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَمِينِ وَحِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى الْيَسَارِ."

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2022