تأمّلنا في العدد الماضي بالبركة الأولى – وهي الرب يسوع ينقلنا من الموت الأكيد إلى الحياة الأبدية الأكيدة -

التي نحصل عليها عندما نتّحد بموت المسيح وقيامته ونختبر فعلاً خلاصَنا وقوّتَه.
ثانيًا: ينقلُنا من الحَضيض إلى النُّصرة المجيدة
ما معنى الحضيض؟ معناه أن يعيشَ الإنسانُ في ذُلٍّ وسقوط كامل. وعلى الرَّغم من مظهرِ التديُّن واللِّباسِ الأنيق الذي يظهرُ به في احتفال القيامة، لكنَّه من داخل، مثلَما وصفَه الرب يسوع المسيح، كالقبر المليء بالعِظام الميّتة ومن الخارج رُخام. هذا هو واقعُ الإنسان. لكنَّ الرب يقدرُ أن يرفعَ نفسك. ألم يقلْ: "ونحنُ أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح، بالنِّعمة أنتم مخلَّصون، وأقامَنا معه، وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع." (أفسس 5:2-6) فهل هناك أحلى من أن تسموَ وتترفّعَ؟ ومهما كان الخارجُ بشِعًا!
نحن هنا في تكساس لا نقدر أن نعيشَ من دون المكيّف؟ تكونُ الحرارة 100 درجة في الخارج ولكنَّ المكيّف ثُبّتَ على درجة 72. لهذا فنحنُ نشعر بالراحة. هكذا الحرارةُ الداخلية مع المسيح تكونُ حلوةً ومستقرّة على الرغم من الخطية المحيطة بكَ بسهولة لأنَّه في الداخل يوجد عملُ نعمة المسيح. الرب يقيمُ الإنسان... كانت حياتُنا ظلمةً، والآن من المفروض أن يكونَ فيها نورُ المسيح السّاطع منعكسًا على حياة الآخرين.
كنت أقرأُ قصة روبرترا لانغيلا في كتاب "جيم سنبالا" تحت عنوان: "النارُ الجديدة والريحُ الجديدة". عاشت هذه البنت في بيتٍ ممزَّق، هربتْ منه وهي بعمرِ 16 سنة. كما تركتْ أمُّها أباها وعاشت مع شخصٍ آخر. ذهبت روبرترا إلى نيويورك وعاشت هناك حياة الدعارة مع شخصٍ من دون زواج وأدمنتْ على المخدرات. حتى اضطُرَّت وصاحبُها فيما بعد أن يبيعا كلَّ شيء عندهُما لكي يتعاطَيا الهيروين والكوكايين بالاشتراك مع ثلاثين شخصٍ آخرين في نفس الإبرة. وحين رجعَت إلى أمها، وضعَتْها في مصحٍّ مختصّ لإعادة تأهيلها من جديد. لكنَّها اكتشفتْ عندئذ أنَّها مصابةٌ بالإيدز. وهنا تذكَّرَت جارتها المؤمنة التي كانت تُحسِن إليها وتساعدُها، فذهبتْ معها إلى اجتماعات ديفيد ويلكرسون، رجل الله وهناك في الاجتماع طلبتِ المسيح. يقول عنها جيم سنبولا الكاتب: ونقلَها الربُّ من الحضيض وصارت فيما بعد تخدِم الرب وتعيشُ له. وكانت حياتُها مؤثرةً جدًا في الآخرين. أجل، "الأشياءُ العتيقة قد مضتْ، هوَذا الكلُّ قد صار جديدًا." (2كورنثوس 17:5) فإذا كان الله يقدرُ أن يعملَ مثلَ هذا في حياة بعض الناس ألا يقدرُ أن يعملَ في حياتك أنت أيضًا؟! بالتأكيد، سينقلُك من النجاسة الكاملة إلى القداسة الكاملة، حتى يكونَ نورُ المسيح واضحًا في حياتك. هل نورُ المسيح يَشعُّ في حياتك؟ أم أنَّكَ تعيش في الظِّلّ؟ بعض الأشخاص فيهم نور ولكنه خافت (كالنوّاصة).
