الغضب انفعال عاطفيّ يفقد فيه المرء السيطرة على أعصابه. وهو حالة يتعرّض لها كل واحد منا وإن كانت متفاوتة.

فهناك بعض الاختلافات الفردية في الطباع، فالبعض من أصحاب الطبع الحاد سريعو الغضب وربما لأتفه الأسباب؛ بينما يستطيع البعض الآخر أن يتحكّموا في أعصابهم مهما كانت الدوافع للانفعال والغضب.

وهناك دوافع كثيرة تدفع البعض نحو الغضب. أذكر منها:

1- التمسـّك بالرأي
وهو من أكثر العوامل التي تدعو للغضب عند البعض... إنهم يتمسّكون بآرائهم ويعارضون آراء غيرهم بصورة دائمة. ليس لديهم استعداد للتفاهم... يعتبرون أنفسهم أنهم دائمًا على حقّ ولا يحتملون أن يخالفهم أحد في الرأي، بل ويعتبرون ذلك إهانة شخصية لهم فيغضبون ويثورون ضدّ معارضيهم. يقول الحكيم: "لا تسرع بروحك الى الغضب، لأن الغضب يستقرّ في حضن الجهّال." (جامعة 9:7)

2- الكبرياء والبر الذاتي
مما لا شكّ فيه أن الغضب مقترن بالكبرياء والبر الذاتي. لقد غضب الابن الأكبر ولم يرد أن يشارك في أفراح رجوع أخيه الضال من الكورة البعيدة بسبب البر الذاتي اذ كان يعتبر نفسه أحقّ من أخيه بهذا التكريم. ويقول الحكيم: "المنتفخ المتكبّر اسمه [مستهزئٌ]، عاملٌ بفيضان الكبرياء." (أمثال 24:21)

3- المشاعر السلبية
يمثّل الغضب جوانب كثيرة من مشاعر سلبيّة داخل الإنسان. فالفشل والإحباط قد ينتج عنه سخط وغضب. وكذلك الرفض قد يولّد نوعًا من الاستجابة للغضب كما حدث مع قايين عندما رفض الله ذبيحته وقَبِل ذبيحة أخيه هابيل. كما قد يساعد التعب والإرهاق في عدم سيطرة الإنسان على أعصابه فيبدو دائمًا في حالة غضب. ولا يفوتنا أن نذكر "مركّب النقص" الذي يقف وراء الكثير من مشاعر الغضب.

ولكن ما هي مظاهر الغضب؟

1- الصياح والكلام الجارح

الإنسان الغضوب كثير الغلط... يعلو صوته وتنطلق من بين شفتيه قذائف من الكلمات والعبارات الجارحـة. ولا عجب إن كان الرسول يذكر الغضب مقترنًا بالصياح والتجديف والخبث والكلام القبيح (كولوسي 8:3؛ أفسس 31:4).

2- الخصام
من أصعب الأمور التعامل مع الغضوب لأنه من ناحية لا يستطيع أن ينسجم مع غيره، ومن ناحية أخرى يحاول الآخرون أن يتجنّبوه اتّقاءً للسانه الطويل. ومن هنا يحدث الخصام. يقول الكتاب: "الرجل الغضوب يهيّج الخصومة، وبطيء الغضب يسكّن الخصام." (أمثال 18:15)

3- متاعب صحية ونفسية
إن كان المغضوب عليه يصيبه بعض الأذى إلا أن الغضوب يُصاب بأذى أكبر. فالغضب يسبّب له الكثير من المتاعب النفسية. إنه يحرم نفسه من راحة البال والعيش في سلام. هل تنتظر من إنسان غضوب يجرح مشاعر الآخرين، أن تصفو حياته وعلاقاته معهم؟ كما أن هناك متاعب صحية، فكثيرون من أصحاب الطبع الحاد يُصابون بأمراضٍ مثل ارتفاع ضغط الدم والبول السكري وغيرها، وتظهر عليهم علامات الشيخوخة المبكّرة. يقول الكتاب: "مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه." (أمثال 28:25)

ولكن كيف يمكن التعامل مع الغضب؟

1- التخلُّص من المشاعر السلبية
الذين لديهم مركّبات نقص ويحاولون تغطيتها بالغضب عليهم أن يقبلوا أنفسهم كما هم، ويتخلّصوا من مشاعر الغيرة والحسد. والذين يعانون من الإرهاق أو الفشل أو الرفض، عليهم أن يتعاملوا مع هذه المشاعر السلبية بوضعها في مكانها الصحيح حتى لا تكون عاملًا لاهتزاز شخصياتهم وفقدانهم لأعصابهم. يكتب الرسول بولس: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب... لا يغلبنّك الشرّ بل اغلب الشرّ بالخير." (رومية 19:12-21)

2- ضبط الأعصاب
وهذا يستلزم عدم التسرّع عند الانفعال؛ ويقترح البعض العدّ من واحد الى عشرة عندما تجتاحنا مشاعر الغضب. يكتب الرسول يعقوب: "إذًا يا إخوتي الأحباء، ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلّم، مبطئًا في الغضب، لأن غضب الإنسان لا يصنع برّ الله." (يعقوب 19:1-20) ويقول الحكيم: "تعقّل الإنسان يبطئ غضبه، وفخره الصفح عن معصية." (أمثال 11:19)

3- الجواب الليـِّن
وهذه مسؤولية المغضوب عليه: يجب ألّا يردّ الغضب بغضب مثله ولا الصياح والكلمات الجارحة بمثلها. عليه أن يطفئ نيران الغضب ولا يزيدها اشتعالًا. يقول الحكيم: "الجواب اللَّيِّن يصرف الغضبَ، والكلام الموجع يهيِّج السخط... لا تقل: [كما فعل بي هكذا أفعل به.] أردّ على الإنسان مثلَ عمله." (أمثال 1:15 و29:24)

ولكن ماذا عن الغضب المقدّس؟
ليس كل ما يمكن تعريفه بالغضب هو خطية. يوجد فرق بين الانفعال الذي هو عاطفة إنسانية لدى كل إنسان وبين العدوانية. فإن كان الغضب لأجل أمر يمس مجد الله... ولا دخل للذات فيه... بدون النزوع الى الأذى، يمكن أن نطلق عليه "الغضب المقدس" أو الغيرة المقدسة. ولنا في ذلك مثال بغضب المسيح حينما رأى تدنيس الهيكل. فصنع سوطًا وطرد الباعة وألقى دراهم الصيارفة على الأرض وقلب موائدهم. يقول الكتاب: "حينئذ تذكّر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتني." (يوحنا 12:2-17) هذا هو الغضب المقدس وهذه هي دوافعه. فلا نحاول في كل مرة نغضب أن ننسب غضبنا الى الغضب المقدس ونحن منه براء.
ليعطي الرب نعمة لكل من يواجهون صعوبة في ضبط النفس لكي يتخلّصوا من دوافع الغضب حتى يمكنهم أن يتمتّعوا بالسلام النفسي، والسلام مع الآخرين، وقبل كل شيء بالسلام مع الله. ولست أجد ما أختم به أجمل من هذه الكلمات التي أوصى بها يوسف إخوته: "لا تتغاضبوا في الطريق." (تكوين 24:45)

المجموعة: آب (أغسطس) 2022