حين كنتُ أقرأ على ضوءٍ ضعيف كان أبي يأتي ويقول لي: "يا ابني، يا حبيبي، لا تقدر أن تتمتَّع بالشيء الذي تقرأه بدون ضوءٍ قويّ." لذلك إذا لم يكنْ نورُ المسيح واضحًا في حياتنا، فالناس لا يرَوْنَ حياتنا رسالةً مقروءةً. ولكن نشكرُ الرب لأنه يقدر أن ينقلنا من الحضيض إلى النُّصرة المجيدة. يقول الرسول بولس: "أن تخلَعوا من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدَّدوا بروح ذهنكم، وتلبَسوا الإنسانَ الجديد المخلوقَ بحسب الله في البرّ وقداسة الحقّ." (أفسس 22:4-23)
قلْ للرب: أعطني بدايةً جديدة معك في حياة القداسة والنصرة بكلِّ معنى الكلمة.
هناك شيءٌ يجب أن ننتبهَ إليه كأولاد الرَّبّ في هذه الأيام الأخيرة، أن ننتبهَ من التحزُّب...من تَسييسِ الكنيسة... من الحقد... فهذه كلُّها تُعدُّ من أعمال الجسد. مثلًا: من الحقد بالنسبة للطائفة... من الحقد الناتج عن التمييز العنصري حولَ العالم. فلْنحذَر من هذا كلّه حتى يحفظ الرب قلوبنا جميعًا في مسيرة القداسة.
منذُ عدة أيام كنتُ أقرأ عن امرأة اسمُها ليديا سميث. فبعدَ معركة غاتيسبرغ عام 1860 التي حدثتْ فيها مجزرةٌ كبيرة أثناء الحرب الأهلية الأميركية - إذ كان الجنوبُ ما يزال مصِرًّا على استعباد السود ويقاتلُ ضد أبراهام لنكولن والشمال – والتي قُتل وجُرح فيها حوالي 50 ألف شخص، كانت ليديا سميث هذه تحملُ في نسَبِها زواجًا خليطًا بينَ السُّودِ والبيْض. هرَبَتْ ليديا من الجنوب وذهبت إلى الشمال في عرَبةِ حِصان كانت قد استأجرتْها وملأَتْها بكلِّ ما يلزَمُ من أدويةٍ ومعَدَّاتٍ لمساعدة الجرحى ومداواتِهم. وصارت تساعدُ الناس اللَّابسينَ لباس (اليانكيز) أي جيشَ الشمال الذي يحاول أن يحرّرَ العبيد. ولكن حين رأتْ أناسًا أيضًا من جيش الجنوب (أعداء بني جنسها) وهم مجروحين ومطروحين أشفَق قلبُها عليهم وتحنَّنتْ مثلَما تحنَّن المسيح، فذهبت إلى أحد المصابين بينما كان يحتضرُ، وقالت له: "هل أقدرُ أن أعطيَك بعض الماء؟" وبهذه الطريقة ربِحَتْ نفوسًا كثيرة للمسيح. أوه، ما أحلى هذه الحياة التي يدعونا إليها الرب. ليتَ محبَّتنا تجاه بعضِنا البعض وتجاهَ النفوس من أيَّةِ خلفية كانت، تزدادُ يومًا فيومًا. لأنَّ المحبة تسترُ الأخطاء، وتحملُ الأعباء، وتَظهرُ في البذل والعطاء، وتقدِّمُ بيسوع الدواء، وتربحُ النفوس للسماء. الرب يعطينا محبةَ المسيح.
هل تستطيع أن تذهب اليوم مع الرب إلى مشهد الصليب وتنظرَ الوضعَ الهائل الذي كان عليه وعلى أمّه والمريمات اللواتي كنَّ حولَه؟ هل تقدرُ أن ترى مريم المجدلية التي ذهبتْ إلى القبر لتبكي؟ هل تستطيع أن ترى الحزن والفشل يعلو وجهَ التلاميذ؟ قضى التلاميذ عدَّة أيام قبل أن يُدركوا قيامةَ المسيح حتى بعد أن ظهرَ لهم وقال: سلامٌ لكم. نعم، ما أحلى هذه الكلمات! مكتوب: "ففَرِح التلاميذ إذ رأوا الرَّب." عندما لم يكونوا قد رأوه قد قامَ بالفعل، كانوا مختبئين في الغرفة، خلفَ الأبواب المغلَّقة. لكنْ كان باستطاعتِهم أن يتذكَّروا ذاكَ الذي كان يشفي الأبرص، ويحملُ الأولاد ويضمُّهم إلى حضنه، وكيف كانَ يعامِلُ المرأة بكلِّ احترامٍ وإكرام. لكنّهم كانوا خائفين. وهنا يأتي الربُّ نفسُه المُقام ويقول لهم: سلامٌ لكم! واليوم يا أخي، يريد الرب أن يمنحك هذا السلام أيضًا. بغضِّ النظر عن الأشياء التي جرحَتْك وأحزنَتْ قلبك، أو النَّكبات والمصائب التي تواجهُها في حياتك. لأنَّك عندما تأتي إلى صليب المسيح وتتَّحد معه في عمل قيامته من خلال عمل الروح القدس، يكون جوابهُ لك: "لأعطيهم جمالًا عوضًا عن الرماد، ودُهنَ فرحٍ عوضًا عن النَّوْح، ورداء تسبيحٍ عوضًا عن الروح اليائسة، فيُدْعَوْنَ أشجارَ البرِّ، غرسَ الرب للتمجيد." (إشعياء 3:61) فإذا أتيت إليه اليوم وهناك أشياءٌ تؤلمُك وتحزنك قل له: يا رب أنتَ غيِّرْها مثلَما تحوِّل الرَّماد إلى لؤلؤة جميلة جدًا. قل له: يا رب، عزّني من كلمتك حسب وعدك: "... أن كلَّ الأشياء تعمَل معًا للخير للَّذين يحبّون الله..." (رومية 28:8)
كنتُ أقرأ عن حياة ليو لارانج، أحدِ خدام الرب. هذا بدأ حياتَه بطريقةٍ غير عادية، إذ كان يسرِقُ وينهب حتى آلَ به المآل إلى السجن عدةَ مرات. وبعدها ارتكبَ جريمةً فزُجَّ بالسجن من جديد. وهناكَ انتابتْهُ حالةٌ من اليأس الكامل. وبينما كان في عتمةِ السجن استطاعَ أن يرى من خلال الضوء المنبعث من النافذة ما كانَ مكتوبًا على الحائط فقرأ ما يلي: "إذا وصلْتَ إلى نهاية رحلتك وفقدتَ كلَّ الرجاء من ذاتك ووجدتَ نفسك في حالة من اليأس والدموع فلا تبكِ، تذكّر يسوع. "وهناك طلب الربَّ يسوع وقال: يا رب، ليس لي سواك، أنا وصلْتُ إلى حالة من الإفلاس الكامل، عملتُ كلَّ شيء على طريقتي الخاصة، ولكن الآن أريدُ أن أسلِّمكَ حياتي كيما تُديرُ أنت الدفَّة." وهناكَ لمسه الربُّ بروحه القدوس وغيَّر حياتَه بالتمام. وخرج بعدَ حوالي خمس سنين من السجن، وذهب ليخدمَ الرب. ودرسَ أيضًا وحصَلَ على شهادة جامعية عالية. وما زالَ يخدِم الرب إلى اليوم.
فالربُّ وحده يقدر أن يحوِّل زنزانةَ الحزن في حياتك، القبر الذي هو مصدرُ الحزن، إلى فرح في حياتك لأجل مجدِه. فتعال إلى القبر الفارغ، هناك يوجد بركةٌ عظيمة واختبارٌ لمحبة الرب، للحياة الأبدية، لحياة النصرة مع المسيح، لحياة التعزية مع شخصه.

المجموعة: أيار (مايو) 2022